ماكرون متمسك بـ«الخط الأحمر» ويشترط توفر «أدلة دامغة» على الكيماوي

TT

ماكرون متمسك بـ«الخط الأحمر» ويشترط توفر «أدلة دامغة» على الكيماوي

عاد «الخط الأحمر» الكيماوي الذي رسمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحضور نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 29 مايو (أيار) من العام الماضي إلى واجهة الجدل السياسي والإعلامي بعد الاتهامات الأميركية، ومن منظمات حقوق الإنسان للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ست مرات في الأسابيع الأخيرة، ومن غير أن تحرك باريس ساكناً.
وبعد وزيري الخارجية والدفاع، جاء دور الرئيس ماكرون لتوضيح الموقف الفرنسي بعد «التساؤلات» التي تكاثرت في الأيام الأخيرة حول مدى تمسك باريس وقدرتها على فرض احترام «الخط الأحمر».
وأعلن في لقائه مع «الصحافة الرئاسية» ليل الثلاثاء – الأربعاء، أنه «رسم خطاً أحمر أعيد التأكيد عليه بكل وضوح». وأضاف ماكرون: «إذا حصلنا على أدلة دامغة بشأن استخدام أسلحة كيماوية محظورة ضد المدنيين، (عندها) سنضرب المكان الذي خرجت منه (هذه الأسلحة) أو حيث تم التخطيط لها». وزاد: «سنضمن التقيد بالخط الأحمر» فور توافر الدليل من خلال الرد» العسكري «الفوري». لكنه التزم لاحقاً جانب الحذر، وهو ما فعله قبله وزيرا الخارجية والدفاع، بالإشارة إلى أنه «حتى اللحظة الراهنة»، لم تتوافر لفرنسا بعد الدلائل على أن أسلحة كيماوية «تحظرها المعاهدات الدولية» قد تم استخدامها مؤخراً في سوريا ضد المدنيين. إذ إن مادة الكلور، بعكس السارين أو غاز الأعصاب، ليست من بين المواد التي تحظرها معاهدة منع استخدام السلاح الكيماوي؛ لأن لها استعمالات مدنية.
وقالت مصادر فرنسية رفيعة لـ«الشرق الأوسط»: إن ثمة شرطين إضافيين يجب توافرهما: الأول، أن تتمكن الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية نفسها من توفير الدليل على استخدام السلاح الكيماوي، أكان من قبل النظام أو عدد من مجموعات المعارضة كما حصل في السابق. والآخر، أن يوقع هذا الاستخدام عدداً كبيراً من الضحايا.
والحال أن باريس، وفق ما قاله ماكرون: «لا تملك بشكل مؤكد» الدليل المطلوب رغم أن وزير الخارجية أعلن قبل أيام قليلة أن « المؤشرات كافة» تدل على ذلك. لكن وزير الخارجية جان إيف لودريان نفسه حفظ خط الرجعة بإعلانه أن هذه الوقائع «غير موثقة»؛ ما يترك للرئيس ماكرون فسحة للتراجع، بل لحفظ ماء الوجه. وباريس التي نظمت مؤتمراً دولياً لمحاربة إفلات المسؤولين عن اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية من العقاب، تريد أن تبقى «متيقظة جداً».
وقالت المصادر الفرنسية: إن باريس «تتوافر لها الوسائل العسكرية» لتنفيذ تهديداتها، أكان ذلك من خلال استخدام الصواريخ التي تطلقها غواصات أو طائرات عن بعد ودون الحاجة إلى التحليق فوق الأراضي السورية لتلافي الاصطدام بمنظومة الدفاع الجوي السورية. وأضافت: إن فرنسا قادرة على القيام بهذه المهمة «منفردة»، كما أنها قادرة على تحمل «بعض الخسائر» المادية أو الإنسانية. بيد أن تطوراً عسكرياً من هذا العيار «يفترض إرادة سياسية، ونحن لا نعلم إن كانت هذه الإرادة متوافرة للرئيس ماكرون». وقالت المصادر إن «ماكرون ليس هولاند» في إشارة الرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي وجد نفسه وحيداً بعد تراجع الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربة على خلفية اتهامات للنظام السوري باستعمال الكيماوي في نهاية 2013.
لكن التخوف الجدي يقع في مكان آخر؛ إذ يتناول «النتائج» التي سترتب على عمل عسكري من هذا النوع. وأول ما تتعين الإشارة إليه هو الموقف الروسي، ومعرفة ما إذا كانت القيادة في موسكو ستعتبر البادرة الفرنسية «استفزازاً» لها بالدرجة الأولى قبل أن تكون استفزازاً للنظام الذي ترعاه وتحميه. أما التبعات الأخرى، فعناوينها التصعيد العسكري الميداني وخلط الأوراق.
وفي أي حال، ترى المصادر المشار إليها أنه سيتعين على باريس التشاور مع الولايات المتحدة الأميركية التي ستكون في حاجة إليها من الناحية الاستعلاماتية «المخابراتية» لتحديد الأهداف، وخصوا إخطار موسكو بالعمل العسكري. وهنا، تطرح مسألة «الأهداف» التي يتعين ضربها؛ إذ إن ماكرون أشار إلى «المكان الذي خرجت منه» الأسلحة الكيماوية وحيث تم التخطيط لها.
ثمة جانب آخر يشكل مصدر قلق لفرنسا أشار إليه ماكرون، ويتناول الأنشطة الباليستية في المنطقة. وجاءت عباراته غامضة؛ إذ إنه أعرب عن رغبته في انعقاد مؤتمر دولي ليس بالضرورة في باريس من أجل «جبه النشاطات الباليستية المنطلقة من سوريا التي تشكل تهديداً لقوى المنطقة». وأشار ماكرون من جهة أخرى إلى «النشاطات الباليستية الإيرانية أو المرتبطة بإيران، كما في اليمن أو في المنطقة السورية، التي هي مصدر لزعزعة الاستقرار وتوجد مشكلات أمنية للكثير من حلفائنا».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.