من «الكوميكس» إلى «ميمز»... كيف غيّرت «السوشيال ميديا» السخرية في مصر؟

اقتصر فن الكوميكس سابقاً في العالم العربي على قصص الأطفال مثل «ميكي» و«سمير»
اقتصر فن الكوميكس سابقاً في العالم العربي على قصص الأطفال مثل «ميكي» و«سمير»
TT

من «الكوميكس» إلى «ميمز»... كيف غيّرت «السوشيال ميديا» السخرية في مصر؟

اقتصر فن الكوميكس سابقاً في العالم العربي على قصص الأطفال مثل «ميكي» و«سمير»
اقتصر فن الكوميكس سابقاً في العالم العربي على قصص الأطفال مثل «ميكي» و«سمير»

تلقّفت مواقع التواصل الاجتماعي صور «الكوميكس» أو «ميمز» بقوة، حتى باتت ديواناً جديداً للمصريين، وجدوا فيها متنفساً لهم بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية، من خلال تداول هذه الصور فيما بينهم. وأصبحت هذه المواقع مسرحاً حراً لمشاهير هذا النوع من الفن، ينشرون في صفحاته صوراً مستوحاة من أفلام كوميدية أو تصريحات لإحدى الشخصيات العامة، والتعليق عليها في قالب كوميدي. بينما ابتكر بعضهم شخصيات كارتونية طريفة، لعمل إسقاطات معينة تحشد الرأي العام ضد بعض القرارات والقضايا.
مع وسائل التواصل الاجتماعي، استطاعت رسوم «الكوميكس» إيجاد حيز لها في العالم الرقمي بحلة جديدة، وتحت مسمى «الميمز». كما استطاعت تحطيم قيمتها الفنية الحقيقية، من رواية الأحداث بشكل كادرات متتابعة توصل رسالة معينة، إلى كونها مجرد رسوم وصور ساخرة تحقق أرقاماً غير مسبوقة في نسب مشاهدتها.
يقول الفنان ميشيل معلوف لـ«الشرق الأوسط»: «(الكوميكس) هو فن القصة المصورة التي يرسمها فنان لسرد أحداث مترابطة في كادرات متتابعة من الصور، تدور حول أحداث سياسية أو اجتماعية، أو تكون قصة خيالية من نسج المؤلف، وتقدم شخصيات القصة بأنماط مختلفة من أساليب الرسم والتلوين حسب المدرسة الفنية لكل فنان». ويوضح: «يهدف هذا الفن إلى توصيل رسالة سامية لتنوير الشعوب وتعليم النشء قيم الحق والعدل والخير والجمال، من خلال تجسيد صور لأبطال يهزمون قوى الشّر، ولكن حالياً أصبح معظمها بغرض الترفيه والإضحاك فقط، وهو القالب المنتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي».
اقتصر فن «الكوميكس» سابقاً في العالم العربي على قصص الأطفال، مثل: «ميكي»، و«سمير»، وكانت بدايته الحقيقية في مصر، عندما أصدر وزير المعارف علي مبارك، مجلة «روضة المدارس» عام 1870 برئاسة رفاعة الطهطاوي، التي نشرت القصص المصورة لأطفال المدارس، وكانت تميل إلى الطابع الإرشادي. ثم انتشرت المجلات المصورة عربياً، ومن أهمها: «دنيا الأحداث» في لبنان، و«أسامة» في سوريا، و«المزمار» في العراق.
حديثاً انتقل فن «الكوميكس» من المجلات إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ليعرف باسم «الميمز»، أمّا مفهوم هذا المصطلح الإلكتروني فهو عبارة عن صور مركبة تحمل تعليقاً قصيراً وساخراً، يحدد الفكرة المراد إيصالها، وأول انتشار عالمي له كان على «فيسبوك»، لتقديم النكات، وخصوصاً تلك التي تتناول المشاهير، سواء في الفن أو السياسة أو غيرهما. مع بداية عام 2011 بات هذا النوع من التعبير ملاصقاً للحراك الذي انطلق في الشارع العربي، خصوصاً في تونس ومصر، حيث أصبحت وسائل التعبير البديلة للإعلام التقليدي الوسيلة الوحيدة أمام الشباب لتقديم أفكارهم.
من جهتها، تقول نهى إبراهيم، فنانة متخصصة في فن «الكوميكس»، لـ«الشرق الأوسط»: «شهد هذا الفن رواجاً كبيراً على صفحات ومجموعات كثيرة على الشبكات الاجتماعية، عقب ثورات الربيع العربي، حيث أصبح ملاذاً للعديد من الشباب الهواة عن طريق اقتباس عبارات ذات طابع فكاهي من الأعمال الدرامية أو الأفلام للسخرية من قضية أو حدث معين، وهو ما يتنافى مع طبيعة فن الكوميكس». وترى أنّ سبب الإقبال عليه هو استغلال نجاح هذا النوع من الفن في توصيل الفكرة بشكل واضح وسريع. فيما يقول ياسر خليل، مؤسس موقع «صحافي أونلاين»، «توجد في معظم صفحات (الكوميكس) الرائجة، مساحات للإبداع والتميز تختلف من شخص لآخر... وله منافع عديدة مثل شحن الجمهور بطاقة إيجابية، والتخفيف من التوتر السياسي أو الاجتماعي بين أشخاص أو جماعات، في المقابل يمكن أن تُشكل صورة ذهنية مشوّهة لرمز تاريخي، أو أن تحشد الجمهور ضد مشروع قومي مهم، أو تكسر تابوهات يلتزم المجتمع بحمايتها كجزء من هويته، من دون أن يدرك منتج هذه الصورة أنّه يحدث كارثة حقيقية، فهو يركّز على كمّ الإعجاب والتعليقات، وهذا بالطبع ليس معياراً صحيحاً لجودة المحتوى المقدم، وبالتالي يجب على الفنان أن يشعر بالمسؤولية التي تقع على كاهله لدى إنتاجه عمله».


مقالات ذات صلة

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.