الصفقات الباهظة لا تصنع بالضرورة بطولات

رغم أن القول الأخير يبقى للمال فإن الاهتمام بالناشئين يظل الخيار الأمثل لحصد الألقاب

صفقة ضم نيمار أثارت حالة من السخط لدى كثيرين من لاعبي سان جيرمان (أ.ف.ب)
صفقة ضم نيمار أثارت حالة من السخط لدى كثيرين من لاعبي سان جيرمان (أ.ف.ب)
TT

الصفقات الباهظة لا تصنع بالضرورة بطولات

صفقة ضم نيمار أثارت حالة من السخط لدى كثيرين من لاعبي سان جيرمان (أ.ف.ب)
صفقة ضم نيمار أثارت حالة من السخط لدى كثيرين من لاعبي سان جيرمان (أ.ف.ب)

إذا كنت واحداً ممن رابطوا أمام شاشات التلفزيون أو بجوار الراديو، أو حرصوا على متابعة شبكات التواصل الاجتماعي لمتابعة آخر المستجدات خلال اليوم الأخير من موسم الانتقالات الشتوية الأخير، فلا بد أنك وجدت صعوبة في الهروب من الضجة الكبرى والضوضاء العارمة التي أثارتها الصفقات الضخمة.
في الحقيقة، حتى اللاعبون والمدربون ومسؤولو الأندية أنفسهم تعذر عليهم الفكاك من حالة الإثارة التي غلفت الأجواء. ومع هذا، فإنني لا أزال مؤمناً بأن أنظارنا في خضم هذه الدوامة تتشتت بعيداً عما هو مهم حقاً في عالم كرة القدم.
واللافت أن المدرب الأسطوري للفريق الأميركي نيو إنغلاند باتريوتس، بيل بيليتشيك، الذي لا يمكن لأحد اتهامه بالافتقار إلى التركيز أو رجاحة الفكر، رفع شعار «تجاهلوا الضوضاء» على نحو جعله مرادفاً لاسمه. وحرص المدرب على نشر هذه العبارة بمختلف أرجاء ملعب التدريب والاستاد؛ بل وغرف الخزانات الصغيرة.
جدير بالذكر هنا أن الأحد قبل الماضي أحرز فيلادلفيا إيغلز لقب دوري كرة القدم الأميركية للمرة الأولى، بعد فوزه في النهائي 41 - 33 على نيو إنغلاند باتريوتس حامل اللقب. وسبق أن خسر إيغلز في النهائي عامي 1981 و2005، وجاء فوزه باللقب على عكس التوقعات، بعد إصابة كارسون وينتز أهم لاعبي الفريق في ديسمبر (كانون الأول).
وكانت كل التوقعات تشير إلى أن بيليتشيك واللاعب توم برادي سيكتبان فصلا جديدا في قصتهما الأسطورية تحت مظلة الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، عندما يواجهان فيلادلفيا إيغلز في المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية. وتعتبر الشراكة القائمة بين المدرب بيليتشيك واللاعب برادي الأنجح على الإطلاق في تاريخ الرياضة. وتحمل علاقة العمل بينهما كثيراً من الدروس التي بمقدورنا نحن اللاعبين والمدربين والمشجعين الاستفادة منها وتطبيقها على أسلوب تفكيرنا، فيما يتعلق برؤيتهما لعالم كرة القدم؛ خاصة ما يرتبط بضم اللاعبين الجدد والحرص على عدم الوقوع تحت تأثير ضغوط خارجية، مع العمل على إبقاء الذهن منصباً على العناصر الأهم في الرياضة: كيفية التأثير بفاعلية على ما يدور داخل الملعب.
في الواقع، تجاهل الضوضاء شعار يذكر جميع من يعملون تحت مظلة مؤسسة بعينها على ضرورة التركيز على العناصر الجوهرية، وتحسين العناصر الأساسية من يوم لآخر، من أجل تحقيق نجاح متناغم طويل الأمد، والعمل بكل وسيلة ممكنة على تجنب تشتت الانتباه نحو أمور هامشية.
في الواقع، يعتبر بيليتشيك بمثابة المكافئ في دوري كرة القدم الأميركية لمدرب مانشستر يونايتد السابق سير أليكس فيرغسون، على مستوى الدوري الإنجليزي الممتاز، ذلك أنه شخص قادر على بناء سجل إنجازاته يوماً بعد آخر في هدوء وتأنٍ دونما جلبة، وتحقيق نجاح متسق على المدى الطويل، والذي بلغ ذروته في حالة بيليتشيك في مشاركته للمرة الثامنة في نهائي دوري كرة القدم الأميركية، وهو المعدل الأعلى لأي مدرب في تاريخ البطولة.
ومن المعروف عن فيرغسون أن رد فعله بعد الفوز ببطولات كبرى هو إخبار لاعبيه في اليوم التالي بأنه ينبغي لهم نسيان الميداليات التي اقتنصوها والاحتفالات التي جرت بالأمس، والتركيز على التحدي القادم. داخل مانشستر يونايتد، نجح فيرغسون في بناء إرث تمثل العنصر الأبرز فيه في تمكن فيرغسون من العثور على وتطوير مهارات وتدريب ما عرف باسم «كلاس 92»، وهم مجموعة من اللاعبين الناشئين الذين لم يكن أحد قد سمع بهم من قبل، وتحويلهم إلى نجوم من الطراز الأول.
وكان هذا ما فعله برادي، الذي يعتبر اليوم النجم الأول دونما منازع في دوري كرة القدم الأميركية، عندما كان لاعباً غير معروف في بداية انضمامه إلى نيو إنغلاند. ويشكل برادي نموذجاً رائعاً للاعب القادر على الاضطلاع بجميع المهام الصعبة وغير المستساغة، فهو قادر على تحسين مستواه الفني خلال التدريب، ومتابعة ودراسة المباريات المسجلة تلفزيونياً، وممارسة تدريبات اللياقة البدنية، ويعتبر دليلاً على أن هذا يمثل السبيل الأمثل لضمان مستوى متسق من الأداء في أي مجال رياضي، وليس حجم الأموال التي يجري إنفاقها على الصفقات الكبرى.
كلما شاهدت عناصر من المباريات يجري تحليلها ومناقشتها والتعليق عليها من جانب الإعلام، خاصة الضجة المتزايدة باستمرار، والاهتمام التحليلي المفرط بموسم الانتقالات، تلح علي التساؤلات حول كيف أننا ننسى في غمرة كل هذا العنصر الأهم تأثيراً على نتائج المباريات. وفي خضم الأموال الضخمة المتدفقة على اللعبة، والمبالغ الهائلة التي يجري الحديث عنها في إطار صفقات انتقالات اللاعبين وأجورهم، يبدو أن ثمة ضغوطاً متنامية على الأندية لإظهار طموحها، الأمر الذي يبدو أنه لم يعد من الممكن التنبؤ به سوى من خلال متابعة حجم المبالغ التي تنفقها الأندية على صفقات ضم لاعبين نجوم، مع الحرص على تقديم اللاعب الجديد على نحو مبهر عبر الحسابات الرسمية بشبكات التواصل الاجتماعي، أو فيديوهات مصممة ببراعة يجري عرضها على المواقع الإلكترونية للأندية.
من جانبي، أدرك تماماً حاجة كل نادٍ لتحسين مهارات أفراد الفرق المنتمية له، وأتفهم الإثارة التي تحيط الإعلان عن صفقة ضم لاعب جديد يبعث بأمل جديد في أن يكون انضمامه بداية لانطلاق الفريق نحو مستوى جديد من النجاح؛ إلا أن الجوانب الأخرى الأقل إبهاراً ولفتاً للأنظار من رياضتنا، التي تتعلق بما يجري داخل ملاعب التدريب، وصالة الألعاب الرياضية، وقاعات تحليل المباريات، هي التي تخلق الاختلاف الحقيقي بين الفوز والخسارة أسبوعاً بعد آخر.
