اختبأ أبو ألمى في قبو أحد الأبنية لأسبوعين مع زوجته وطفلته الرضيعة، حيث تقيم عشر أسر أخرى معهم، سعيا للاحتماء من القنابل التي تتساقط على الغوطة الشرقية في سوريا.
وفي تقرير موسع لوكالة «رويترز» من غوطة دمشق، ذكر أبو ألمى أنهم لا يخاطرون بالخروج إلا للبحث عن الدواء أو لجلب الطعام الذي قاموا بتخزينه في البيت قبل شهور. وقال: «نحنا نسكن بشكل دائم بالقبو. نتدبر أمورنا. ماذا نعمل؟»
وتقصف الطائرات الحربية والمدفعية المنطقة الخاضعة لمسلحي المعارضة قرب العاصمة دمشق منذ أكثر من أسبوعين في واحد من أدمى الهجمات في الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات. وأودى القصف بأرواح المئات ودفع الناس إلى الاحتماء بملاجئ مؤقتة تحت الأرض.
وانتزعت القوات الحكومية بعض الأراضي الزراعية وتقدمت صوب بلدات لتقلص من حجم الجيب الخاضع للمعارضة بضواحي شرق دمشق.
ويقول سكان إنه مع اقتراب المعارك، فرت آلاف الأسر من منازلها وانتقلت إلى عمق المنطقة. وكانت أقبية المباني مكتظة بالفعل قبل ذلك.
وعرضت روسيا الحليف الرئيسي للحكومة السورية على المسلحين ممرا آمنا للخروج من المنطقة. ويحاكي العرض الروسي عمليات إجلاء سابقة في مناطق أخرى بسوريا حيث انسحب مسلحون وأسرهم إلى مناطق خاضعة للمعارضة قرب الحدود التركية.
وساعدت تلك الاتفاقات - التي تخيرهم بين قبول حكم النظام أو المغادرة - قوات الرئيس بشار الأسد على استعادة السيطرة على مدن رئيسية بدعم من روسيا وإيران. وقال البعض في الغوطة الشرقية إن هاجسهم أن يلقوا مصيرا مشابها.
وقال أبو ألمى في مدينة دوما: «في كتير خوف أن يدخل النظام، ومن ناحية ثانية الناس لا تريد الخروج من الغوطة. يريدون البقاء في بيوتهم في الأقبية، صعب لكن سيكون أصعب بكتير الوضع (الآن) بالمخيمات».
ومنذ عام 2013 تطوق القوات الغوطة الشرقية حيث تقدر الأمم المتحدة أن 400 ألف شخص يعيشون دون ما يكفي من الطعام أو الماء أو الدواء. والغوطة الشرقية آخر منطقة كبيرة تحت سيطرة المعارضة المسلحة قرب دمشق.
وقال خليل عيبور عضو المجلس المحلي التابع للمعارضة إن أكثر من 16 ألف شخص وصلوا إلى دوما وحدها خلال أسبوعين. وأضاف أنه جهز أدوات للطوارئ تحسبا لاضطراره إلى الفرار فجأة. وقال: «عائلات نزحت خمس مرات، منهم أهلي مثلا، تضطر الناس لفتح ملاجئها».
وفر أبو فراس، وهو مزارع من قرية الشيفونية، إلى دوما الأسبوع الماضي عندما وصلت المعارك إلى منزله. وقال: «تقدمت قوات الأمن من ناحيتنا وصارت بالمزارع».
وبأطفاله الثلاثة ومع زوجته تعيش أسرة أبو فراس أيضا في القبو.
وتقول موسكو ودمشق إن قواتهما لا تستهدف إلا المسلحين وإنهما تسعيان لوقف هجمات بقذائف المورتر من متشددين إسلاميين قتلت عشرات الأشخاص في العاصمة.
وفتحت روسيا والقوات السورية ممرات للمدنيين لمغادرة الجيب وتتهمان المسلحين بمنع السكان من المغادرة. وتنفي الجماعتان الرئيسيتان في الجيب هذا الاتهام.
وقال أبو ألمى إن الناس لا يثقون بالممرات ويخشون من مصير غامض بانتظارهم إذا ما توجهوا لمناطق تسيطر عليها الحكومة. وأضاف: «لأنه ما في ضمانات إلا من الروس والنظام و(هم) نفسهم عم يقصفوا الغوطة». ويقول أبو ألمى إنهم يقضون الوقت في القبو في قراءة الأخبار أو محاولة معرفة أوضاع أقاربهم.
الموت مليون مرة
قال البعض إنهم لا يشكون في أن قسما صغيرا من السكان يريد المغادرة للنجاة بأنفسهم على الأقل. وقال أحد السكان في دوما إن كثيرين الآن يريدون توقف القنابل عن السقوط بأي ثمن. وأضاف أن يأسهم يتنامى فيما تكثف الحكومة هجومها لدرجة أنهم الآن مستاؤون من مقاتلي المعارضة.
ويقول أحمد المشيرف، وهو مقاتل سابق في المعارضة، كيف غادر النشابية وهي بلدته هو و14 من أقاربه من بينهم والدته وزوجته وابنه وكيف لاحقتهم الضربات الجوية وهم يتنقلون عبر البلدات على مدى أسبوعين. وقال: «هذه الهجمة الأخيرة.... ما سلم منها شيء. الأغنام والأبقار بالشوارع مزقتها الشظايا».
وعندما وصلت أسرته إلى ملجأ في مسراب، قال إنهم يخطون للخارج بالكاد نحو مضخة للمياه بسبب القصف. وأضاف: «الحالات النفسية التي وضعونا فيها، لا أجد كلاماً يوصف الحالة التي نحن فيها».
ويرعى المشيرف (35 عاما) أبناء وبنات أشقائه منذ أن قتل شقيقان له في القتال ضد قوات النظام في السنوات الماضية فيما يقبع شقيقه الثالث في سجون النظام... وقال :«أموت مليون مرة ويخسأ هو... يخسأ إني أقعد تحت حكمه وأوقف القتال عنه».
أقبية الغوطة الشرقية... سكان ينتظرون بخوف مصيرهم
أقبية الغوطة الشرقية... سكان ينتظرون بخوف مصيرهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة