أثار حادث تجمهر عدد من رجال الأمن بأسلحتهم أمام محكمة بن عروس، القريبة من العاصمة التونسية، بعد إيقاف زملائهم في قضية اعتداء، استياء كبيرا في صفوف القضاة والمحامين، وفتحت أبواب جدل حاد بين الأحزاب السياسية حول «خطورة تغول واستقواء أجهزة الشرطة»، المتهمة من قبل منظمات حقوقية دولية بتجاوز القانون، ومواصلة نهج التعذيب نفسه الذي كان، حسبها، معتمدا في عهد بن علي.
وأوضح عمر حنين، المتحدث باسم النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في بن عروس، أن قاضي التحقيق سمح بفتح تحقيق على خلفية تعرض موقوف للعنف من قبل موظف عمومي، ونفى اتهامات الإرهاب التي وجهها عناصر الأمن للمتهم، وقال إن المحاكمة ستتم وفق قانون الحق العام، باعتبارها تتناول قضية اعتداء على أملاك الغير.
وأضاف المصدر ذاته أن التحقيق القضائي انطلق بعد شكاوى تقدم بها المتضرر عن طريق محاميه، وبناء على ما تضمنه تقرير الطبيب الشرعي، الذي أثبت تعرض المشتكي للعنف، الذي نجم عنه وجود 22 كدمة في جسده، فضلا عن إصابته بجروح أخرى في يديه نتيجة شظايا بلورية.
وفي المقابل، أوضح ممثلو نقابات الأمن أن المتهم متورط في حادثتي اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد والبرلماني محمد البراهمي سنة 2013. وأكدوا اعتداءه المتكرر على سيارات الأمن، كما اتهمته النقابات الأمنية بقطع الطريق في منطقة بن عروس خلال الاحتجاجات الاجتماعية، التي عرفتها البلاد ضد غلاء المعيشة والزيادات في الأسعار بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وفي السياق ذاته، قالت الهيئة الإدارية لنقابة القضاة إن «الوقائع المخجلة»، التي وقعت أول من أمس في مقر المحكمة الإدارية ببن عروس، والمتمثلة في تجمهر عدد من رجال الأمن ببهو المحكمة حاملين أسلحتهم الوظيفية وقيامهم بتطويق المكان بالسيارات، يرقى إلى مرتبة «الجرائم المنظمة».
ومن جانبه، اعتبر المجلس الأعلى للقضاء في بيان له أن تجمهر رجال الأمن بالسلاح وانتهاكهم لحرمة المحكمة الابتدائية يعد «ضربا لاستقلالية السلطة القضائية وعملا غير مسؤول».
بدورها، حذرت جمعية المحامين الشبان (جمعية مستقلة) من خطورة ما سمته «تغول أجهزة الشرطة» بعد اعتداء بعض رجال الأمن على المحامي الممثل للضحية. وفي هذا الشأن، قال البرلماني ياسين العياري إنه أودع مطلب مساءلة لدى مكتب الضبط بالبرلمان للطفي براهم، وزير الداخلية، مبرزا أنه كلف أحد المحامين بدراسة جميع السبل القانونية لرفع قضية من أجل حل النقابة الأمنية، التي دعت أول من أمس منخرطيها إلى التجمهر أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس.
يذكر أن الوحدات الأمنية كانت اعتقلت عامر البلغزي، وهو متهم سابق في جريمة إرهابيّة، ومتورط في قضية حق عام تتعلق بعملية سرقة. وقد أفاد المتهم بأنه تعرض إلى التعنيف، ما دعا قاضي التحقيق إلى إصدار مذكرة توقيف ضدّ رجال الأمن الخمسة، الذين اعتقلوه. وكنتيجة لذلك، تجمهر رجال الأمن بزيهم النظامي وأسلحتهم مطالبين بإطلاق سراح زملائهم، وهددوا بعدم المثول مستقبلا أمام الجهات القضائية بخصوص القضايا المرتبطة بممارستهم لمهامهم الأمنية.
وتشكلت في تونس لأول مرة بعد ثورة 2011 مجموعة من النقابات الأمنية التي تدافع عن أطرها العاملة في وزارة الداخلية، واتهمت في أكثر من مناسبة بخلط الجوانب المهنية مع الخطاب السياسي. وتسعى نقابات الأمن إلى استصدار قانون يجرم الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح نتيجة تعرضها المتكرر للاعتداءات خلال مزاولة أنشطتها، لكن عدة منظمات حقوقية تعمل على منع تمرير هذا القانون المودع في البرلمان منذ سنوات، خشية استغلاله لضرب الحريات.
تونس: عودة الجدل حول «تجاوزات» أجهزة الأمن
تونس: عودة الجدل حول «تجاوزات» أجهزة الأمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة