تعود آخر مرة تمكن فيها فريق إنجليزي من العودة بعد التأخر بهدفين في تورينو لعام 1999 عندما كان المديرون الفنيون الحاليون لأندية تشيلسي وريال مدريد ومنتخب فرنسا يلعبون لنادي يوفنتوس الإيطالي وعندما تمكن نادي مانشستر يونايتد من العودة بعد تأخره بهدفين نظيفين ليتمكن من الفوز في النهاية بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
وفي الحقيقة، هناك تشابه بين ما حدث في هاتين المبارتين، إذ كان توتنهام هوتسبير متأخرا بهدفين نظيفين أمام يوفنتوس، كما كان مانشستر يونايتد أيضا متأخرا بهدفين نظيفين، علاوة على أن الهدف الذي أحرزه هاري كين في مرمى الحارس بوفون يشبه إلى حد كبير الهدف الذي أحرزه روي كين في مباراة عام 1999. وباستثناء ذلك، كان هناك اختلاف كبير بين المبارتين، حيث كان مانشستر يونايتد هو أفضل وأغنى فريق في إنجلترا في ذلك الوقت وكان قادرا على أن يصبح بطلا لمسابقة دوري أبطال أوروبا كل عام تقريبا. وكانت مباراة عام 1999 بين مانشستر يونايتد ويوفنتوس في مباراة الذهاب للدور قبل النهائي لدوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى أن مانشستر يونايتد بقيادة مديره الفني الأسطوري السير أليكس فيرغسون قد وصل للمباراة النهائية وفاز باللقب في نهاية المطاف بعد الفوز الدراماتيكي على بايرن ميونيخ الألماني.
إننا نجري مقارنة هنا بين المبارتين لسبب واحد وهو التناقض الواضح في رد الفعل بعد انتهاء كل مباراة منهما، فقد حقق مانشستر يونايتد الفوز على يوفنتوس في عصر ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وقوبل هذا الفوز باحتفال كبير وشعور بالفخر بين أنصار النادي الإنجليزي. ولو كانت وسائل التواصل الاجتماعي موجودة في ذلك الوقت لوجدنا من يقول على «فيسبوك» وتويتر إن مانشستر يونايتد كان محظوظا في تلك المباراة أو أننا قد بالغنا في الثناء على أداء الفريق أو أن النادي الإنجليزي قد فاز في تلك المباراة بسبب الحكام، وربما يصل البعض لدرجة اتهام نجم الفريق السابق بول سكولز بأنه كان بلطجيا أو روي كين بأنه كان جبانا، أو يشير البعض إلى أن مانشستر يونايتد قد فاز في تلك المباراة لأن يوفنتوس كان يفتقد لخدمات بعض لاعبيه، ولذا فإن هذا الانتصار لم يكن بالأهمية التي يتحدث عنها الجميع!
في الحقيقة، يتمثل أبرز شيء في مباراة توتنهام الأخيرة ضد يوفنتوس في رد الفعل الغريب من قبل المشككين في قوة توتنهام هوتسبير والذين دائما ما ينتقدون الفريق مهما يفعل وبغض النظر عن نتائجه. ويرى هؤلاء أن توتنهام هوتسبير لم يحصل على أي بطولة حتى الآن وأن النادي يتلقى الإشادة بسبب «مؤامرة إعلامية»، على حد وصفهم. وتعد هذه الاتهامات هي «الهدية» التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي لعشاق وجمهور توتنهام هوتسبير، مطالبة إياهم بأن ينسوا ما يرونه بأعينهم داخل الملعب وعلى شاشات التلفزيون وأن يصدقوا ما يقال على وسائل التواصل الاجتماعي! وفي الواقع، يمكن وصف ذلك - بلغة مستخدمي الإنترنت - بأن هناك «تحيزا» لصالح توتنهام هوتسبير.
ومن الإنصاف أن نقول إنه من السهل أن نرى السبب الذي يجعل مشجعي الفرق الأخرى تشعر بالغضب من «التحيز» الواضح من جانب وسائل الإعلام لنادي توتنهام هوتسبير. في الحقيقة، يجب أن نعترف بأن هناك قدرا ضئيلا من التحيز بالفعل لنادي توتنهام هوتسبير وولعا بما يقدمه بوكيتينو ولاعبوه وأن هناك حديثا دائما عن أداء الفريق بالتفصيل من أجل التركيز مرارا وتكرارا على الأداء الراقي والنتائج الرائعة لهذا النادي الذي بنى فريقا ممتازا من دون إنفاق أموال طائلة وفي ظل الاعتماد على لاعبين شباب.
وفي ظل تفهم هذا الأمر، يكاد يكون من المستحيل عدم الاهتمام بما يقدمه توتنهام وعدم الإشادة بالنجاح الذي يحققه. ومن المفهوم أيضا أن الإنسان بطبعه يكون مولعا بسماع قصص النجاح والتفوق، وأعتقد أنه لا توجد قصة أروع من الحديث عن توتنهام هوتسبير في عهد المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، الذي نجح في تكوين فريق رائع بمجموعة من اللاعبين الشباب الذين تم اختيارهم بعناية فائقة، بعيدا عن النجوم والأسماء اللامعة في عالم كرة القدم.
دعونا نتفق أيضا على أن الفرق التي يتم تكوينها عن طريق شراء كوكبة من النجوم بمبالغ طائلة تقدم أداء ممتعا أيضا، لكن معظم جمهور كرة القدم يريد أن يرى الفريق الذي يشجعه قد بنى بنفس طريقة توتنهام هوتسبير، ويريد أن يرى لاعبين صغارا في السن قد تحولوا إلى نجوم بين جدران النادي بدلا من تعاقد النادي مع نجوم بالفعل. وحتى المدرب بوكيتينو نفسه يحظى بحب واحترام الجميع لأنه بسيط ومهذب وواضح ويقود فريقه لتقديم كرة قدم ممتعة وهجومية وسلسة تعتمد على السرعة والقوة والضغط المستمر على الخصم.
وبطبيعة الحال، فإن الصحافيين، مثلهم مثل الجمهور، يعشقون القصص التي تتمحور حول الرياضة ويريدون أن يروا جميع الفرق تحقق النجاح. وبنفس الطريقة، كان هناك «تحيز» مماثل لفريق مانشستر يونايتد بقيادة فيرغسون عندما تمكن من العودة بعد تأخره بهدفين أمام يوفنتوس ليفوز في النهاية بثلاثة أهداف مقابل هدفين. قد يكون البعض محقا في أن توتنهام هوتسبير لم يحصل على أي بطولة حتى الآن، لكن يجب عليهم أن يعلموا أيضا أن «بناء النجاح وليس شراء النجاح» يستغرق وقتا أطول دائما. ويجب الإشادة بمن يحقق النجاح بهذه الطريقة، خاصة في الوقت الذي تعتمد فيه بعض الأندية على شراء النجاح السريع عن طريق إنفاق أموال طائلة.
ويجب الإشارة إلى أن توتنهام هوتسبير أنفق أموالا أقل من هوديرسفيلد وبيرنلي وبورنموث خلال السنوات الخمس الماضية، لكنه في نفس الوقت ينافس أندية عملاقة مثل يوفنتوس وريال مدريد وبروسيا دورتموند. وإذا كنت ممن يعشقون الرياضة فيتعين عليك أن تلاحظ ذلك بل وتدرس ما حدث بالتفصيل لتعرف كيف تحقق هذا النجاح الكبير. ومع ذلك، قد يعاني الفريق بسبب تألق لاعبيه بصورة لافتة، وقد نرى الفريق في غضون عامين من الآن يفقد لاعبيه المميزين مثل هاري كين وكريستيان إريكسن وديلي آلي بسبب العروض التي تنهال عليهم من الفرق الأخرى. ومن وجهة نظر رياضية خالصة، فإن ذلك لا يقلل على الإطلاق من التجربة التي يقوم بها توتنهام هوتسبير أو يقلل من متعة مشاهدة ما يقدمه هذا النادي بهؤلاء اللاعبين الموهوبين.
قبل سبع سنوات عندما بلغ توتنهام أدوار خروج المغلوب في دوري أبطال أوروبا من أول محاولة تحت قيادة المدرب هاري ريدناب توجه الفريق لملاقاة ريال مدريد تحت قيادة البرتغالي جوزيه مورينيو في ذهاب دور الثمانية وخسر 4 - صفر. أطلت ذكرى هذه الهزيمة برأسها الثلاثاء في ذهاب دور الستة عشر عندما أحرز غونزالو هيغوين مهاجم يوفنتوس، الذي كان أيضا ضمن تشكيلة ريال مدريد في مباراة 2011، هدفين في أول تسع دقائق ليمنح التقدم للعملاق الإيطالي. لكن فريق المدرب ماوريسيو بوكيتينو انتفض وفرض سيطرته على مجريات اللعب لمدة 80 دقيقة وسجل هاري كين وكريستيان إريكسن هدفين لينتهي اللقاء 2 - 2 في تورينو.
حان الوقت لتجاهل المشككين والاستمتاع بأداء الفريق الحالي لتوتنهام
بوكيتينو بنى فريقاً ممتازاً من دون إنفاق أموال طائلة واعتبر أن بناء النجاح وليس شراؤه يستغرق وقتاً أطول دائماً
حان الوقت لتجاهل المشككين والاستمتاع بأداء الفريق الحالي لتوتنهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة