السيسي: المصالحة السياسية قائمة.. وعلى الطرف الآخر تحديد خياراته

الرئيس المصري يلتقي وفدي «العموم البريطاني والأمة الكويتي» ويؤكد حزمة من التشريعات لتحسين بيئة الاستثمار.. قريبا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى لقائه النائب البريطاني روبرت والتر والوفد المرافق له في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى لقائه النائب البريطاني روبرت والتر والوفد المرافق له في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (رئاسة الجمهورية)
TT

السيسي: المصالحة السياسية قائمة.. وعلى الطرف الآخر تحديد خياراته

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى لقائه النائب البريطاني روبرت والتر والوفد المرافق له في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى لقائه النائب البريطاني روبرت والتر والوفد المرافق له في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (رئاسة الجمهورية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله وفدي «العموم البريطاني والأمة الكويتي» أمس (السبت)، أن «مساحة المصالحة السياسية في مصر قائمة وأنه يتعين على الطرف الآخر أن يحدد خياراته وأن يوضح ما الذي يمكن أن يقدمه لمصر»، مضيفا أن «الفترة المقبلة ستشهد حزمة من القرارات والتشريعات التي تحسن وتيسر بيئة الاستثمار في مصر».
في حين دعا الرئيس السيسي، الذي أدى اليمين الدستورية رئيسا للبلاد قبل أسبوع، خلال استقباله شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وكبار العلماء، إلى تصويب الخطاب الديني سواء في المساجد أو بالمناهج التعليمية أو على مستوى كافة مؤسسات الدولة المصرية.
واستقبل الرئيس السيسي أمس، بمقر الرئاسة بمصر الجديدة (شرق القاهرة)، روبرت وولتر عضو البرلمان البريطاني، على رأس وفد يضم 16 عضوا من مجموعة أصدقاء مصر بمجلسي اللوردات والعموم البريطانيين، وبحضور نبيل فهمي وزير الخارجية. وقالت الرئاسة، في بيان لها أمس، إن «الرئيس أكد خلال اللقاء أن مصر عازمة على استكمال مراحل خارطة الطريق بنجاح بعد أن أتمت بالفعل الاستحقاقين الأول والثاني بإقرار الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية، وأن الدستور الجديد بما كفله من ضمانات للحقوق والحريات سيكون موضع تطبيق خلال الفترة المقبلة من خلال التشريعات والقوانين التي سيضعها مجلس النواب المنتخب.
وأضاف السفير إيهاب بدوي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، أن الرئيس المصري أكد أن مصر في المرحلة المقبلة ستعمل على ترسيخ الحقوق والحريات، لا سيما أنها نصوص دستورية، يتعين الالتزام بها كإطار حاكم للتشريعات التي ستفعلها، إلا أنه يجب تحقيق التوازن فيما بين الحريات والحقوق وبين ضمان أمن الوطن والمواطنين، أخذا في الاعتبار أن الجانب الحقوقي يتعين أن يمتد ليشمل مكافحة الفقر والأمية، والارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية، والحرص على بناء إطار فكري سليم ينبذ التطرف ويميل إلى الاعتدال والتسامح وقبول الآخر، وألا يقف عند حدود مطالبات الغرب بمنح الحريات المدنية.
وتساءل السيسي عن مدى استعداد الغرب للمساهمة في تفعيل هذه الحقوق الإنسانية الأساسية، والتي تتعلق في جوهرها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فهل الغرب مستعد لافتتاح جامعات مجانية في مصر أو تخفيض وإلغاء المديونيات المستحقة على مصر على سبيل المثال؟ وألقى الرئيس السيسي الضوء على أهمية الاعتبار من تجارب العديد من دول المنطقة، التي طالما حذرت مصر من أنها تتجه إلى مصير مجهول ستكون له تداعياته السلبية على المنطقة بأسرها، موضحا أن تأثيره سيمتد إلى الدول الغربية، وقد دلل على ذلك بالمواطنين الغربيين الذين ينخرطون في الصراعات الدائرة في عدد من دول المنطقة، وذلك على الرغم من نشأتهم في دول غربية منفتحة وذات مستوى معيشي مرتفع.
وأفاد الرئيس بأن الدستور الجديد حدد المهلة الزمنية التي يتعين أن تبدأ قبل انتهائها إجراءات عقد الانتخابات البرلمانية، في الثامن عشر من يوليو (تموز) المقبل، كما أوضح أن مساحة المصالحة السياسية في مصر قائمة، وليس فقط منذ خطابه إلى الأمة في الثامن من يونيو (حزيران) الحالي؛ ولكن منذ إعلان الثالث من يوليو 2013، وأنها يمكن أن تجري فقط مع من لم تتلوث أيديهم بدماء الأبرياء من المصريين، منوها إلى أنه يتعين على الطرف الآخر أيضا أن يحدد خياراته وأن يوضح ما الذي يمكن أن يقدمه لمصر، وأن يكف عن الادعاء بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة.
كما ثمن السيسي دور المرأة المصرية وضرورة تفهم مشكلاتها المجتمعية، وحقها في الحياة بحرية، والتصدي بكل حسم وبكافة الوسائل، القانونية والأمنية والأخلاقية، لظاهرة التحرش، فضلا عن ضمان تمثيل عادل للمرأة في المناصب التنفيذية والنيابية.
وكان الرئيس السيسي قد زار الأسبوع الماضي، امرأة مصرية جرى التحرش بها في ميدان التحرير. وتعهد الرئيس وهو يتحدث للمرأة وقتها، باستمرار الدولة في الاضطلاع بدورها إزاء المواطنين.
وأشاد السيسي بالموقف الوطني لمسيحيي مصر، الذين تعرضت كنائسهم لحوادث اعتداء متكررة بعد الثلاثين من يونيو (حزيران)، مشيرا إلى استكمال جهود ترميم الكنائس المتضررة.
وعلى صعيد مطالبات الغرب بالاستجابة لمتطلبات بعض الفئات المهمشة، أوضح الرئيس أن الدولة تتفهم مشكلات هذه الفئات من البسطاء، ويتعين على الغرب أن يدرك أن المشكلة لا تكمن في إنكار الدولة المصرية لحقوقهم وإنما في نقص الموارد اللازمة لحل مشكلاتهم، مضيفا أن الغرب بحاجة إلى تعديل تصوره لمفهوم حقوق الإنسان، وأن يكف عن الانتقاد دون أن تكون هناك إجراءات عملية ملموسة يقدمها للمساعدة في تسوية مثل هذه المشكلات.
أما بالنسبة للتعاون المصري – البريطاني للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار؛ فقد أشاد الرئيس بالتعاون القائم بين البلدين في مجال زيادة كفاءة الأجهزة الأمنية، منوها إلى تطلعنا لتعظيم هذا التعاون كما وكيفا. وحذر السيسي من مغبة استمرار حالة السيولة الأمنية في بعض دول المنطقة، كما هو الحال في ليبيا والعراق، مؤكدا على المسؤولية التي يتحملها الغرب إزاء هاتين الدولتين، وما تشهدانه من أوضاع أمنية متردية وضرورة اضطلاعه بمسؤولياته تجاه هذه الأوضاع، لا سيما أن شعوب هذه الدول كانت تطمح في أن تتحول حياتها إلى الأفضل في أعقاب التخلص من الأنظمة القديمة، إلا أن ما جرى كان عكس ذلك.
في غضون ذلك، استقبل الرئيس السيسي أمس، مبارك الخرينج نائب رئيس مجلس الأمة الكويتي، رئيس لجنة الأخوة البرلمانية الكويتية المصرية، وذلك على رأس وفد يضم خمسة أعضاء من البرلمان الكويتي، يتمتع بعضهم بعضوية لجنة الأخوة والبعض الآخر بعضوية البرلمان العربي، وبحضور السفير سالم غصاب الزمانان سفير الكويت بالقاهرة. وقال السفير إيهاب بدوي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، إن الرئيس السيسي طلب نقل تحياته وتقديره للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، مؤكدا أن دور مصر الرائد في المنطقة، يتطلب اقتصادا قويا يدعم هذا الدور.
وشدد السيسي على أن الجهود التي يتعين بذلها في المرحلة المقبلة، لا تتعلق فقط بالحفاظ على سلامة دولنا وأمن شعوبنا، وإنما تستهدف أيضا الدفاع عن الإسلام الحنيف، وتصويب صورته التي تشوهها حفنة من مدعي الدين ومحترفي سفك الدماء، تحت دعاوى كاذبة وشعارات هدامة، حتى بات الدين الإسلامي مرتبطا في أذهان وعقول العالم بالإرهاب. كما قدم السيسي الشكر لموقف الكويت الداعم لإرادة وتطلعات الشعب المصري، مشيرا إلى أهمية بناء القدرات الاقتصادية لمصر في المرحلة المقبلة، جنبا إلى جنب مع تطوير قدراتها العسكرية، حيث أولى اهتماما خاصا لمواجهة أزمة البطالة المتفشية في مصر، والتي تتسبب في العديد من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع، ونوّه بضرورة تكاتف الجهود بين مصر والكويت لتحقيق المنافع الاقتصادية المتبادلة من خلال زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر؛ أخذا في الاعتبار أن الفترة المقبلة ستشهد حزمة من القرارات والتشريعات التي تحسّن وتيسر بيئة الاستثمار في مصر، معربا في هذا الصدد عن تطلعه لأن يأتي موقف مجلس الأمة الكويتي داعما للحكومة الكويتية بشأن قراراتها لمساندة ودعم الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة.
في سياق آخر، وافق الرئيس السيسي على إنشاء «بيت الزكاة والصدقات المصري» كهيئة مستقلة تابعة للدولة يرعاه الأزهر، مشددا على أهمية تزويده بآليات متكاملة تضمن من خلالها الدولة حسن إنفاق الأموال في المصارف الشرعية للزكاة، ووصول الصدقات لمستحقيها، جاء ذلك خلال استقباله شيخ الأزهر، وشوقي علام مفتي البلاد، وعباس شومان وكيل الأزهر، وأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر، نصر فريد واصل، والأحمدي أبو النور، ومحمد عبد الفضيل القوصي.
وعبر الرئيس عن تطلعه لاضطلاع الأزهر الشريف بدوره في نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة وتصويب الخطاب الديني سواء في المساجد أو بالمناهج التعليمية أو على مستوى كافة مؤسسات الدولة، معربا عن دعمه الكامل للأزهر الشريف في الاضطلاع برسالته كاملة.
من جانبه، أبدى شيخ الأزهر استعداده لإيفاد علمائه إلى كافة الدول التي تجد في خطابها الديني الإسلامي حاجة إلى تصويبه، واستعرض جهود قوافل العلماء الدعوية إلى محافظات مصر والخارج لنشر الفكر الإسلامي الوسطي وتصحيح الأفكار والرؤى الدينية المغلوطة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».