تضارب توقعات العراقيين من مؤتمر المانحين

TT

تضارب توقعات العراقيين من مؤتمر المانحين

في الوقت الذي حدد فيه العراق احتياجاته المالية لإعادة إعمار بنيته التحتية التي دمرتها الحرب على تنظيم داعش، بما يزيد على 88 مليار دولار عراقي، فإن التوقعات والآمال تضاربت في العراق بشأن السقف الأعلى الذي يمكن للعراق الحصول عليه من مؤتمر الكويت.
وعد مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مؤتمر الكويت فرصة لتأكيد التزام المجتمع الدولي تجاه دعم العراق، فيما أكد مقرب منه أن هناك من يحاول استهدافه من خلال تصور نتائج مسبقة للمؤتمر. وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء، سعد الحديثي، في تصريحات أمس، إن المؤتمر «يعد فرصة أساسية لتأكيد التزام المجتمع الدولي تجاه دعم العراق، بعد تحقيق النصر على الإرهاب وتفعيلاً لشراكة دول العالم مع العراق من أجل تنفيذ الالتزامات المحققة للمصالح المشتركة». وأضاف الحديثي أن «العراق سيطرح رؤية تفصيلية بصدد إعادة الإعمار، متضمنة ثلاثة أجزاء، هي حجم الدمار الذي حصل في العراق، وبرنامج البناء والتأهيل، والمبالغ المقدرة له والمتطلبات اللوجستية اللازمة لذلك، ‏بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية المتاحة في العراق في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة والنقل والسكن والصحة والتربية، والقطاعات الخدمية الأخرى».
لكن الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي والمقرب من العبادي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مؤتمر الكويت يعد بكل المعايير نقلة نوعية في طريقة تعامل الدول والشركات مع العراق، وبالذات مع حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وذلك لجهة توفير التزام من قبل المجتمع الدولي حيال ما قام به العراق من دور محوري في القضاء على الإرهاب؛ حيث جاء الآن دور هذا المجتمع لتقديم ما عليه من التزام». وأضاف الشمري أن «العراق حدد رؤيته خلال هذا المؤتمر بمسارين: الأول هو الحصول على أكبر كمية من الدعم المالي لإعادة الإعمار والتنمية كشرط للاستقرار المجتمعي والتنمية، والثاني هو فتح فرص ومجالات الاستثمار؛ حيث هناك مئات الشركات التي عبرت عن رغبتها في الاستثمار بالعراق في مختلف القطاعات»، مبينا أن «كثيراً من المشروعات تحتاج إلى فترة طويلة، سواء من حيث التمويل والإنجاز، وبالتالي فإن الأموال التي من المتوقع الحصول عليها وكذلك فرص الاستثمار لن تكون سريعة أو وشيكة، مثلما يتوقع كثيرون».
وردا على سؤل بشأن من يقول إن الحكومة العراقية على عهد العبادي لم تتمكن من محاربة الفساد، وبالتالي يصعب توقع الحصول على دعم دولي كافي، قال الشمري إن «هذا الكلام الذي يريده بالفعل البعض ممن خسروا أوضاعهم، لو كان صحيحاً لما شهدنا قدوم كل هذه الدول والشركات إلى الكويت للمساهمة في إعادة إعمار العراق أو الاستثمار؛ لكن من يقول ذلك أهدافه معروفة، وهي استهداف العبادي الذي نجح في كل الملفات الصعبة التي واجهها خلال السنوات الأربع الماضية من سنوات حكمه، وهي الأصعب في تاريخ العراق».
لكن القيادي السني البارز ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، قال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «رغم حجم الدمار الهائل الذي تعانيه محافظاتنا الغربية، وفي المقدمة منها نينوى التي حظيت بالنسبة الأكبر من الدمار، فإننا لا نتوقع الكثير من المجتمع الدولي؛ لأن الخلل ليس في هذا المجتمع؛ بل فينا نحن بسبب سوء السياسات والتدبير». وأضاف النجيفي أن «العراق يمكن أن يحصل على وعود فقط، مثلما حصل في مؤتمر باريس الماضي؛ حيث كل ما قيل من دعم زاد عن الملياري دولار لا يزال وعوداً، بسبب مشكلات الفساد المالي والإداري؛ فضلاً عن عدم وجود توافق على كل شيء، والدليل على ذلك الموازنة العامة للدولة التي لم يتمكن البرلمان من إقرارها بسبب الخلافات السياسية، وهو ما سوف ينعكس على رؤية المجتمع الدولي لنا».
وكان وزير الخارجية الفرنسي قد بحث في بغداد أمس، سبل الدعم الذي يمكن أن يحظى به العراق؛ سواء من قبل فرنسا أم المجتمع الدولي. وقال بيان لوزارة الخارجية العراقية تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن وزير الخارجية «إبراهيم الجعفري، بحث مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، العلاقات الثنائية بين بغداد وباريس وسبل تعزيزها، بما يحقق مصالح البلدين الصديقين، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية مشاركة فرنسا في إعادة إعمار البنى التحتية للمدن العراقية». وأضاف البيان أن وزير خارجية فرنسا أكد من جانبه استعداد بلاده لاستكمال اتفاقية التعاون التي طرحت سابقاً في إطار فتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات الثنائية، و«ملتزمون بمشروع بناء جامعة الموصل»؛ كاشفاً عن زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى بغداد خلال الفترة المقبلة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.