لم يتغير شيء على حياة مريم بعد خروجها من سجن عدرا وانتقالها إلى بلدة عرسال في لبنان. فقد كتب عليها «الشقاء والبؤس» كما تقول، وهي تتقبل التعازي بوفاة ابن شقيقها الذي قتل في حلب، فقد تركت بلدتها الجراجير في القلمون في العام 2014 بعد أن سجنت أكثر من شهرين في سجن عدرا، وتخشى اليوم العودة نظرا إلى أن قوات أمن النظام هددتها بالقول: «هذه المرة تم توقيفك لدى الأمن السياسي أما في المرة المقبلة فسنحاسبك بدعوى تمويل الإرهاب».
عائلة مريم، سبقتها إلى عرسال في العام 2012 هرباً من العمليات العسكرية في بلدة الجراجير في القلمون. سلكت العائلة طريق الجرد بعد اشتداد عمليات القصف على الجراجير عام 2012، وبعد مخاوف من أن يصبح زوجها محمد درّة (50 عاماً) حارس البئر الارتوازي، ضحية وشاية بعد مقتل اثنين من زملائه في المصلحة بظروف غامضة، فترك عمله واصطحب معه قسماً من أفراد العائلة إلى عرسال، قاطعا مسافة تتخطى الثلاثين كيلومتراً عبر طرقات ترابية وعرة، بينما بقيت مريم مع ابنتيها عزيزة (22 عاماً) ومرام (20 عاماً) التي تعاني من مشكلة صحية دائمة، أشبه بحراس للمنزل.
تقول مريم: «قتل شقيقي مروان مهندس الآثار وتحول إلى أشلاء جراء سقوط قذيفة على منزله في الجراجير إبان اشتداد المعارك، وسقط منزل شقيقي الآخر الذي يعمل طبيباً، وهو الآن في عرسال ويخشى العودة إلى سوريا ليكون مصيره الاعتقال».
تتلقى مريم التعازي بوفاة ابن شقيقها الذي نقلت جثته إلى الجراجير بعد 24 يوما من مقتله أثناء مشاركته في معارك إلى جانب النظام، بعد أن اقتيد للقتال إلى جانب قوات النظام، أسوة بالعشرات من السجناء السابقين. وتقول: إنها لا تعرف الجهة المسؤولة عن مقتل ابن شقيقها الذي كان قد ألقي القبض عليه بتهمة تجارة أسلحة مع شقيقه حسن ووالدهما محمد في جبل حسيّة، وأدخلوا جميعاً إلى سجن فرع الأمن العسكري بدمشق آنذاك، قبل تنظيف سجله وخروجه للقتال إلى جانب جيش النظام.
تسكن مريم اليوم في منزل مؤلف من غرفتين تستخدمان كمطبخ وغرفة نوم وجلوس، كانتا تابعتين لإحدى مزارع الدجاج. غطت سقف المنزل بالنايلون خشية تسرب المطر إلى الداخل. وتقول: «كل ما حصل أمامي جعلني أعيش القلق والخوف وقد انتقلت من الأسى إلى الفقر والذعر والارتباك»، لافتة إلى أن «هذا الواقع دفعني للإكثار من اتصالاتي الهاتفية بكل الاتجاهات حين كنت في الجراجير، بهدف الاطمئنان على أبنائي وزوجي في لبنان وعلى أشقائي الموزعين بين الموت والسجون في سوريا، وعلى شقيقي محمد الذي اختطف في الجرد، كما كنت أتصل بالمستشفيات».
تلك الاتصالات، دفعت قوات النظام لاعتقالها. تقول: «لفقوا لي تقريرا بأني أجري اتصالات مع المعارضة وعلى هذا الأساس تم توقيفي ونقلت إلى سجن عدرا للنساء، تاركة خلفي ابنتين بعهدة جدتهما»، مضيفة: «كلفت عملية سجني سبعة آلاف دولار كلفة أتعاب المحامي الذي لم يحضر أي جلسة بما فيها جلسة التحقيق اليتيمة التي جرى استجوابي فيها». وتتابع: «لم أر المحامي طيلة الفترة التي قضيتها بالسجن منذ 2 أغسطس (آب) حتى تاريخ الإفراج عني في 14 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه».
يوم الإفراج عنها من السجن، زارت مريم ابنها في سجن عدرا للرجال وهو الذي أوقف بتهمة الإرهاب في يونيو (حزيران) 2011. ولا يزال سجيناً حتى الآن. وتضيف: «لم أستطع البقاء في الجراجير أكثر من 20 يوماً بسبب التهديدات والتقارير من المتعاونين مع النظام، وبسبب قلقي على عائلتي في عرسال عندما شهدت المنطقة أحداثاً أمنية في تلك الفترة». وبعد حصولها على قسيمة «كف بحث» تمكنت من الانتقال على الحواجز وعبور الحدود السورية اللبنانية عن طريق المصنع بطريقة شرعية مع ابنتيها مرام المعوقة وعزيزة.
تضيف: «تركت البلدة وأخشى العودة إليها من أن يكون اسمي قد تم تعميمه على الحدود لأنهم هددوني عندما قالوا لي هذه المرة تم توقيفك لدى الأمن السياسي، أما في المرة المقبلة فسنحاسبك بدعوى تمويل الإرهاب».
مريم التي تجيد حياكة الصنارة وأشغال الصوف، تمتهن هذا العمل لتعيل أفراد عائلتها وأولادها العاطلين عن العمل. ما يحزن مريم أنها عاشت غربتين، «غربة الملاحقة في بلدي وغربة الفقر في عرسال، وهي الغربة الأقسى والأصعب»، وتضيف: «تبقى غربة الملاحقة في الوطن أسهل من غربة الفقر والذل التي نعيشها في لبنان».
قصة سجينة سورية في عرسال: هددوني بتلفيق دعوى تمويل الإرهاب
أخرجتها معارك القلمون وتخشى اعتقالها على الحدود عند العودة

مريم السورية تغزل الصوف في عرسال لإعالة عائلتها («الشرق الأوسط»)
قصة سجينة سورية في عرسال: هددوني بتلفيق دعوى تمويل الإرهاب

مريم السورية تغزل الصوف في عرسال لإعالة عائلتها («الشرق الأوسط»)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة