لم يسبق للخطاب السياسي في لبنان أن بلغ مستوى متدنياً كالذي تضجّ به المنابر والندوات قبل الانتخابات النيابية، بحيث بات استقطاب الناخبين وكسب أصواتهم في صناديق الاقتراع، يتيح للقوى السياسية استخدام كلّ الأسلحة السياسية في هذه المعركة، بما فيها الشتائم وتخوين الخصوم، وصولاً إلى اعتماد شعارات طائفية على أنها تجارة رابحة.
ولا يزال كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي قاله يوم الجمعة الماضي، مادة للتداول وتراشق الاتهامات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي قال فيه إن «أخصامنا في انتخابات بيروت يشكلون 45 ألف صوت من (أمل) و(حزب الله) و(الأحباش) ومعهم بعض الأوباش»، ما استدعى حملة عنيفة ضدّه لم توفّر تيار «المستقبل» أيضاً، الذي بدا محرجاً من هذا الكلام ولم يصدر أي توضيح أو اعتذار بشأنه، يخفف من النقمة تجاهه. إلا أن مسؤولاً في الحملة الانتخابية لـ«تيار المستقبل»، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الماكينة الانتخابية لم تتأثر لوجيستياً بما ورد على لسان المشنوق». ورأى أن «ارتدادات هذا الكلام انتخابياً تتطلّب إحصاءات غير متوفرة الآن»، لكنه لفت إلى أن «هذا الموقف لن يبدل بقناعات محازبي (المستقبل) والجمهور الملتزم خطنا السياسي»، لافتاً إلى أن «حملات التجريح التي أتت من الطرف الآخر كانت قاسية، وطالت رموزنا بشكل سلبي جداً، وبالتالي الإساءة لم تكن من طرف واحد».
وكان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، اعتمد الأسلوب التجريحي وبشكل أكثر قسوة، في سياق دفع جمهوره إلى انتخاب مرشحيه، عبر وصف خصومه بأنهم أتباع «داعش» و«النصرة»، قاصدا بذلك كلّ اللوائح التي شكّلت بمواجهة الثنائي الشيعي في لبنان.
ورغم التزام «تيار المستقبل» الصمت حيال خطاب وزير الداخلية أحد أبرز مرشحيه في دائرة بيروت الثانية، فإنه لم يصدر أي كلام مؤيد له، غير أن عضو المكتب السياسي في «المستقبل» راشد فايد، دعا إلى «أخذ كلام المشنوق من باب حسن النيّة».
وأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «لم يقصد بكلامه من ذُكِرت أسماؤهم (حركة أمل وحزب الله والأحباش)، بل فئة محددة سبق لها أن أساءت لبيروت، لكن الجميع اعتبروا أنفسهم معنيين بهذا الكلام»، لافتاً إلى أن «كل الفرقاء يتهمون خصومهم بأقسى العبارات، مثل نصر الله الذي صنّف أخصامه على أنهم أتباع لـ(داعش)»، وعبر فايد عن أسفه لأن الانتخابات «دفعت البعض إلى استنفار العصبية واستخدام تسميات في غير مكانها».
وقال: «يبدو أن هذا الخطاب ينسي الناس همومها المعيشية، ويعيدها إلى استنفار العصبيات، وهي محاولات موفقة من الجميع لاستمالة الجمهور».
لكنّ باكورة المواقف البعيدة عن أدبيات الخطاب السياسي في لبنان، بدأت مع فيديو مسرّب لرئيس التيار الوطني الحرّ، وزير الخارجية جبران باسيل في لقاء انتخابي بمنطقة البترون (شمال لبنان) وصف فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البلطجي»، وهو ما أثار غضب أنصار حركة «أمل» الذين عمدوا إلى قطع الطرقات، ومهاجمة مكتب «التيار الوطني الحرّ» في منطقة سنّ الفيل (شرق بيروت)، وكاد هذا الموقف يؤدي إلى أزمة سياسية، تمثّلت بتلويح وزراء «أمل» بالاستقالة من الحكومة، قبل أن يتدخل رئيس الجمهورية ميشال عون، ويلتقي الرئيس نبيه بري في القصر الجمهوري ويعبّر له عن رفضه الإساءة التي لحقت به.
وتبقى تبعات كلام باسيل ضدّ برّي ماثلة، تترجم بقطيعة شبه كاملة على صعيد العلاقة بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، حيث لفت القيادي في «التيار» الوزير الأسبق ماريو عون، إلى أن الخطابات ذات السقوف المرتفعة «تأتي في سياق شدّ العصب الانتخابي وإثارة القواعد الشعبية». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على ضرورة «استخدام أدبيات خطابية تتحلّى بروح المسؤولية». ورأى أن «انتقاد الخصم مسألة مطلوبة ضمن الأدبيات الأخلاقية، لإظهار الفوارق بين البرامج السياسية في معالجة الملفات، لكن بأسلوب لا يسيء إلى كرامة الآخرين». وقال: «ربما هذا الأسلوب يستهوي بعض الناس، لكن أغلبية اللبنانيين يرفضون إثارة الغرائز والتجريح، والإساءة إلى القواعد الشعبية المؤيدة للأطراف الأخرى، ونحن في (التيار الوطني الحرّ) مع الغالبية التي تقدّم لغة الحوار على لغة التصعيد والتجريح».
التخوين وإثارة العصبيات أبرز أسلحة الانتخابات في لبنان
التخوين وإثارة العصبيات أبرز أسلحة الانتخابات في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة