سكان دمشق يميزون قصف إسرائيل عن أصوات القصف المحلي

الإسرائيلي يأتي فجراً... ولا تعقبه أصوات سيارات إسعاف

محلات عرضت تنزيلات على سلعها بمناسبة الرد على الغارة الإسرائيلية أول من أمس (دمشق الآن)
محلات عرضت تنزيلات على سلعها بمناسبة الرد على الغارة الإسرائيلية أول من أمس (دمشق الآن)
TT

سكان دمشق يميزون قصف إسرائيل عن أصوات القصف المحلي

محلات عرضت تنزيلات على سلعها بمناسبة الرد على الغارة الإسرائيلية أول من أمس (دمشق الآن)
محلات عرضت تنزيلات على سلعها بمناسبة الرد على الغارة الإسرائيلية أول من أمس (دمشق الآن)

كان الوقت فجرا عندما استيقظت العائلة جراء أصوات انفجارات «عميقة» ارتجت على وقعها الأبواب والنوافذ. شيء أشبه بزلزال أو هزة أرضية خفيفة، أحد أفراد العائلة قال وما زال يغالبه النعاس: «إنها ضربة إسرائيلية» لترد الأم: «الله يحمي الشام»، أما ربى الطالبة الجامعية فأنهت المشهد بثقة: «سنحتفظ بحق الرد... لنعد إلى النوم».
هدأ صوت الانفجارات وعاد الجميع إلى النوم وكأن شيئا لم يكن، فصوت القصف اليومي لقوات النظام على مناطق المعارضة بريف دمشق، لم يعد يوقظ سكان العاصمة بعد أن بات «اعتياديا».
هكذا تعبر ربى عن ردود فعل السوريين على القصف الإسرائيلي الذي باتوا يميزون صوته من بين مائة صوت قصف محلي، وتتابع: «نميز القصف الإسرائيلي من اهتزاز الأبواب والنوافذ، فعادة يكون صوت الانفجار مفاجئا وعميقا، أما القصف المحلي فيكون أخف عمقا، لكنه يستمر أكثر لا سيما صواريخ الفيل». مضيفة: «في كثير من الأحيان نسمع صوت انطلاق القذيفة ومن ثم هبوطها، كما نسمع صوت تحليق للطيران، وهذا لا يوجد وقت محدد له فقد يحصل في أي وقت، تماما مثل سقوط القذائف في دمشق، نميزه من تردد الصوت وما يتبعه من أصوات لسيارات الإسعاف، أما القصف الإسرائيلي فغالبا يكون فجرا ويأتي صوته عميقا ومن دون مقدمات أو خواتم، لا أصوات تحليق طيران ولا أبواق سيارات إسعاف».
ويعجز السوريون عن التعبير صراحة عن موقفهم أو مشاعرهم حيال ما تتعرض له بلادهم من ضربات إسرائيلية، فالأمر «مؤلم»، يقول طبيب الأطفال باسل، ويتابع: «إسرائيل عدو وتستغل الفرصة لزيادة إنهاك سوريا وإضعافها، وما يحزّ بالنفس أننا في وضع العاجز تماما، فالجيش الذي بني على عقيدة الحرب مع الكيان الصهيوني منهمك في حروب داخل البلاد».
ومع كل ضربة يشكك السوريون ببيانات النظام العسكرية التي تتحدث عن التصدي للضربات الإسرائيلية، باستثناء المرة الأخيرة يوم السبت، حيث جاء خبر إسقاط الدفاعات الجوية لقوات النظام لطائرة إسرائيلية ليعيد الفرحة إلى الموالين للنظام، إذ تعد هذه الضربة الأولى من نوعها بعد تلقي النظام لأكثر من مائة ضربة إسرائيلية موجعة خلال سبع سنوات. لذا خرج أصحاب بعض المحلات في أسواق وسط دمشق إلى الشوارع لتوزيع الحلوى ابتهاجا بالرد على الضربات الإسرائيلية، وتناقلت الصفحات المؤيدة للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي صور توزيع الحلوى في الشوارع، في حين احتفل الإعلام الرسمي بإسقاط الطائرة الإسرائيلية ببث الأغاني الحماسية العسكرية مرفقة بصور تدريبات قوات النظام، مع تركيز الشريط الإخباري في القنوات التابعة للنظام على أنباء عن حالة «الذعر» التي يعيشها الإسرائيليون من قبيل «أنباء من داخل فلسطين المحتلة بوجود حالات هلع وهروب للمستوطنين وفتح الملاجئ في المستوطنات الإسرائيلية شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة». إلى جانب عبارات مثل «إسقاط الطائرة يعكس حالة الثقة التي تشعر بها دمشق».
ولم يأت الإعلام الرسمي على ذكر تفاصيل عن الأهداف التي ضربتها إسرائيل على يومين متتاليين، في ريفي دمشق وحمص، مكتفية بنقل تنديد حلفاء النظام بالضربات، مع ربط الغارات الإسرائيلية، بالضربة التي وجهتها قوات التحالف الدولي لقوات النظام في دير الزور. ويشار هنا إلى أن مدينة السلمية في محافظة حماة شهدت السبت تشييع ثلاثين وفاة لعسكريين سوريين قتلوا في ضربة التحالف في دير الزور الأسبوع الماضي. ولم تذكر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية الموالية للنظام عدد القتلى الذين سقطوا في هذه الضربة، إلا أن هذا لم يمنعها من الاحتفال بإسقاط الطائرة الإسرائيلية ونشرت صفحة «دمشق الآن» صوراً قالت إنها لـ«توزيع الحلويات في شوارع دمشق احتفالاً بإسقاط الجيش لطائرة معادية»، في الوقت الذي كانت تندلع فيه الحرائق في محيط ساحة الأمويين حيث تقع هيئة الأركان العامة، وغطى سماء دمشق دخان أسود كثيف. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في قيادة شرطة دمشق قوله إن «قذيفة صاروخية أطلقتها المجموعات المسلحة المنتشرة في الغوطة الشرقية سقطت في محيط ساحة الأمويين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.