في الواقع، بمقدورك تحطيم الأرقام القياسية عبر دفع مبلغ هائل لأحد اللاعبين، أو دفع أعلى راتب في تاريخ الرياضة لآخر؛ لكن تظل الحقيقة أنه إذا لم تضطلع بالأمور على النحو الصائب على مستوى القاعدة الأساسية، فإنك ستواجه حينئذ صعوبة حقيقية في إحراز النجاح. وفي بعض الأحيان، قد تترك الضجة التي تثيرها صفقة كبرى تأثيراً سلبياً على باقي أفراد الفريق، ويمكن النظر إلى حالة السخط التي عمت لاعبي فريق باريس سان جيرمان، في أعقاب الإعلان عن صفقة ضم نيمار، كنموذج على ذلك.
داخل هال سيتي، حققنا نجاحات طيبة خلال بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي عام 2014، وتمكن فريقنا الصغير البعيد عن دائرة الضوء في الوصول للدور النهائي لمواجهة آرسنال. وفي الوقت الذي أثار فيه وصولنا ويمبلدون ضجة كبرى وحالة من الهستيريا، حرصنا نحن اللاعبين على إبقاء تركيزنا منصباً على تحسين مستوى الهجوم من الكرات الثابتة خلال التدريبات؛ لأننا شعرنا أن خصمنا ربما يعاني نقطة ضعف تتعلق بالكرات الثابتة. وبالفعل، نجحنا في تسجيل هدفين من كرتين ثابتتين، وأثبتنا أننا خصم لا يستهان به أمام آرسنال.
بالمثل، من المؤكد أن بيليتشيك وبرادي اتخذا استعدادات خاصة للمواجهة المرتقبة لنهائي الدوري الأميركي لكرة القدم، ورغم كل الضوضاء التي أحاطت بالمباراة باعتبارها الحدث الرياضي الأعظم على وجه الأرض، فإنني على ثقة من أن الرجلين كانا في حالة هدوء تام خلال المباراة، وسيحرصان على تجاهل الضوضاء.
أمام التضخم غير المسبوق في صفقات انتقال اللاعبين، تطرح هيئات مثل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وخبراء اقتصاديون إجراءات تنظيمية للحفاظ على «توازن تنافسي» بين الأندية، مثل وضع «سقف» للأجور أو «ضرائب» على الفرق التي تفرط في الإنفاق. فقد كشف تقرير للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، أن الأندية أنفقت 6.37 مليار دولار (5.1 مليار يورو) في سوق الانتقالات عام 2017، أي أكثر بـ32.7 في المائة مما أنفقته في عام 2016. السبب؟ «التأثير المضاعف» للانتقالات الخيالية لبعض النجوم، كالبرازيلي نيمار الذي أصبح في صيف 2017 الأغلى تاريخياً، بانتقاله من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي مقابل 222 مليون يورو، علما بأن أكثر من 80 في المائة من الانتقالات تتم دون بدل مالي (انتقالات حرة).
صدر تقرير «فيفا» عشية إقفال باب الانتقالات الشتوية يناير (كانون الثاني) 2018، وهو لا يأخذ في الاعتبار هذه الفترة التي شهدت صفقات ضخمة: انتقال البرازيلي فيليبي كوتينيو من ليفربول الإنجليزي إلى برشلونة (صفقة قد تصل قيمتها إلى 160 مليون يورو)، والهولندي فيرجيل فان دايك إلى ليفربول من ساوثمبتون (84 مليون يورو، أغلى مدافع في التاريخ)... مع هذه الصفقات، تبدو سنة 2018 متجهة إلى تحطيم الرقم القياسي.



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».