غضب في الشارع العراقي على سجن ناشط حارب الفساد

قيادي مدني: نخشى نزعة استبداد جديدة

TT

غضب في الشارع العراقي على سجن ناشط حارب الفساد

أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق إرسالها وفدا مؤلفاً من عددٍ من أعضاء مجلس المفوضين إلى محافظة المثنى لمعرفة حيثيات وتداعيات حكم بالسجن ست سنوات صدر قبل أيام بحق الناشط المدني الذي يحمل الجنسية الأميركية باسم خزعل خشان بعد إدانته بالتشهير بمؤسسات الدولة في سياق حملته ضد الفساد.
وقالت المفوضية في بيان أمس إن «الوفد سيبحث أسباب الاعتداءات من قبل القوات الأمنية على المتظاهرين السلميين أثناء الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها منظمات المجتمع المدني والناشطين وعدد من المواطنين أمام رئاسة محكمة استئناف المثنى الأربعاء الماضي واستخدامها للقوة المفرطة ضدهم واعتقالها لعدد منهم وكذلك الاعتداء على وسائل الإعلام التي حضرت لتغطية الوقفة الاحتجاجية» على حكم السجن الصادر بحق خشان.
وعبّرت الأوساط المدنية والسياسية العراقية عن صدمتها حيال الحكم. وقال القيادي البارز في التيار المدني وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلفي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: إنه «إذا كانت تهمة باسم خشان هي التشهير بمؤسسات الدولة مثلما هو الدليل الذي استندت عليه المحكمة في إصدارها هذا الحكم فإن الأولى أن يزج كل سياسيي العراق في السجون لأنهم أكثر من شهر بمؤسسات الدولة حين تتعارض مصلحته معها، فضلاً عن تشهيرهم ببعضهم بعضاً، ولا سيما أثناء الحملات الانتخابية».
ويضيف الحلفي أن «من بين كبار السياسيين من وصف المنصب الرفيع الذي يحتله بأنه مثل الحذاء، ومنهم من قال إننا جميعنا فشلنا، ومنهم من اتهم كل الطبقة السياسية بالفساد، وهناك من طالب برفع الحصانة عنه لكي يكشف ملفات الفساد». وتابع أن «الخطورة في سجن هذا الناشط المدني الذي أقام الكثير من الدعاوى ضد الفاسدين وكسب الكثير منها هي أن العقوبة تؤسس لنزعة استبداد جديدة بالضد مما فصله الدستور في الباب الثاني بشأن حرية التعبير التي من دونها لن يبقى لنا شيء في العراق بعد أن أخذ الفاسدون والفاشلون كل شيء، وهم اليوم يحاولون أخذ حرية الكلام منا». وكشف الحلفي عن أن «هناك ما هو أخطر، حيث تمت تصفية بعض المدنيين ممن باتوا يشكلون خطراً على مافيات الفساد ومن يقف خلفها».
وكان تحالف «سائرون»، الذي يضم عدداً من القوى السياسية، من أبرزها حزب الاستقامة الذي يحظى برعاية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والحزب الشيوعي العراقي، والتجمع الجمهوري العراقي، وحزب الدولة والعدالة، عبّر عن صدمته للحكم الصادر بحق الناشط خشان. وقال التحالف في بيان إن «الحيثيات التي استند إليها الحكم ليست مقنعة للرأي العام وللجماهير العراقية التي تطالب منذ سنوات بالتغيير والإصلاح ومحاربة وفضح الفاسدين الذين أعاقوا مسيرة الدولة وجعلوها تقف على أبواب الدول والجهات المانحة والمقرضة بهدف تمشية الأمور بينما أهدر الفاسدون مئات مليارات الدولارات التي يطالب خشان وسواه ملايين العراقيين باستردادها ومحاسبة من تسبب في هدرها».
في السياق نفسه، أكد الدكتور قحطان الجبوري، الناطق الرسمي باسم التحالف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «أي ممارسات بالضد مما يقوم به المدنيون والناشطون المحاربون للفساد تعد مؤشرات خطيرة على مستقبل حرية التعبير التي ضمنها الدستور العراقي، وهو أمر يجعلنا نقف بقوة ضد هذه الأساليب التي تعطي رسالة خاطئة عن إمكانية بناء تجربة ديمقراطية تستند إلى الرأي والرأي الآخر». وطالب الجبوري بإعادة «النظر في هذا الحكم الظالم وإطلاق سراحه بأسرع وقت؛ حفاظاً على المسار الديمقراطي في البلاد، ولا سيما أن خشان وغيره من المحاربين ضد الفساد يجب أن ينظر إليهم بوصفهم حماة للمال العام لا أن يتم إيداعهم السجون بسَوق تهم لا تستند إلى حيثيات حقيقية». في السياق نفسه، أكدت شروق العبايجي، عضو البرلمان العراقي عن التيار المدني، أنه «بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية والغضب الجماهيري بسبب حبس باسم خشان بتهم مس هيبة الدولة بسبب القضايا التي رفعها على بعض المسؤولين في محافظة المثنى مستنداً إلى القوانين النافذة وتقارير ديوان الرقابة المالية، ظهر بعضهم محاولا تشويه صورة خشان مثل الادعاء بأنه ليس ناشطاً مدنياً، بل سياسي بدليل أنه قد رشح للانتخابات، متجاهلين أن الناشط المدني لا يتعارض مع السياسي في الدفاع عن مصالح البلد والمواطنين والاختلاف هو بالأدوات والوسائل فقط».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».