بعد سنة شهدت استعادة الموصل والرقة، طرأ تغير على المعركة ضد تنظيم «داعش»، مع التركيز على نشر الاستقرار في المناطق المستعادة، وفق ما أكد المتحدث باسم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الكولونيل الأميركي راين ديلون في لندن. وهزم تنظيم «داعش» في معظم المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا وأعلن فيها «خلافته» في 2014. وتمكنت القوات العراقية بمساندة التحالف الدولي من إخراجه من الموصل في يوليو (تموز) في حين سيطرت قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف عربي وكردي على الرقة في أكتوبر (تشرين الأول).
وقال ديلون للصحافيين إنه «فضلاً عن هذه النجاحات العسكرية الرئيسية، يمر الانتصار على تنظيم (داعش)، عبر دعم التحالف المستمر للاستقرار في المناطق المحررة». وأضاف أن التحالف «تكيف في العراق منتقلاً من الإسناد المقدم إلى شركائنا في قوات الأمن العراقية في إطار معارك كبرى إلى عمليات الاستقرار». وقال على سبيل المثال إن التحالف درب عناصر من القوات العراقية مكلفة حراسة الحدود. وأضاف أن العمليات التي تستهدف المتطرفين تحديداً مستمرة في موازاة ذلك، وأن التحالف «قضى» على أربعة من زعماء تنظيم «داعش» في سوريا أخيراً.
من جهته، قال تيري وولف مساعد المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى التحالف الدولي إن «الحرب ضد (داعش) ستكون مختلفة خلال هذه السنة». وأضاف أنه في 2017 «سجلنا عدة مكاسب وبات علينا أن نعيد توجيه بعض التكتيكات والموارد، الأمر يتعلق بالتصدي لقدرة (داعش) على شن هجمات إرهابية ونشر الدعاية وتجنيد الأنصار».
من جهة أخرى وفي مخيم روانكة (العراق) رغم أن العادة جرت أن يرسم الأطفال الذين مروا بأهوال الحرب صور ما عايشوه من دمار وعنف، لكن من يصورون أنفسهم في أدوار الجناة منهم قلة قليلة، فإن قلة لا تذكر منهم يصورون أنفسهم في دور الفاعلين.
من هؤلاء صبي عمره 14 عاماً وصل حديثاً إلى هذا المخيم في شمال العراق. فقد كان ما رسم المرة تلو المرة من أحزمة ناسفة وسيارات ملغومة وعبوات ناسفة هو ما صنعه بنفسه، واستخدمه تنظيم «داعش» في أحد رسوماته وهو يقتل رجل بوابل من الرصاص.
ويقول إنه فعل ذلك في الواقع خلال السنوات الثلاث التي قضاها كطفل مقاتل جنده التنظيم قسراً. ويقول الصبي إنه تعرض للخطف من مدينته الإيزيدية في شمال العراق، واعتاد سماع دوي القنابل المتساقطة على الرقة معقل التنظيم الرئيسي في سوريا مع اقتراب القوات منه في العام الماضي قال وهو يشير إلى جرح رصاصة في مقدمة الساق «هنا أصبت بالرصاص». وأنا أحارب قوات سوريا الديمقراطية، مشيراً إلى المجموعة المدعومة من الولايات المتحدة. وأخفت «رويترز» اسم الصبي حتى لا يتعرض للعقاب.
ويمثل إتاحة الوقت له للرسم والحديث عن تجربته جزءاً من برنامج العلاج لمساعدته على مواصلة حياته وحمايته والآخرين من أذى دائم. وتشير تقديرات إلى أن تنظيم داعش استخدم مئات الأطفال كمقاتلين منهم صبية انضموا إليه مع أسرهم أو سلمتهم أسرهم ومنهم أبناء المقاتلين الأجانب الذين أعدهم التنظيم منذ ولادتهم للحفاظ على استمرارية أفكاره العقائدية. وقد حذر خبراء من أن الأطفال الذين تم تلقينهم هذه الأفكار وبدأوا يهربون من قبضة التنظيم مع تراخي قبضته على الأراضي التي كانت تحت سيطرته العام الماضي قد يشكلون خطراً مستمراً على الأمن على المستوى الإقليمي وفي الغرب إذا لم تتم إعادة تأهيلهم.
والمتاح لهؤلاء من رعاية متخصصة قليل في العراق حيث يبلغ الحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية تسع سنوات وقد أوضح تقرير حديث لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» التي تتخذ من نيويورك مقراً لها أن الحكومة احتجزت عشرات الأطفال وحاكمتهم بسبب الشبهات التي ربطتهم بالتنظيم.
ويؤكد الطبيب النفسي نايف جوردو قاسم الذي يعالج الأطفال في مخيم روانكة للاجئين بالقرب من دهوك أنهم «ضحايا لا مجرمون» ويجب التعامل معهم على هذا الأساس. ويسلط المدرس الإيزيدي هوشيار خديدة سليمان الضوء على حجم هذه المهمة بروايته حكاية صبي من تلاميذه التأم شمله بأسرته خلال الخريف. يقول سليمان: «كان يصرخ أنهم كفار وأنه يفضل الموت بدلاً من يكون واحدا منهم». وعندما اجتاح المتشددون المدن والقرى الإيزيدية في عام 2014 بلغ عدد من قتلهم التنظيم واستعبدهم أكثر من 9000 من البالغين والأطفال فيما وصفته الأمم المتحدة بحملة إبادة جماعية استهدفت تلك الأقلية التي يصفها التنظيم بـ«الكفر». وباع التنظيم فتيات ونساء وزوج بعضهن لمقاتليه ودرب الصبية لضمهم إلى صفوف من وصفهم بأشبال الخلافة، ونشر مقاطع فيديو لهم وهم يرتكبون فظائع باسم «داعش».
وعاد معظم الأطفال لا إلى بيوتهم بل إلى مخيمات النازحين في شمال العراق حيث يعيشون مع أسرهم بعد أن أصبح آباؤهم في عداد المفقودين أو قُتِلوا على أيدي المتشددين.
قال قاسم: «هؤلاء الأطفال شاهدوا الدواعش يقتلون عائلاتهم أو يخطفونهم بالإضافة إلى ضربهم وغسل دماغهم. ومنهم شهدوا ذبح. أجبروهم على القتل أو الاغتصاب عدة مرات لسنوات».
ويعمل قاسم لحساب منظمة «ياهاد إن أونوم» وهي ضمن قلة من المنظمات الأهلية الدولية التي أنشأت مركز الأطفال في المخيم حيث يتلقى الأطفال علاجاً نفسياً يتراوح من جلسات التحدث إلى العلاج بالفن. وقال قاسم إنهم يأتون أيضاً للعب «ليتذكروا كيف يكونون أطفالاً».
ويعمل مركز قاسم الذي بدأ عمله منذ ستة أشهر على معالجة 123 طفلاً في الوقت الحالي بين بنات وصبية كلهم دون سن الثمانية عشرة وعادوا جميعاً في الآونة الأخيرة من أراضٍ كانت تحت سيطرة تنظيم «داعش».
قال قاسم: «أول ما يعودون من يد (داعش)، الأطفال يمكن أن يكونوا غاضبين وعنيفين ومشوّشين» مضيفاً أن كثيرين منهم أُجبروا على نسيان لغتهم الكردية الأصلية. وأضاف: «سرعان ما يصبح هذا القلق والاكتئاب العميق، حيث تبدأ الصدمة». ويتولى المركز إعداد برنامج علاجي لكل طفل يشتمل على جلسات علاج فردية وجماعية».
وقال قاسم: «نريد أن ينسوا السنوات الماضية ويبدأوا من جديد». وقال إن كل الأطفال الذين عالجهم نجحوا في التخلص من الأفكار التي تم تلقينها لهم، مضيفاً :« ما من طفل لا نقدر على مساعدته». وتعتبر الحداثة النسبية لبرامج تغيير الأفكار المتطرفة سببا لاختلاف الآراء حول مدى فاعليتها. وتقول ليلى علي المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في العراق التي تدعم مثل هذه الخدمات إن إعادة التأهيل «أمر ممكن بكل تأكيد». ومن الصعب الوصول إلى بعض الأطفال دون غيرهم لا سيما من نسوا الحياة قبل التنظيم.
أحد هؤلاء طفل عمره عشر سنوات تم تهريبه من سوريا قبل ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع ويعيش منذ ذلك الحين مع عمه في المخيم. كان خجولاً في البداية ثم تحول إلى شعلة من النشاط عند وصف ما حققه من «إنجازات» خلال فترة التدريب التي قضاها كمقاتل في دير الزور في سوريا. وقال إنه ليس واثقاً مما إذا كانت حياته الحالية أفضل حالاً.
يقول قاسم إنه يبدي حيرة فيما إذا كان يجب عليه أن يشجب ما تعلمه من تنظيم «داعش»، ويتسلل هو وأطفال آخرون للصلاة في دورات المياه، إذ إنهم غير مقتنعين بأنهم لن يواجهوا مشكلات مع التنظيم لعدم أداء واجباتهم الدينية.
ويقول إنه يأمل أن يعود هذا الطفل إلى حالته الطبيعية قريباً، ويواجه البعض إذلالاً لدى عودته. فقد قال مقاتل سابق أصبح الآن في الخامسة عشرة من عمره «مجبور على أن أعيش مع أقاربي لأن والديّ قالا إنهما لن يقبلاني أبداً بسبب ما قمت به مع (داعش)».
وقاسم هو الطبيب النفسي الوحيد في مركزه، والمهمة الملقاة على عاتقه ثقيلة. إذ يقول: «صعب جداً أن أسمع الأطفال يحكون هذه القصص، مثل الاغتصاب، والقتال، والذبح... في حياتي لم أسمع قطّ شيئاً مثل هذه الأهوال».
وفي ضوء عدم كفاية المتاح من الأموال أو حتى خارطة طريق تدخَّل بعض أفراد المجتمع للمساعدة بطرقهم الخاصة، ويهدف سليمان لإعادة تأهيل الأطفال الإيزيديين في مخيم شاريا بالقرب من دهوك بإعادة الصلة بينهم وبين ديانتهم الإيزيدية.
«أشبال الخلافة»... إعادة تأهيل المقاتلين الصغار
التحالف الدولي يريد نشر الاستقرار في المناطق المستعادة من تنظيم « داعش»
«أشبال الخلافة»... إعادة تأهيل المقاتلين الصغار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة