عين العالم على عهد جديد للسينما في السعودية

شركات بريطانية وأميركية وآسيوية تتنافس على دخول السوق

«ذا أفنجرز»: مؤثرات الصوت والصورة - المنتج السينمائي  حماد الأتاسي
«ذا أفنجرز»: مؤثرات الصوت والصورة - المنتج السينمائي حماد الأتاسي
TT

عين العالم على عهد جديد للسينما في السعودية

«ذا أفنجرز»: مؤثرات الصوت والصورة - المنتج السينمائي  حماد الأتاسي
«ذا أفنجرز»: مؤثرات الصوت والصورة - المنتج السينمائي حماد الأتاسي

بينما الاستعدادات الإدارية والتقنية والعمرانية تمضي على قدم وساق لاستقبال عهد جديد من مناخات التحديث والتطوير في البنية الفنية والثقافية في المملكة العربية السعودية، ترتفع الآمال المعلقة على أن تكون السينما، كصناعة وكتوزيع، رأس الحربة في هذا الاتجاه الجديد لبلد تحاشى، سابقاً، الاشتراك مع محيطه والعالم في عرض الأفلام السينمائية أو تصنيعها، على رقعة كبيرة، في المملكة.
والمسألة برمّتها لها أكثر من جانب تدعمها اليوم التوجهات الجادة لاستحداث نهضة شاملة تخلق مملكة جديدة ومحورية على الأصعدة كافة. فالسينما لها عدة كيانات لا تستطيع أن تنجح من دونها ومن بينها التصنيع والتسويق ووجود صالات سينمائية تعرض ما يتم إنتاجه.
الذي حدث تبعاً لقرار المملكة افتتاح صالات السينما والبدء بعروض الأفلام المنتجة عالمياً، بعدما كان ذلك محظوراً في السابق، أن السينمائيين السعوديين من ناحية والعرب الآخرين من ناحية ثانية ثم العالميين، ثالثاً، أدركوا سريعاً قيمة الفرصة المتاحة وأخذوا يبنون عليها ما سيمنح السعودية الواجهة الثقافية والفنية والتجارية أيضاً لصناعة سينمائية متكاملة.

الحدث الأهم
يقع معظم التوزيع العالمي للأفلام الواردة من الغرب في أيدي شركات لبنانية احترفت العمل ونجحت فيه. أسست هذه الشركات أعمالها على نطاق واسع تبعاً لعقود من العمل الجاد غير المؤقت. خلالها كسبت ثقة الاستوديوهات الأميركية كما الشركات الغربية الأصغر منها. هذا قبل وخلال انتقال الكثير من هذه الشركات إلى بناء الصالات السينمائية ذاتها في عواصم عربية رئيسية مثل أبوظبي ودبي وبيروت وعمّان والكويت والبحرين وقطر.
أصحاب هذه الشركات ومسؤوليها الكبار، مثل هيام صليبي وحمّاد الأتاسي وماريو حداد وسليم رميا وسواهم، أدركوا باكرا أهمية السوق السعودية وانتظروا الفرصة المناسبة للمشاركة في تشييدها. وحالياً ينتقلون ما بين بيروت ودبي والرياض لأجل إتمام العقود وافتتاح الصالات ومتابعة النجاح الذي يتوخاه الجميع من هذه الفرصة التجارية الثمينة.
في حديث مع الموزع حماد الأتاسي مباشرة بعد إعلان السعودية رسمياً عن سماحها بفتح السوق المحلية للعروض السينمائية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال صاحب شركة «برايم فيلمز»: «هذا أهم حدث سينمائي في تصوّري وجاء في وقته. كلنا كنا ننتظر هذه الخطوة ونعتبرها دليلاً على النقلة النوعية للعهد الجديد في هذا المجال. وسابقاً ما كانت الأنباء تتوارد من حين لآخر حول احتمال رفع الحظر عن العروض السينمائية وكنا دائماً جاهزين للمساهمة لتفعيل هذا القرار».
حمّاد الأتاسي، ابن المنتج الأسطوري الراحل نادر الأتاسي، يتناول موضوع المنافسة على دخول السوق السعودية في هذا الوقت تحديداً وما هي الشركات المؤهلة فعلياً لذلك: «السينما مثل السهل الممتنع. هي سهلة بالنسبة لنا وممتنعة لسوانا. عليك أن تعرف كيف تبني الصالة بالميزانية المناسبة وفي المكان الصحيح وكيفية تأمين متطلباتها بحيث تبدو دائماً كما لو أنها بنيت حديثاً وبأتم صورة عصرية. الجمهور اليوم ابن تكنولوجيا متقدمة تجعله قادراً على التفريق بين نسخة ممتازة من فيلم مؤثرات صوت وصورة عالية من النسخة العادية. عليك أن تعرف كذلك كيف توظّف الأشخاص الذين سيقومون بإدارة الصالات وكيفية إدارتهم وعلاقاتك بأصحاب الأفلام التي عليها أن تكون ناصعة ونقية من خلال علاقات مدروسة وقائمة على ثقة شركات التوزيع العالمية بالموزّع التي تعتمده لكل منطقة حول العالم».

أسئلة حاسمة
لناحية المؤثرات التقنية التي تجعل من مشاهدة فيلم مثل «ذا أفنجرز» متعة كاملة فإن الجمهور السعودي مقبل على التمتع بأعلى وأرقى المبتكرات في هذا الشأن. ومن ناحية أخرى، فإن الجوع لمشاهدة الأفلام سيرتفع إلى سقف تجاري غير مسبوق. يقول الأتاسي: «وقتما تبني 200 مجمع بمعدل 12 إلى 15 مليون دولار تكلفة المجمّع الواحد، فإن تكلفة هذه المجمّعات الإجمالية ستتراوح بين 3 و4 مليارات دولار للمجمع الواحد. بذلك لن يكون من السهل على الكثيرين الدخول في هذا المعترك. عليك أن تكون أولاً خبيراً في المنطقة وتعرف ماذا تقوم به معرفة وثيقة وبعد دراسة».
على أن هذه الخبرات ليست محتكرة من قِبل العرب والتجربة الإماراتية أكدت لمستثمرين أجانب كثيرين أنه من المفيد جداً الاستثمار في بناء صالات سعودية بعدما برهنت التجربة الإماراتية عن نجاح كبير جداً في هذا الشأن.
بعد صدور قرار السماح بعرض الأفلام داخل المملكة، أسرعت شركات بريطانية وكورية وأميركية ومكسيكية وصينية وهندية بتبني الرغبة في دخول السوق السعودية والعمل فيها. هذه الشركات كانت أبدت اهتمامها الكبير بالسوق الخليجية ككل بناء على نجاح النموذج الإماراتي في هذا الشأن.
السؤال هنا هو كيف يمكن وسط هذا الزخم من الشركات أن يبدأ العمل لكي يستطيع أولاً استرداد تكلفته وثانياً تحقيق الأرباح. يوضح الأتاسي ذلك بقوله: «حتى تتم الفائدة على مستوى جيد ومفيد للمستثمرين، على كل شركة أن تبني نحو 40 مجمعا سينمائيا كل منها يحوي من 8 إلى 10 صالات لكي تصل إلى الكفاية المطلوبة لتسجيل الأرباح. وتسجيل الأرباح لن يتم سريعاً لكل المشتركين. بعضهم سيسترد تكلفته أسرع من البعض الآخر تبعاً لخبرته. فالمسألة ليست بناء مجمع صالات في أي مجمّع قائم أو حتى بناء الصالات في أرض يتم شراؤها خصيصاً للغاية. على صاحب كل مجمّع أن يدرس المكان الذي ينوي افتتاح صالات السينما فيه. ليس كل «المولات» مناسبة. عليه أن يدرس المنطقة بأسرها من حيث سهولة أو صعوبة الوصول إلى المجمّع وساعات الزحام وما إذا كانت الصالات التي يبنيها قريبة أو بعيدة من المنطقة المأهولة من ناحية وكم هي قريبة أو بعيدة من المجمّع الآخر سواء أكان مجمّعه هو أو مجمّع منافس. المسافة بين كل مجمع سينمائي وآخر يجب أن لا تقل عن 5 كلم».
بالحسابات ذاتها، فإن من يصل أولاً سيربح أسرع وأكثر. يوافق حماد الأتاسي على ذلك في حديث لاحق قبل سفره إلى الرياض لمتابعة عمليات البناء والتدريب هناك: «بالطبع، الصالة التي من المفترض أن يكون إيرادها السنوي 800 ألف دولار، قد تنجز مليوني دولار في السنة الأولى إذا ما سبقت سواها، والصالة التي من المفترض أن تنجز مليون ونصف مليون دولار قد تنجح في الوصول إلى مليوني ونصف المليون من الدولارات قبل أن يستقر الوضع على أساس دائم».
لجانب هذه الخطوات الحثيثة، فإن إنتاج أفلام سعودية يكمن في رأس الأولويات ومن المبدأ ذاته: «من سيصنع الأفلام السعودية الأولى سيمتص الرغبة العارمة لدى الجمهور السعودي لتشجيع الإنتاج المحلي».



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.