كانت مفاجأة بالنسبة للبناني هادي مكتبي أن يتصل به متحف «اللوفر» الفرنسي، طالباً منه المشاركة في معرض «إمبراطورية الورود» الذي يفتتح في 28 مارس (آذار) الحالي، ليستمر حتى 22 يوليو (تموز) المقبل.
فالحدث الذي يسلط الضوء على حقبة فنية قديمة، ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقرن التاسع عشر، ستتلون أقسامه بأوانٍ ولوحات وأدوات ومنحوتات وقطع سجاد وجواهر، وغيرها من الفنون التي تعود إلى تلك المرحلة (سلالة قاجار)، وقد وقع طريقة عرضها دار «كريستيان دولاكروا». ويعد هذا المعرض الأول من نوعه الذي ينظّمه المتحف المذكور، والذي يتناول فترة من التاريخ الحديث. ويسلط المعرض الضوء من خلال 400 قطعة فنية اختيرت من مجموعات خاصة تعود ملكيتها إلى مؤسسات أوروبية وشرق أوسطية وأميركا الشمالية.
ويشارك هادي مكتبي في هذا المعرض من خلال 4 قطع سجاد كان قد قطع مسافات طويلة للحصول عليها، لا سيما أنه يقدرها تماماً كالجواهر، كما ذكر لنا. وعن كيفية دعوته للمشاركة في هذا المعرض العالمي، يرد: «لقد شكل لي الأمر مفاجأة كبيرة، إذ إنها المرة الأولى التي أشارك في معرض ينظمه متحف (اللوفر) الفرنسي. فقد سبق وشاركت في معارض أقيمت في بلدان كثيرة، وبينها في متحف (فيكتوريا وألبرت) في لندن، وكان هو من دلّ متحف اللوفر عليّ».
السجادات الأربع التي يشارك فيها مكتبي في «إمبراطورية الورود» كان قد سبق واشتراها منذ نحو 10 سنوات في مزادات علنية أقيمت في أوروبا وأميركا، وعن ذلك يقول: «لقد كنت مهتماً بها كوني أعرف تفسير لغة النصوص المنسوجة عليها، التي تحكي عن تاريخها وعمرها وعن صاحبها وبأمر من صُنعت. وهذه الرموز التي استطعت تفكيكها، بفعل دراستي لغتها ضمن اختصاصي في الفنون التاريخية، شكلت الضوء الذي استطعت من خلاله أن أتعرّف على قيمة تلك القطع من الناحيتين المادية والتاريخية».
ويرى مكتبي أنّ قيمة السجاد عادة تكمن في تاريخه، إذ إن فن حياكة السجاد شكّل وسيلة في الماضي لفنانيه للتعبير من خلاله عن أفكارهم وآرائهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، موضحاً: «هناك رسومات نستشف معناها مباشرة بمجرد إلقاء نظرة عليها، وهي تخبرنا قصصاً مختلفة. وعادة ما تتألف القصص تلك من طريقة حياكة ونوعية صوف وألوان صباغة موجودة على شكل لوحات على السجادة نفسها. وهي أحياناً كثيرة تميل إلى الألوان الترابية بشكل أكبر لأنّها ترتبط مباشرة بشخصيات هامة تقف وراء صناعة هذه السجادة أو تلك بعد أن نفذت بناء على أوامر منها».
ويعد السجاد عامة، حسب هادي مكتبي (يدرس تاريخ الفن في الجامعة الأميركية في بيروت)، دليلاً تاريخياً ومرجعاً نستند إليه لتحديد حقبات معينة. ويعد القرن التاسع عشر من المراحل التاريخية التي بقي فيها هذا الفن مغموراً إلى حد ما.
وتتراوح أحجام قطع السجاد الذي يشارك به مكتبي بين 2 و6 أمتار، وتعرف بـ«سجاد القصور»، واستغرق صنع بعضها نحو 10 سنوات. والورود والأسود تشكل الرسوم الأساسية المنسوجة على تلك القطع، وبعضها تم استيحاؤه من لوحات رسم زيتية موقعة من فنانين فرنسيين اشتهروا في الفن الانطباعي، وهو ما يشير إلى انتشار هذا الفن من قبل رحالة فرنسيين جالوا العالم.
وعن سبب اختياره لهذه القطع للمشاركة فيها، يوضح: «لقد سادت في فترة زمنية موضة جديدة في الفنون الفرنسية، ترتكز على رسومات للورد الجوري، وكان ذلك في عهد نابليون الثالث في عام 1850. ومن هنا، جاء هذا الخيار متلائماً مع عنوان المعرض الذي يُنظّم في اللوفر لأربعة أشهر متتالية، تحت اسم «إمبراطورية الورود».
ويضيف مكتبي: «فن حياكة السجاد له أربابه وفنانوه، ويعبر عن حضارات مختلفة وموضة فنية منوعة. فالأرمن تأثروا بالحضارة الروسية، ونسجوا قطع سجاد معروفة بالقوقازي، فيما الشرق العربي تأثر بفنون الهند والصين في هذا المضمار، وجرى تناقله بين تركيا وبلاد فارس وعدد من الدول العربية. ويعد أهل الخليج العربي أهم المستهلكين لهذه الأنواع من السجاد المحاك بخيوط صوف ذات جودة معروفة وملونة بصباغات نباتية نادرة، كان يحملها معهم التجار من بلاد إلى أخرى».
ويفتخر مكتبي (صاحب متجر خاص بالسجاد في بيروت) كونه العربي الوحيد الذي اختير للمشاركة في هذا المعرض العالمي، فهو تربّى على هذا الفن أباً عن جد، إذ شكلت عائلته مرجعاً مشهوراً في فن السجاد ببيروت. وقد استعين به شخصياً لانتقاء باقي السجادات المعروضة بناء على الخبرة الواسعة التي يتمتع بها في هذا الشأن، مضيفاً: «إنّ القسم الفني المتعلق بالسجاد في هذا المعرض يتضمن 9 قطع نادرة، بينها 4 أمتلكها، وقد حملتها معي إلى هناك من لبنان، فيما اثنتين منها اخترتها من المتحف البريطاني (فيكتوريا وألبرت). ولقد وجدت أخرى في مخزن متحف اللوفر الذي لم يكن على علم بأهميتها، وقد تم شراؤها من قبل في عام 1922. أمّا القطعتين الأخيرتين، فقد حصلت عليهما من فرنسي، وهو صديق قديم لجدي يهوى جمع قطع السجاد».
لبناني يشارك في معرض «إمبراطورية الورود» بمتحف «اللوفر»
يهوى جمع قطع السجاد النادرة منذ أكثر من 20 سنة
لبناني يشارك في معرض «إمبراطورية الورود» بمتحف «اللوفر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة