غارات ونزوح جماعي من غوطة دمشق وعفرين

مقتل 36 مدنياً شرق دمشق بقصف من قوات النظام

نازحون من جسرين في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
نازحون من جسرين في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

غارات ونزوح جماعي من غوطة دمشق وعفرين

نازحون من جسرين في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
نازحون من جسرين في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)

واصل آلاف المدنيين نزوحهم القسري هرباً من الموت في سوريا، حيث تقصف قوات النظام بعنف الغوطة الشرقية قرب دمشق بهدف السيطرة عليها بالكامل، وتُصعد تركيا هجومها على منطقة عفرين الحدودية شمالاً لطرد الأكراد منها، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبلغ عدد الفارين من مدينة عفرين منذ مساء الأربعاء أكثر من مائتي ألف مدني شوهدوا في طوابير طويلة من السيارات المحملة بالأمتعة والناس على الطريق المؤدية إلى خارج المدينة.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت مقتل 36 مدنياً في قصف جوي لقوات النظام على بلدات في الغوطة الشرقية بينهم 30 في غارات استهدفت زملكا أثناء محاولتهم الخروج من المدينة.
وتشن قوات النظام منذ 18 الشهر الماضي حملة عسكرية ضد الغوطة الشرقية بدأت بقصف عنيف ترافق لاحقاً مع هجوم بري تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 70 في المائة من هذه المنطقة. وبلغت حصيلة القتلى جراء القصف على الغوطة الشرقية منذ نحو شهر 1400 مدني بينهم 274 طفلاً.
وطالما شكلت الغوطة الشرقية هدفاً لقوات النظام لكونها تعد إحدى بوابات دمشق. وقد فرضت عليها حصاراً محكماً منذ 2013 رافقه طوال سنوات قصف جوي ومدفعي منتظم شاركت فيه طائرات روسية. وتسبب القصف بمقتل آلاف الأشخاص، كما أسفر الحصار عن أزمة إنسانية تجلت بنقص فادح في المواد الغذائية والطبية، ووفيات ناتجة عن سوء التغذية.
وزادت معاناة سكان الغوطة الشرقية مع التصعيد العسكري الأخير، وانتقلوا إلى أقبية غير مجهزة للاحتماء، من دون أن يتمكنوا من الخروج منها تحت وطأة القصف. ومع اشتداد المأساة، بدأت حركة نزوح جماعي الخميس هرباً من الموت وبعد أن فتحت قوات النظام ممرا لخروج المدنيين إلى مناطقها.
وعبر عدد من سكان الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية لوكالة الصحافة الفرنسية عن خشيتهم من الفرار إلى مناطق سيطرة الحكومة خوفاً من الاعتقال أو التجنيد الإجباري، لكن استمرار التصعيد لم يترك أمامهم أي خيار آخر.
وفرّ السبت أكثر من عشرة آلاف مدني من بلدة زملكا عبر معبر حمورية المجاورة التي سيطرت عليها قوات النظام الجمعة، وفق المرصد السوري. وارتفع بذلك إلى «أكثر من 40 ألفاً عدد النازحين في الغوطة الشرقية» منذ يوم الخميس.
وأفاد المرصد السوري بـ«فرار عشرات المدنيين أيضاً السبت للمرة الأولى من مدينة حرستا غرباً».
وأورد التلفزيون الرسمي السوري نقلاً عن مصدر عسكري أنه جرى السبت فتح ممر جديد للمدنيين في حرستا التي تتقاسم قوات النظام وحركة أحرار الشام السيطرة عليها.
وبث التلفزيون الرسمي مشاهد نزوح المدنيين. وأظهرت الصور نساء مسنات يرتدين الأسود وشابات يحملن بطانيات وأمهات يحاولن جرّ عربات أطفالهنّ على طريق وعرة، ورجالا يحملون حقائب على أكتافهم.
وتنقل الجهات الحكومية السكان الفارين من الغوطة إلى مراكز إيواء، في وقت تضيق المدارس القريبة من المنطقة المنكوبة بمئات العائلات. وقال أبو خالد عمري (35 عاماً)، الذي لجأ إلى مدرسة في عدرا لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا مكان ننام فيه. لا مياه. لا بطانيات كافية... النساء والأطفال جالسون على الأرض».
وتتواصل المعارك في جنوب الغوطة الشرقية بين قوات النظام وفصيل فيلق الرحمن، وقد تمكن الجيش السوري من السيطرة على أكثر من نصف مساحة بلدة كفربطنا، وفق المرصد.
وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في عربين بقصف عنيف عند أطرافها. وحملت هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة، السبت، مجلس الأمن الدولي «بشكل مباشر مسؤولية السكوت عن الجرائم» التي تحصل في الغوطة الشرقية، و«عدم اتخاذ الإجراءات التي تمنع حدوثها». وفشلت حتى الآن جميع الجهود الدولية في التوصل إلى حل ينهي النزاع الذي دخل الخميس عامه الثامن مع حصيلة قتلى تخطت 350 ألف شخص.
ومع تقدمها في الغوطة، تمكنت قوات النظام من تقطيع أوصالها إلى ثلاثة جيوب منفصلة هي دوما شمالاً، وحرستا غرباً، وبلدات أخرى جنوباً.
وأعلنت فصائل جيش الإسلام وحركة أحرار الشام وفيلق الرحمن الجمعة استعدادها لإجراء مفاوضات مباشرة مع روسيا في جنيف برعاية الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وتسعى دمشق إلى السيطرة على جميع أراضي البلاد ونجحت بدعم من حليفتها روسيا في استعادة أكثر من نصفها خلال السنوات الأخيرة، وكانت خسرتها في مواجهة فصائل المعارضة والجهاديين خلال السنوات الأولى من الحرب التي تشعبت وتعقدت لا سيما بسبب تدخل قوى كبرى كثيرة فيها. في شمال البلاد، نزح أكثر من مائتي ألف مدني من مدينة عفرين منذ مساء الأربعاء بينهم خمسون ألفاً السبت، خشية من هجوم تركي وشيك ضد هذه المنطقة ذات الغالبية الكردية، وفق المرصد السوري. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: «المشهد مرعب ومخيف، الوضع الإنساني كارثي».
وفي بلدة الزهراء التي يسيطر عليها مقاتلون موالون للنظام شمال حلب، قال أحد النازحين: «الناس ينامون في الجوامع والمدارس وحتى في المحلات، ومنهم من ينام في السيارات أو على جوانب الطرقات».
ووثق المرصد السوري السبت مقتل 11 مدنياً في غارة تركية استهدفت مدينة عفرين التي تدور معارك عنيفة عند أطرافها الشمالية «في محاولة من القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها لاقتحامها» إثر تطويقها بشكل شبه كامل قبل أيام.
وأسفر القصف التركي الجمعة عن مقتل 43 مدنياً في عفرين بينهم 16 مدنياً جراء غارة استهدفت المشفى الرئيسي في المدينة، بحسب المرصد، الأمر الذي نفاه الجيش التركي للمرة الثانية اليوم، مؤكدا استهدافه فقط لمواقع المقاتلين الأكراد و«أخذ الإجراءات اللازمة (...) لكي لا يتأذى المدنيون».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».