متحف المسلة في القاهرة يدخل الخدمة بعد 7 سنوات من التأجيل

يضم مسلة سنوسرت وتماثيل لرمسيس وأمنحتب وسيتي ومقابر ومقاصير

أحد التماثيل المعروضة في المتحف
أحد التماثيل المعروضة في المتحف
TT

متحف المسلة في القاهرة يدخل الخدمة بعد 7 سنوات من التأجيل

أحد التماثيل المعروضة في المتحف
أحد التماثيل المعروضة في المتحف

دخل المتحف المفتوح في منطقة المسلة بضاحية المطرية (شرق القاهرة)، الخدمة، بعد 7 سنوات من التأجيل، بعد الانتهاء من تطويره، ويضم مسلة الملك سنوسرت الأول، و135 قطعة أثرية من نتاج أعمال الحفائر بالمنطقة.
وافتتح الدكتور خالد العناني وزير الآثار المصري، المتحف، أمس، في حضور مجموعة من سفراء الدول الأجنبية والعربية بالقاهرة والمستشارين الثقافيين، ومديري المعاهد الثقافية الأجنبية وعدد من الشخصيات الهامة.
وقال العناني: «انتهت عملية ترميم المتحف في العام 2010 بتكلفة 6 ملايين جنيه بعد عامين من العمل؛ لكنّ الافتتاح تأجل لمدة 7 سنوات لأسباب أمنية، ونُفّذت جميع الاشتراطات الأمنية الموصى بها، حيث رُكّبت 34 كاميراً مراقبة وتأمينات حريق»، مشدداً على أنّ المسلة هي رمز مدينة المطرية عاصمة مصر القديمة، معلناً أنّ المتحف سيستقبل الزوار المصريين والأجانب والعرب مجاناً لمدة أسبوع.
وأطلق الإغريق الذين غزوا مصر عام 332 قبل الميلاد، اسم «هليوبوليس» على مدينة «أون» المصرية القديمة، وتعني «مدينة الشمس»، في منطقة المطرية التي كانت مركزاً لعبادة الشمس، ومقراً لواحدة من أقدم عواصم البلاد ومراكزها العلمية والفلسفية، قبل توحيد مصر في حكم مركزي نحو 3100 سنة قبل الميلاد.
وأوضح الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية، أنّ افتتاح المتحف يهدف إلى إحياء المنطقة، وجعلها مزاراً سياحياً هاماً يليق بقيمتها التاريخية والحضارية ومتحفاً مفتوحاً يحكي تاريخ أقدم مدينة مصرية، وهي مدينة «أون»، مضيفاً أن المتحف يضمّ 135 قطعة أثرية من عصر الدولة القديمة وحتى الدولة الحديثة، من أهمها مسلة الملك سنوسرت الأول أحد ملوك الأسرة 12 التي كانت مقامة أمام المعبد الذي بناه الملك لعبادة الإله رع، وهي منحوتة من الغرانيت الوردي من محاجر أسوان، ويبلغ ارتفاعها 20.40 متر، وتزن 121 طناً، وتحوي العديد من النقوش الهيروغليفية التي تسجل اسم الملك ومناسبة إقامتها، وعلى كل وجه من أوجه المسلة عمود من النقش عليه نقوش منها: «حورس المولود من الحياة... ملك مصر العليا ومصر السفلى»، و«ابن رع سنوسرت المحبوب أرواح أون»، بالإضافة إلى وجود العديد من المسلات الأخرى والمكتشفة في المنطقة، ومنها جزء من مسلة الملك تتي الأول أحد ملوك الأسرة السادسة.
وأشار عشماوي إلى أنّ المتحف المفتوح يعرض تمثالاً للملك سيتي الثاني راكعاً يقدم مائدة القرابين، وتمثالاً ضخماً للملك رمسيس الثاني برداء الكاهن من الحجر الرملي فاقداً الجزء العلوي، وكتلاً منقوشة لمعابد من عصر الملك أمنحتب الثالث ورمسيس الثاني، ووجه تمثال عملاق للملك رمسيس الثاني ويداً لنفس التمثال، بالإضافة إلى مجموعة من أعمدة نباتية من حجر الغرانيت الأسود من عصر الملك مرنبتاح، ومدخل باب من الحجر الرملي من عصر تحتمس الثالث، وأجزاء من مقابر وتوابيت ومقاصير مختلفة.
من جانبه، أكد الأثري وعد الله أبو العلا، رئيس قطاع المشروعات بوزارة الآثار، أنّ «أعمال التطوير التي أجريت في المنطقة شملت إزالة الحديقة العامة التي كانت موجودة بها، وإعداد سيناريو عرض جديد للقطع الأثرية المختارة، لتكون حول مسلة سونسرت الأول، حيث بُنيت قاعدتان مثمنتا الشكل و20 قاعدة خرسانية غُطّيت بالغرانيت، بالإضافة إلى تنفيذ ممرات من الأحجار غير المنتظمة الشكل تؤدي إلى أماكن العرض المكشوف، وإعداد أماكن لاستراحة الزوار، ومنظومة إضاءة لإنارة الموقع ومبنى إداري للعاملين»، لافتاً إلى تجهيز المدخل الخارجي للمزار وإحاطته بسور حديدي وعمل بطاقات تعريفية للقطع المعروضة.
وأوضح الدكتور شريف المنعم، المشرف على إدارة تطوير المواقع الأثرية، أنّ المطرية المعروفة بمدينة عين شمس القديمة، هي المركز الرئيسي لمعبد الشمس، حيث كانت تعدّ العقيدة الشمسية أو عبادة الشمس محور الديانات المصرية القديمة لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، مضيفاً: «المنطقة تقسم إلى منطقتين كبيرتين، هما: منطقة المعابد وكانت محاطة بسور ضخم من الطوب اللبن، وتشغلها الآن مناطق المسلة وعرب الحصن وعرب الطوايلة والخصوص، أمّا المنطقة الثانية فهي منطقة الجبانة وكانت تسمّى (جددت عات)، وتشغلها الآن مناطق عين شمس الشرقية وعين شمس الغربية وحلمية الزيتون والنعام ومنشية الصدر وأجزاء من مصر الجديدة ومدينة نصر والروضة».
وكان معبد «أون» من أكبر المعابد في مصر القديمة، حيث بلغ كبر حجمه ضعف معبد الكرنك بمدينة الأقصر (جنوب البلاد)، لكنّه تعرّض للتدمير خلال العصور اليونانية الرومانية، حيث نقلت كثير من المسلات والتماثيل التي كانت تزينه إلى مدينة الإسكندرية وإلى أوروبا، كما استخدمت أحجاره في العصور الإسلامية في بناء القاهرة التاريخية.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.