باريس تهدد بـ«رد قاسٍ» على «الكيماوي»... لكن بشروط

مصادر غربية تساءلت عن جدوى ضربة عسكرية إذا كانت «يتيمة»

TT

باريس تهدد بـ«رد قاسٍ» على «الكيماوي»... لكن بشروط

مرة أخرى، تعمد باريس باللجوء إلى معاقبة النظام السوري بشأن استخدام أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية التزاماً بـ«الخط الأحمر» الذي رسمه الرئيس إيمانويل ماكرون وإلى جانبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي في 29 مايو (أيار) الماضي. وكل مرة تعود مسألة السلاح الكيماوي إلى واجهة الأحداث، تجد السلطات الفرنسية بشخص الرئيس ماكرون أو وزير خارجيته نفسها مدعوة لتكرار الموقف الرسمي والشروط التي تضعها باريس لتنفيذ تهديدها.
وعاد وزير الخارجية جان إيف لورديان في لقاء تلفزيوني مع «سي نيوز» الفرنسية لعرض موقف بلاده على خلفية شكوك بأن التهديدات الفرنسية لن تجد أبداً طريقها إلى التنفيذ، وللتذكير بما حصل نهاية صيف عام 2013 عقب استخدام النظام للسلاح الكيماوي على نطاق واسع في الغوطتين الشرقية والغربية. وقال: «هناك مجموعة من الدلائل والمؤشرات التي تفيد بأن السلاح الكيماوي (في الغوطة الشرقية) يمكن أن يستخدم أو أنه استخدم... ليست لدينا إثباتات على ذلك». لكن حذّر: «إذا حصل أن السلاح الكيماوي قد استخدم وتم التحقق من ذلك وتعيين الجهة المسؤولة، وأن استخدامه أدى إلى سقوط قتلى، فإن فرنسا ستقوم بالرد، وإذا تثبتنا من ذلك سنتخذ تدابير قاسية وسوف نتدخل (عسكرياً)». واستطرد «إن الرد سيكون فرنسياً وأميركياً أيضاً»؛ لأن غض النظر عن ذلك «سيكون بمثابة كارثة عالمية، إنسانية».
الجديد في الخطاب الفرنسي، دمج ردة الفعل الفرنسية بما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة الأميركية؛ الأمر الذي لم يكن شرطاً عندما تحدث المسؤولون عن «الخط الأحمر» الفرنسي. وهذا العنصر المستجد يعيد إلى الأذهان أن باريس تخلت عن خطط ضرب أهداف عسكرية للنظام السوري أوائل سبتمبر (أيلول) من عام 2013 بعد أن كانت قيادة الأركان حددت الأهداف، وعيّنت الوسائل العسكرية إلى ستستخدم «طائرات رافال»، وحددت لحظة الانطلاق. وكشف هذه التفاصيل كتاب تحت عنوان «لا يتعين على رئيس أن يقول هذه الكلام» لصحافيين يعملان في جريدة «لوموند» المستقلة. وصدر الكتاب، الذي أحدث ضجيجاً مدوياً، العام الماضي وكان من بين الأسباب التي تسببت في حرمان الرئيس السابق فرنسوا هولاند من الترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.
حقيقة الأمر، أن «ثنائية» الرد لم يبتدعها لودريان، بل تعود «أبوتها» للرئيس ماكرون. فقد أصدر قصر الإليزيه يوم الجمعة الماضي بياناً يلخص محادثة هاتفية بين ماكرون والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وجاءت هذه المحادثة على خلفية صعوبة تنفيذ القرار 2401 الذي نص على هدنة مدتها شهر، وعلى إيصال المساعدات الغذائية للمناطق المحاصرة، وإخلاء الجرحى والمرضى، لكن أيضاً عقب أحاديث عن عودة النظام إلى استخدام غاز الكلور، والمساعي لإعادة إطلاق لجنة تحقيق دولية في المسائل الكيماوية. وجاء في البيان الرئاسي: إن ماكرون «شدد على يقظته الشديدة حول مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية وذكر بأن رداً قاسياً سيحل إذا ما ثبت استخدام الوسائل الكيماوية، وأدى إلى موت مدنيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع حلفائنا الأميركيين. فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بالإفلات من العقاب».
واضح أن باريس، رغم لهجتها المتشددة، تكثر من وضع الشروط التي تفرض تواجدها قبل تنفيذ وعيدها برد «قاس». وإضافة إلى ما سبق، فإن مصادر دبلوماسية فرنسية تضيف شرطا آخر هو أن «تتحقق باريس من أجهزتها الخاصة» من حقيقة استخدام السلاح الكيماوي فيما يزيد مصدر آخر عنصرا إضافيا هو أن ينتج عن اللجوء إلى الكيماوي «سقوط عدد كبير من الضحايا» ما من شأنه تبرير الرد العسكري. وتضيف المصادر أنه قبل أن تعمد باريس إلى إرسال صواريخها أو طائراتها لضرب أهداف عسكرية تابعة للنظام، عليها أن «تفكر بتبعات» عمل كهذا «خصوصا إذا كانت ستقوم به منفردة وبمنأى عن الولايات المتحدة الأميركية».
ثمة عناصر أخرى تتوقف عندها أوساط سياسية غربية في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط». وأولاها التساؤل حول «جدوى» ضربة عسكرية لتأديب النظام إذا كانت هذه الضربة «يتيمة» كما حصل في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي عندما أمر ترمب بإرسال 59 صاروخ توماهوك على مطار الشعيرات العسكري رداً على استخدام غاز الأعصاب ضد مدينة شيخون. والحال أن وزير الخارجية ريكس تيلروسون سارع إلى الإعلان أن الضربة «لا تعني أن واشنطن ستجعل تدخلها العسكري منهجياً». وبيّن تلاحق الأحداث أن النظام بدعم روسي - إيراني استمر في حربه، بل إنه نجح في تعطيل المبادرات الدبلوماسية كافة، وهو مستمر في مساعيه للسيطرة على كامل الغوطة.



بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.