حداد في كنائس بغداد على عائلة مسيحية مغدورة

تنديد باستهداف الأقليات... والأمم المتحدة تطالب بحمايتها

TT

حداد في كنائس بغداد على عائلة مسيحية مغدورة

أقام المسيحيون في بغداد، أمس، حداداً في عموم الكنائس الكلدانية على مقتل الطبيب هشام مسكوني وزوجته الدكتورة شذى مالك ووالدتها، إضافة إلى مقتل شاب مسيحي آخر على يد مسلحين قبل أسبوعين.
في غضون ذلك، طالب ممثل الأمين العام في بغداد، يان كوبيش، الحكومة العراقية، بحماية الأقليات.
وكان بطريرك الكلدان لويس رفائيل ساكو، دعا، أول من أمس، لإعلان الحداد. وقال في بيان: «استنكاراً لاستهداف الدم العراقي، ندعو أولادنا جميعاً لإظهار حدادهم بوضع شريط أسود على صدورهم أثناء دوامهم الرسمي»، مطالباً وزارة الداخلية بـ«ملاحقة الجناة والكشف عنهم ومعاقبتهم بأسرع وقت، لتُثبِت أن دم المواطن العراقي لا يذهب سدى، وتطمئن المواطنين لأن من مسؤوليتها حمايتهم جميعاً».
وكانت عصابة هاجمت، الخميس الماضي، منزل مسكوني وسرقت ممتلكات الأسرة بعد أن قتلت الثلاثة طعناً بالسكاكين. وقبل حادث عائلة مسكوني بأسبوع، قتل الشاب المسيحي سامر صلاح الدين بالرصاص في حي النعيرية ببغداد الجديدة.
ورغم موجة التنديد الواسعة باستهداف المسيحيين وبقية الأقليات في بغداد التي أطلقتها شخصيات وأحزاب سياسية عراقية، أثار صمت وزارة الداخلية وعدم تعليقها على حوادث الاستهداف استغراب أغلب المراقبين المحليين.
وطالب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش، أمس، الحكومة العراقية، باتخاذ خطوات فاعلة لدعم وحماية الأقليات، وحثّ «القيادات الدينية والسياسية والمدنية وكذلك عامة الناس على الوقوف إلى جانب مواطنيهم الأكثر ضعفاً». وقال بيان: «يمثّل المسيحيون واحداً من المجتمعات القديمة في هذا البلد، وقد تضاءل حجم هذا المجتمع الأصلي، الذي بلغ تعداده في الثمانينات قرابة 1.3 مليون نسمة، إلى ما يُقدّر بنحو 400 ألف نسمة اليوم، وفقاً لقياداتهم المجتمعية». ولفت البيان إلى أنهم «عانوا خلال السنوات الثلاث الماضية من إرهاب داعش، ولا سيما مجتمعاتهم في محافظة نينوى، ولكنهم عانوا أيضاً من الأعمال الإجرامية في أجزاء أخرى من البلاد».
كما أشار بيان البعثة الأممية إلى تعرض مواطنين من أقليات أخرى غير مسيحية إلى عمليات استهداف مماثلة، حيث «خطف مواطنٌ من الصابئة المندائية من متجره في بغداد وعُثر على جثته فيما بعد في أحد الشوارع. وفي الناصرية جنوباً، تعرّض مواطنٌ صابئي مندائي آخر للطعن في متجره، إلا أنه نجا بعد أن هبّ جيرانه المسلمون لنجدته».
وتعليقاً على استهداف المسيحيين وبقية الأقليات، قال أستاذ علم النفس في الجامعة المستنصرية دريد جميل، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا خائف جداً، قد يكون حادث مقتل الطبيب وأسرته بهدف السرقة، لكن تكرار الحوادث ضد المسيحيين في الشهر الأخير، يشير ربما إلى استهدافهم من جهات غير معروفة بهدف دفعهم إلى مغادرة البلاد». وحول تفاصيل حادث أسرة الطبيب مسكوني، ذكر دريد، أنهم وجدوا «الطبيب مسكوني مقتولاً في باب المنزل، فيما قتلت زوجته على السطح، أما والدتها التي كانت تزورهم قادمة من محافظة بابل، فقتلت في المطبخ».
وبخصوص القوائم الانتخابية التي تمثل المسيحيين في العراق، أشار دريد جميل، وهو مرشح للانتخابات عن حركة «بابليون» المسيحية، إلى وجود 7 قوائم انتخابية هي «بابليون، والرافدين، والرابطة الكلدانية المقربة من البطريرك ساكو، وبيت نهرين، والتجمع السرياني، وأبناء النهرين، والتجمع السرياني الكلداني الآشوري». ولفت إلى أن تلك القوائم «تنافس ضمن دائرة انتخابية واحدة على 5 مقاعد نيابية (كوتا) مخصصة للمكون المسيحي».
إلى ذلك، قال رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، أمس، إن «استهداف المسيحيين هو استهداف مباشر للوحدة الوطنية، وهو تهديد خطير لا بد من التصدي له بكل الطرق والوسائل». واعتبر الجبوري في بيان أن «ما تعرض له العراق بجميع مكوناته، وخصوصاً المسيحيين، يندرج ضمن محاولات إثارة الفرقة والنعرات بين أبناء المجتمع التي تهدف إلى إفراغ البلد من طاقاته ومكوناته الأصيلة».
بدوره، حذّر الأمين العام لحزب «المؤتمر الوطني» آراس حبيب، مما سماه «طرفاً ثالثاً» يحاول تعكير الأمن في بغداد. وقال حبيب في بيان إن «محاولات تعكير الأمن في بغداد عبر استهداف أبناء المكونات يقف وراءها طرف ثالث مستفيد»، مبيناً أن «الحوادث المتكررة ضد إخوتنا وشركائنا في الوطن أبناء المكون المسيحي الأصلاء، إنما تمثل حلقة في مسلسل التآمر على وحدة وطننا وتكامل نسيجه المجتمعي عبر دفع الإخوة المسيحيين إلى الهجرة خارج البلاد».
وفي موضوع ذي صلة بالشأن المسيحي، وافق مجلس الوزراء العراقي قبل أيام على تعويض الدرجات الوظيفية لتاركي الوظيفة من المسيحيين. وأظهرت وثيقة صادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء قراراً بالموافقة على «تعويض الدرجات الوظيفية عن حركة الملاك من المكون المسيحي من أبناء المكون نفسه، وكل حسب منطقته شريطة تنفيذه بعد نفاذ قانون الموازنة الاتحادية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».