رسمت ندوة عقدت على هامش «مؤتمر ميونيخ للأمن» في يومه الأخير أمس، صورة قاتمة للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. ورغم التشاؤم، فإن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا رفض إلا أن يتحدث عن «تفاؤل» بإمكانية التوصل لاتفاق سياسي حول سوريا، مشدّدا على أنه «لا بديل» عن ذلك. لكنه راح بعد ذلك يتحدث عن الانقسامات في سوريا وتقاسم النفوذ، محذرا من أن ذلك قد «يؤدي إلى تقسيم البلاد». ورغم كلامه عن «التفاؤل»، فإن دي ميستورا عبّر عن قلق كبير من الوضع في سوريا، وقال إنه لم ير في السابق دولا كبرى متورطة «بهذا الشكل المباشر» كما هو حاصل في سوريا اليوم. وعبّر عن مخاوفه من أن يؤدي ذلك إلى «حوادث خطرة»، لكنه أضاف: «الخبر الجيد أن الدول الكبرى تعرف أنه ليست هناك حروب بالوكالة. هم موجودون هناك جميعا ويعملون عن قرب». وذكر دي ميستورا بعض الحوادث العسكرية التي وقعت في سوريا بين أطراف دولية، مشيرا إلى أن «هذه البلدان تتحمل مسؤوليتها، وإلا خرجت الأمور عن السيطرة».
وذكر المبعوث الأممي بأن خط مفاوضات جنيف هو الأساس والوحيد الذي يتمتع بالشرعية، وقال: «هناك كثيرون يحاولون التوسط للحل في سوريا، ولكن الأمم المتحدة وحدها تتمتع بالشرعية والغطاء الدولي». وأشار إلى أن عملية آستانة «مفيدة ما دامت تركز فقط على أجندتها، وهي تخفيف التصعيد. و(سوتشي) أيضا أعطت الأمم المتحدة ما أرادت الحصول عليه في (جنيف)، وهو لجنة الدستور».
الجلسة شارك فيها أيضا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي كرّر كلام تركيا عن أنها تعد «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» الكردية، اللتين تتلقيان دعما أميركا، مجموعتين «إرهابيتين».
وفي معرض دفاعه عن العمليات التركية في عفرين، انتقد جاويش أوغلو مجدداً دعم الولايات المتحدة للمقاتلين الأكراد في سوريا، وقال إن «اختيار منظمة إرهابية لقتال منظمة إرهابية أخرى (داعش) خطأ كبير، ويهدد مستقبل سوريا». وتابع يتساءل: «لماذا دعمت واشنطن (وحدات الحماية) الكردية؟ لقتال (داعش). ولكن نحن رأينا كيف تعاملوا مع (داعش) في الرقة. والآن هم يتجمعون لقتال تركيا. هؤلاء هم الذين يتلقون دعما من حلفائنا الأميركيين!».
ورغم تهجمه على واشنطن، أكد جاويش أوغلو أنه تم التوصل إلى تفاهمات مبدئية مع الولايات المتحدة حول العمليات التركية في سوريا خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى أنقرة قبل يومين، وقال: «نأمل أن يفي الأميركيون بوعدهم هذه المرة».
وأعلن قبل يومين عن اتفاق بين أنقرة وواشنطن؛ الحليفتين في حلف شمال الأطلسي، لتخفيف التوتر بينهما في سوريا، من خلال تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الخلافات بين الطرفين. وبعد توتر وتصعيد في العلاقات بين الطرفين، استمر أياما، خرج تيلرسون وجاويش أوغلو في مؤتمر صحافي في أنقرة ليعلنا أنهما يتشاركان الأهداف نفسها في سوريا: «هزيمة (داعش)، وإيجاد مناطق آمنة ومستقرة، وسوريا مستقلة وموحدة».
وكان مسؤول عسكري أميركي رفيع قد هدّد الأسبوع الماضي بأن قواته سترد بقوة على أي هجوم في منبج بدعم من القوات التركية. وتتمركز القوات الأميركية في منبج بعد أن طردت قوات «حماية الشعب» الكردية تنظيم داعش منها. ورد على تهديدات الجنرال الأميركي، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالقول إن الولايات المتحدة «ستتلقى صفعة عثمانية» إذا نفذت تهديدها.
لم يطرح مصير الأسد في الجلسة التي شارك فيها أيضا وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إلا من قبل المتحدث الروسي أليكسي بوشكوف، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي. ودافع بوشكوف بشدة عن الأسد الذي غابت الدعوات لإسقاطه كليا في الجلسة، وقال: «الأسد مهما اعتقد الآخرون، ما زال رئيسا شرعيا. سوريا عضو في الأمم المتحدة وحكومة الأسد هي الممثلة هناك. هو يسيطر عن الجزء الأكبر من الأراضي السورية؛ بالطبع بمساعدتنا، ولكن الأطراف الأخرى تتلقى دعما قويا من أطراف دولية». وتابع يسأل: «إذا ذهب الأسد؛ فمن يحل مكانه؟». ولم تُعطَ المعارضة السورية منبرا رسميا في ميونيخ، لكنها كانت موجودة بوفد كبير برئاسة نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض السورية، الذي تحدث بمداخلة بعد أن أعطيت له الكلمة خلال الأسئلة والأجوبة مع الجمهور. واتهم الحريري النظام السوري بعرقلة كل مساعي الحوار التي طرحت حتى الآن.
بدوره، رسم أبو الغيط صورة سوداوية عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وقال: «أرى وضعا سيئا جدا في الشرق الأوسط، لأن إسرائيل ما زالت تأخذ أراضي في فلسطين، والأميركيين يدعمونهم في قضية القدس. ولا يبدو أن هناك حلا قريبا». وتابع: «أرى صراعا بشعا جدا في سوريا وقوات كبرى تتقاتل بينها، وقوات إقليمية تتدخل في الشؤون السورية، ما سيؤدي إلى عدم تسوية هناك». واستبعد أبو الغيط التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، لأن «الروس والأميركيين والإيرانيين كلهم موجودون هناك». وأضاف عن تركيا باستفهام: «أحاول أن فهم تصرف تركيا ولا أقدر». وتابع متوجها إلى جاويش أوغلو: «أنا أتوجه لصديقنا التركي لكي يفهم بأنه يتدخل في بلد عربي جنوب حدوده، ويجب وضع بعض المبادئ قبل هذا التدخل. (داعش) لم تعد المشكلة ولا المجموعات المتطرفة، بل البيئة التي تسببت بولادة (داعش)، وهذا مرتبط بغياب تسوية حول فلسطين. هناك غضب بين الشباب لأننا تركنا فلسطين». واستنتج يقول: «إذا أردنا شرق أوسط يعيش بسلام، فيجب حل القضية الفلسطينية».
ندوة على هامش «ميونيخ» ترسم صورة سوداوية عن المنطقة
ندوة على هامش «ميونيخ» ترسم صورة سوداوية عن المنطقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة