لقاحات نانوية مضادة لفيروسات الإنفلونزا

أنواع جديدة تقضي على العدوى خلال 24 ساعة

TT

لقاحات نانوية مضادة لفيروسات الإنفلونزا

نجح باحثون في جامعة نبراسكا في الولايات المتحدة الأميركية في تصنيع لقاح ضد الإنفلونزا يعتمد طريقة جديدة تفتح الباب لصناعة لقاحات طويلة المدى ضد الإنفلونزا الوبائية، فقد صرح الأستاذ المساعد إريك ويفر من جامعة نبراسكا بأن اللقاحات الحالية قللت مقدار الإصابة بما لا يتجاوز 4.75 في المائة، وساعدت فقط 6.9 في المائة فقط من المصابين من خلال عدم الحاجة لزيارة طبيب، كما أن هذه اللقاحات فعالة بنسبة أقل من 60 في المائة، هذا في حالة تطابق اللقاح مع الفيروس المنتشر في تلك المنطقة وفي تلك السنة.
ويتضح مقدار مشكلة العدوى عند النظر لما أعلنته مراكز مراقبة الأمراض واتقائها الأميركية عن مقدار الإصابات. فمثلا كان هناك 50 مليون إصابة بالإنفلونزا في الولايات الأميركية في عامي 2015 و2016 مع نحو مليون حالة كانت بحاجة لعناية داخل المستشفيات ووفاة ما بين 12 ألفا و56 ألف حالة سنويا في آخر عشر سنوات
.
لقاحات مختبرية

الطريقة الاعتيادية للقاح الإنفلونزا هي حقن الشخص بكمية من فيروسات الإنفلونزا الضعيفة أو الميتة لإكساب جسمه المناعة، ولكن من تحديات هذه الطريقة وجود عدد كبير من الفيروسات المسببة للإنفلونزا، لذلك يكون اللقاح السنوي عبارة عن تقدير أي مجموعة ستنتشر في المستقبل القريب وعلى هذا الأساس يتم تصنيعه، فلن يحمي اللقاح الشخص ضد كل أنواع الإنفلونزا ولا لفترة طويلة. والتحدي الأكبر هو استمرار هذه الفيروسات بتحوير نفسها وبروتيناتها فيظهر كل فترة شكل جديد منها، وهذا ما يؤدي إلى فشل الجهاز المناعي في التعرف عليها كسابقاتها، حيث يتعرف عليها من خلال رأس بروتين يسمى هيماغلوتينين يوجد على سطحها، ولذا لا يستطيع مقاومتها بشكل مباشر فتحدث الإصابة. ما تم على يد باحثي جامعة نبراسكا هو اعتماد جينات أسلاف الفيروسات الحالية، وتجميع لجينات فيروسات الإنفلونزا واستخدام فيروس اعتيادي آخر كحامل لها وحقنها في فئران التجارب، فقد تم حقن فئران التجارب بفيروسات حاملة لجينات السلالات (H1، H2، H3، H5) وهي تمثل عددا كبيرا من فيروسات الإنفلونزا المنتشرة؛ تم بعدها تعريض هذه الفئران لجرعات قاتلة من 9 أنواع من فيروسات الإنفلونزا من ضمنها H1N1، H3N1، H3N2، H5N1. والنتيجة كانت نجاة الفئران من 7 سلالات من هذه التسعة بنسبة 100 في المائة. ولكن هذه المحاولات لا تزال في المختبرات وعلى فئران التجارب، فقد صرح الباحثون العاملون عليها عن أنهم سيحتاجون للعمل عليها حتى 2020 أو 2025 للتأكد منها وتطبيقها على الإنسان.

تطعيم نانوي

على صعيد آخر في مكافحة الإنفلونزا، اتبع باحثون آخرون من جامعة ولاية جورجيا الأميركية اتجاها مختلفا تماما عن أقرانهم في جامعة نبراسكا، فبدلا من استخدام جينات الأسلاف تم استخدام جسيمات بروتينية نانوية هدفها منع ساق البروتين المذكور (هيماغلوتينين) من التحلل، لتكون هذه الجسيمات هي حامل هذا البروتين في اللقاح، وبهذا يكون اللقاح اعتمد على هذا الجزء من البروتين بدلا من رأسه في كثير من التغير والتشكل.
قام الباحثون بالتأكد من مفعول هذا النوع من الملقحات بحقن فئران التجارب مرتين بهذا اللقاح، ومن ثم تم تعريضها لعدة أنواع من فيروسات الإنفلونزا (H1N1، H3N2، H5N1، H7N9)، وكانت النتيجة هي أن المناعة كانت مناعة عامة لفيروسات الإنفلونزا وحماية كاملة عند التعرض لجرعة مهلكة من الفيروسات، وخفض كبير في كمية هذه الفيروسات في الرئة. والآن هم بصدد تنفيذ التجارب على القوارض كإحدى المراحل قبل تجربتها على الإنسان.
من جهة أخرى، قامت شركة يابانية تحمل اسم «شيونوغ» Shionogi بصناعة دواء «زوفلوزا Xofluza» يقضي على الإصابة بالإنفلونزا خلال 24 ساعة كمعدل؛ وصرحت بأن المريض لن يحتاج أكثر من حبة واحدة منه، فهو يختلف جذريا عن الأدوية المنافسة مثل «تاميفلو» Tamiflu الذي يحتاج لـ72 ساعة. وهو يقاوم تكاثر الفيروس بمنعه من التكاثر عن طريق منع إنتاج أنزيم يحتاجه الفيروس للتكاثر. هذا الدواء قد حصل على الضوء الأخضر للبيع داخل اليابان، ويتوقع خلال سنة بدء انتشاره عالميا عن طريق شركة «روش» (Roche) التي تمتلك «تاميفلو».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً