أبدت موسكو تشدداً مع فشل اليوم الثاني للهدنة المؤقتة التي أعلنتها من جانب واحد، وشدد الكرملين على اتخاذ خطوات جديدة لمواصلة مساعدة دمشق في القضاء على كل الإرهابيين، لكن هذه اللهجة تزامنت مع إعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف، أن بلاده يمكن أن تدرس اقتراح إخراج مسلحي «جبهة النصرة» مع أفراد عائلاتهم من الغوطة، مذكراً بأن خطوة مماثلة تم تنفيذها في وقت سابق في مناطق حلب الشرقية.
وأعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، مساء أمس، أن مهلة الساعات الخمس التي أعلنتها موسكو لإجلاء المدنيين من غوطة دمشق الشرقية «فشلت كسابقتها بسبب قصف المسلحين». وقال المتحدث باسم المركز ومقره قاعدة حميميم اللواء فلاديمير زولوتوخين، إنه «بعد انقضاء مدة المهلة الإنسانية الثانية لم يتمكن أحد من المدنيين من مغادرة الغوطة الشرقية بسبب عمليات إطلاق قذائف الهاون من قبل المسلحين».
وأشار المتحدث إلى أن «سيارات إسعاف وحافلات مخصصة لإجلاء المدنيين لا تزال متواجدة قرب الممر الإنساني في مخيم الوافدين».
وكان المتحدث أشار في وقت سابق أمس، إلى أن أكثر من 300 مدني من الراغبين في مغادرة الغوطة الشرقية تجمعوا قرب الممر الإنساني الذي يوصل إلى مخرج في مخيم الوافدين «لكن مواصلة المتشددين شن هجمات على المعبر منعتهم من التقدم». وزاد أن «المسلحين قاموا بقصف الممر الإنساني كل 30 دقيقة خلال سريان المهلة».
وكان مركز حميميم أشار إلى أن «القصف استهدف مواقع القوات الحكومية السورية في بلدتي حزرما والنشابية دمشق أثناء سريان المهلة الإنسانية».
ومالت اللهجة الروسية إلى التشدد، وأعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن «استفزازات الإرهابيين في الغوطة الشرقية لا تسمح بتسوية الوضع بصورة صحيحة»، مشيراً إلى أن روسيا تعمل وفقاً للقرار 2401 ما بوسعها لتأمين الهدنة الإنسانية وتحسين الأوضاع في الغوطة الشرقية.
وذكر بيسكوف، أنه توجد بين موسكو ودمشق علاقات شراكة استراتيجية، وأضاف أن العسكريين الروس هم العسكريون الوحيدون المتواجدون في سوريا بشكل شرعي من وجهة نظر القانون الدولي؛ إذ يعملون ذلك على أساس دعوة قيادة هذا البلد، مشدداً على أن موسكو ستعمل على اتخاذ خطوات إضافية وفقاً لتطور الموقف.
من جهته، قال لافروف الذي أجرى محادثات أمس مع المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن موسكو ستواصل دعمها لقوات النظام حتى اقتلاع بقايا الإرهاب نهائياً من سوريا. وأفاد بيان أصدرته الخارجية بأن المحادثات تطرقت إلى تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا وتطبيق قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة هناك. وزادت أن المحادثات ركزت على تحقيق قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد في مدينة سوتشي، وفي مقدمتها تشكيل لجنة دستورية تضم ممثلين عن دمشق وطيفاً واسعاً من المعارضة السورية. وتناول الطرفان تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في سوريا.
وشن لافروف هجوماً على «المعايير المزدوجة» التي يستخدمها الغرب في سوريا. وقال في كلمة أمام الدورة الـ37 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، إنه «من غير المقبول تقسيم الإرهابيين إلى أخيار وأشرار، وخصوصاً عندما يتم ذلك وفق أهداف متطرفة أو مصادر التمويل»، مشدداً على مواصلة روسيا مكافحة الإرهاب بقوة خالية من المعايير المزدوجة، بما في ذلك «مساعدة الجيش السوري للقضاء نهائياً على التهديد الإرهابي». وأضاف أن المسلحين في الغوطة الشرقية يعيقون إيصال المساعدات الإنسانية وإجلاء المدنيين ويقصفون دمشق، مشيراً إلى أن القرار 2401 الصادر عن مجلس الأمن حول الهدنة الإنسانية وضع إطاراً للتوافق بين جميع الأطراف لتسهيل حياة المدنيين في جميع أنحاء البلاد.
ودعا لافروف إلى إرسال بعثة من الأمم المتحدة والصليب الأحمر في أسرع وقت لتقييم الأوضاع في الرقة السورية، «التي قصفها التحالف وتركها للقدر، بأراض ملغمة وبنية تحتية مدمرة بالكامل».
وحث التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على فسح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته، بما في ذلك مخيم الركبان وكامل المنطقة المحيطة بالتنف.
في المقابل، أعلن لافروف أن موسكو لا تعارض إخراج مسلحي «جبهة النصرة» من الغوطة الشرقية، مؤكداً أن روسيا مستعدة للنظر في الحلول الممكنة بهذا الخصوص. وقال للصحافيين: «نحن مستعدون لمختلف الحلول. لقد تم اللجوء إلى خروج طوعي للمسلحين مع عائلاتهم عندما تم حل قضية تحرير حلب الشرقية. ونحن مستعدون لمناقشة أي خيارات ستسمح بوقف نشاط الإرهابيين. وإذا كانت هناك إمكانية لنقلهم إلى مكان آخر، فنحن لن نعارض ذلك». ورأى لافروف أن «الأوضاع تزداد سوءاً بالنسبة للإرهابيين من (جبهة النصرة) فقط»، مشدداً على أنه «من الضروري القضاء على الإرهاب في سوريا بشكل كامل».
سياسياً، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرص موسكو على استمرار العمل لإقامة الحوار السياسي في سوريا، بما في ذلك بين بلدان المنطقة، مشيراً إلى أن التسوية السورية تتعلق بالأطراف المتنازعة. وزاد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مستشار النمسا سيباستيان كورتس، أمس، أن «آفاق التسوية (في سوريا) مرهونة بالأطراف المتحاربة وبالرغبة الداخلية لتحقيق التسوية، والحفاظ على وحدة الأراضي، وسيادة البلاد، كل شيء يتوقف على ذلك». وأضاف أن موسكو ستسعى إلى إطلاق العملية الدستورية الخاصة بإعداد القانون الرئيسي للبلاد. وتابع بوتين أن عدداً من القوى المتطرفة المترتبة على تنظيمات إرهابية مدرجة على القائمة الأممية للإرهاب لا تزال موجودة في الغوطة الشرقية وتستهدف أحياء سكنية في دمشق، بما في ذلك السفارة والممثلية التجارية الروسيتين، وأردف: «هل نصبر على ذلك إلى ما لا نهاية؟ طبعاً لا».
على صعيد آخر، ردت وزارة الدفاع الروسية، بقوة على تصريحات لندن حول إمكانية التدخل العسكري في سوريا في حال إثبات استخدام الكيماوي هناك، وشددت على أنه «لا توجد أدلة على قيام دمشق باستخدام أسلحة محرمة». وقال الناطق باسم الوزارة، إن «ممثلي الأمم المتحدة الذين لهم إمكانية الوصول إلى الغوطة الشرقية بحرية، لم يعثروا ولا مرة واحدة على ما يؤكد صحة هذه الأنباء». وأضاف أن تكرار لندن وواشنطن اتهاماتهما دمشق بشأن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين «تحول إلى مهزلة مبتذلة»، مشيراً إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة تتحدثان دائماً عن «أنباء واردة» بدلاً من تقديم أدلة حقيقية.
وكان لافروف علق بدوره على معطيات إعلامية حول قيام كوريا الشمالية بتزويد دمشق بأسلحة. وقال، إن موسكو «لا تمتلك مثل هذه المعلومات، وإذا كانت هناك وقائع، فيجب تقديمها».
موسكو تدرس اقتراح إخراج «النصرة» من الغوطة
أكدت مواصلة دعمها دمشق لـ «القضاء على الإرهابيين»
موسكو تدرس اقتراح إخراج «النصرة» من الغوطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة