استبقت مصادر فرنسية رسمية جولة المفاوضات الرابعة بين إيران ومجموعة الست «الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا» التي ستنطلق في فيينا يوم الاثنين المقبل وتستمر حتى يوم الجمعة اللاحق للتشديد على مجموعة من المواقف التي ترى باريس أن التمسك بها «ضروري من أجل ضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني ولتوفير الضمانات الكافية لذلك».
بداية، تؤكد باريس أنها «لا تريد اتفاقا أيا يكن ومهما كانت شروطه»، لا بل إنها «تفضل عدم التوصل إلى اتفاق على التوصل إلى اتفاق غير مرضٍ ولا يوفر الضمانات المطلقة» التي تطلبها الأسرة الدولية على رأسها مجموعة الست بشأن سلمية البرنامج الإيراني وعدم قدرة إيران على استخدامه من أجل امتلاك السلاح النووي. ومن هذا المنظور، لا تبدو المهلة المقررة لإنجاز الاتفاق الموعود التي تنتهي، بموجب الاتفاق المرحلي المبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، يوم 20 يوليو (تموز) «بالغة الأهمية»، خصوصا أنه لحظ إمكانية تمديدها ستة أشهر إضافية.
وتعد المصادر الفرنسية التي تواكب المفاوضات مع إيران، أنها «لا تستطيع اليوم»، وأن تجزم بإمكانية إنجاز الاتفاق أم لا بالنظر للمفاوضات «المعقدة والشاقة» ولكمية المسائل التي ما زالت معلقة. وينطلق المفاوضون من مبدأ أنه «لا اتفاق حول أي مسألة ما لم يجر التوصل إلى اتفاق حول كل المسائل»، مما يعني عمليا أنه يكفي الخلاف على جزئية واحدة حتى يبقى الاتفاق معلقا. والحال أن المشكلة اليوم «لا تتعلق بجزئيات ولكن بمسائل خلافية أساسية» ما زالت مواقف الطرفين متباعدة بشأنها. وتشمل الخلافات موضوع حق إيران في تخصيب اليورانيوم والكميات التي ستخصبها ومصير مفاعل أراك المعد لإنتاج البلوتونيوم وتدابير الرقابة ورفع العقوبات ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 0 في المائة، فضلا عن الجوانب العسكرية والباليستية من البرنامج الإيراني.
بيد أن المشكلة «الأساسية» التي ما زالت تعوق التقدم، وفق باريس، فإنها «غياب الثقة» بين الطرفين رغم «الأجواء الجدية» التي سادت مفاوضات الجولات الثلاث المنقضية والتي أظهرت أن طهران «تريد فعلا التوصل إلى اتفاق وليس فقط كسب الوقت». ويريد الغربيون، كما تؤكد المصادر الفرنسية، أن تتوفر لهم «الضمانات المطلقة» بشأن كل مكون من مكونات البرنامج الإيراني بأن إيران «لا يمكن أن تحصل على القنبلة النووية»، الأمر الذي يفترض أن تقدم طهران «تنازلات حقيقية» قياسا لمواقفها الحالية.
ويراهن الغربيون على وحدة الموقف بين الدول الست رغم التوترات القائمة مع روسيا بشأن أوكرانيا ومعها ومع الصين بشأن سوريا. وبدت المصادر الفرنسية «مطمئنة» لكون الست يعملون «بشفافية» ويتبادلون المعلومات بشأن الاجتماعات الثنائية التي جرت مع الطرف الإيراني وأهمها اجتماع يومي الاثنين والثلاثاء في جنيف بين الممثلين عن واشنطن وطهران.
ويشكل ملف تخصيب اليورانيوم العقبة الكأداء التي تعوق تحقيق تقدم حاسم «بسبب الهوة التي تفصل بين مواقف الطرفين». ويعني هذا الملف عمليا ثلاثة أمور: كمية الطاردات المركزية التي سيسمح لإيران الاحتفاظ بها، نسبة تخصيب اليورانيوم المتاحة لها وأخيرا نوعية الطاردات التي ستبقى لإيران «من الجيل الأول أو من الجيل الثاني»، علما بأن الطاردات الأخيرة هي الوحيدة التي تمكن طهران من رفع مستوى التخصيب إلى 20 في المائة. وبرأي الخبراء الغربيين، فإن نجاح إيران بالوصل إلى التخصيب بنسبة 20 في المائة يعني عمليا أنها قطعت 75 في المائة من المسافة التي تمكنها من التخصيب بنسبة 90 في المائة وهي النسبة الضرورية لليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه في تصنيع القنبلة النووية. وتريد إيران التي تملك حاليا أقل من 20 ألف طاردة مركزية الاحتفاظ بـ«عدة آلاف»، منها تلبية لحاجاتها الطبية والزراعية ولضرورة البحث، بينما الست يرون أن ما تطلبه يتخطى بأضعاف حاجاتها. ويعد الغربيون أنهم «قدموا تنازلا» لإيران لأنهم قبلوا أن تحتفظ بقدرات تخصيبية «لا تنص عليها بنود معاهدة منع انتشار السلاح النووي».
وواضح أن الست مستمرون بالتمسك بمنح إيران قدرات تخصيبية ضعيفة لأن ذلك يعني إطالة المدة التي تحتاجها لإنتاج ما يلزم من اليورانيوم عالي التخصيب في حال سعت لإنتاج السلاح النووي. وتتداخل هذه المسألة الأساسية مع موضوع البرنامج الباليستي الإيراني والتجارب والأبحاث السابقة التي أجرتها إيران والتي تدل على رغبة لعسكرة برنامجها الذي تؤكد أنه سلمي الطابع. ووصفت المصادر الفرنسية هذا الجانب بأنه «الأضعف» في المفاوضات مع إيران التي لم تستجب حتى الآن لطلبات الوكالة الدولية للطاقة النووية. ولذا، فإن الست يربطون بين الاتفاق وبين حسم المواضيع العالقة بين طهران والوكالة الدولية بشأن البعد العسكري كما أنهم يطلبون من طهران التصديق على البروتوكول الإضافي الذي يعطي الوكالة حق إجراء عمليات تفتيش غير معلن عنها.
ولا يزال الغربيون ورغم التغير في الأجواء التفاوضية يعدون أن سلاح العقوبات هو الأمضى وهو الذي دفع إيران إلى تغيير مواقفها وسياستها وهو الذي سيحثها على السعي لاتفاق نهائي إذا أرادت أن ترفع عنها العقوبات المالية والاقتصادية التي فرضها الغربيون والتي تصيب الاقتصاد الإيراني في الصميم.