موسكو تقف في الوسط وتدعو إلى «ضبط النفس»

جنود إسرائيليون يتخذون مواقهم على الحدود السورية (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يتخذون مواقهم على الحدود السورية (إ.ب.أ)
TT

موسكو تقف في الوسط وتدعو إلى «ضبط النفس»

جنود إسرائيليون يتخذون مواقهم على الحدود السورية (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يتخذون مواقهم على الحدود السورية (إ.ب.أ)

أعربت موسكو عن قلق من تدهور الموقف حول سوريا بعد الضربات الجوية الإسرائيلية، ودعت الأطراف إلى «ضبط النفس ومنع تفاقم الموقف، وخصوصاً في مناطق خفض التوتر».
وحمل التعليق الروسي الأول على التطورات المتسارعة بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية والضربات المكثفة، التي استهدفت مواقع ومنشآت عسكرية في سوريا، لهجة محذرة تجنبت انتقاد أحد الطرفين السوري أو الإسرائيلي بشكل مباشر، لكنها وجّهت رسائل واضحة إلى تل أبيب بضرورة منع الانزلاق نحو مواجهة واسعة عبر التأكيد على أنه «لن يكون مقبولاً تعريض حياة الجنود والمستشارين الروس إلى خطر». كما تضمنت رسالة إلى الحكومة السورية وحلفائها بضرورة عدم القيام بخطوات من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التدهور.
بيان الخارجية الروسية كان حذراً، وتعمد مخاطبة كل الأطراف بشكل متوازٍ. ومع الإشارة إلى ضرورة احترام سيادة سوريا، فإن التنبيه إلى خطورة تعريض حياة العسكريين الروس للخطر، حمل إشارة واضحة إلى تل أبيب بأن موسكو لا ترغب في توسيع العمليات العسكرية، وأن تطاول منشآت أو مواقع قد ينتشر فيها خبراء ومستشارون روس. لكن الأهم في البيان الإشارة مرتين إلى القلق من تفاقم التوتر في مناطق وقف التصعيد.
وهي عكست مباشرة جوهر القلق الروسي؛ لأن مفاقمة التوتر بشكل يهدد الجهد الروسي الذي بذل على مدى سنة كاملة لتثبيت خرائط هذه المناطق، يشكل ضربة قوية لموسكو. كما أن ثمة مخاوف من مساعٍ إسرائيلية إلى استغلال حادثة إسقاط الطائرة لتوسيع نشاطها العسكري، ومحاولة فرض فكرة «الشريط الأمن» في المنطقة الجنوبية السورية، بعدما فشلت حتى الآن في فرضها عبر الحوار مع الجانب الروسي.
وهذه الفكرة تحديداً عبّر عنها بوضوح أمس، السفير الإسرائيلي لدى موسكو هاري كورين الذي أقام منذ ساعات الصباح الأولى خطاً ساخناً مع الخارجية الروسية لمتابعة تطورات الموقف مع الروس. وأكد على ضرورة تعزيز التنسيق مع روسيا عسكرياً وسياسياً لوقف التصعيد في المنطقة، مؤكداً أن بلاده «سوف تواصل العمل لعرقلة الخطط العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية ولبنان التي تستهدف إسرائيل». وأوضح أن «النظام الإيراني بالتعاون مع شركائه مسلح بشكل جيد جداً. وإذ يعد لخطط عسكرية جديدة ضدنا فلا يمكننا إلا أن نواجه الموقف ونحبط هذا الجهد. نحن جاهزون لاتخاذ إجراءات طارئة عند الحاجة. لكننا نأمل ألا نضطر إلى ذلك».
حملت العبارات أوضح إشارات إلى مطالب إسرائيلية محددة موضوعة أمام الجانب الروسي. ووفقاً له، فإن «التصعيد قد يؤدي إلى نتائج خطرة جداً. هذا ما نناقشه مع الجانب الروسي ومن الواضح أن هذه القضية تتطلب تنسيقاً شديداً مع روسيا سياسياً وعسكرياً»، لافتاً إلى أن «تل أبيب تطالب بوقف تواجد القوات الإيرانية وعناصر «حزب الله» والمسلحين الشيعة في المنطقة الجنوبية لخفض التصعيد في سوريا»، معرباً في الوقت ذاته عن قناعة إسرائيلية بأن «روسيا لن تسمح لإيران بنشر قواتها البحرية بالقرب من القواعد الروسية في سوريا في اللاذقية وطرطوس».
لم تحمل عبارات السفير الإسرائيلي جديداً؛ لجهة أن الملفات والمطالب ذاتها، كانت وضعت على طاولة الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نهاية الشهر الماضي إلى موسكو، وملف الوجود الإيراني في سوريا، أضيف إليه عنصر واحد عبر التأكيد على أن تل أبيب لن تسمح لإيران بتطوير قاعدة لإنتاج الصواريخ في لبنان. وهذا مؤشر إلى أن أي تصعيد عسكري في سوريا سوف تطاول نيرانه لبنان هذه المرة بشكل قوي.
نتنياهو طرح الفكرة الإسرائيلية بإقامة شريط أمن في المنطقة الجنوبية يزيد على 30 كيلومتراً، وهو أمر لم تكن موسكو متحمسة له كثيراً؛ لأسباب عدة، بينها غياب التنسيق مع واشنطن؛ ما يضعف أي اتفاقيات يمكن التوصل إليها، خصوصاً أن واشنطن شريك في إقامة المنطقة الجنوبية. أيضاً أن موسكو لا تريد التسرع في أضعاف تحالفاتها حالياً مع إيران التي تشكل قواتها والميليشيات الموالية لها شريكاً ميدانياً أساسياً للروس على الأرض.
وعلى الرغم من أن موسكو حاولت خلال الفترة الماضية المحافظة على التوازن الدقيق الذي أقامته في علاقاتها مع كل من إسرائيل من جانب وإيران من الجانب الآخر، لكن هذا الوضع بات مهدداً أمام إصرار تل أبيب على تنفيذ رؤيتها للمنطقة الآمنة ما يحشر الروس في زاوية اختيار صعبة بين الشريكين.
وهذه النقطة واحدة من المحاور الرئيسية التي سعى سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف إلى إيجاد مخارج لها في نقاشاته مع الجانب الإسرائيلي قبل أسبوع.
وكان لافتاً أن يقوم المسؤول السياسي – الأمني البارز بزيارة تل أبيب بعد مرور يومين فقط على محادثات نتنياهو في موسكو، ولفتت أوساط في موسكو إلى أنه نقل رسائل جوابية على أسئلة طرحت خلال لقاء بوتين – نتنياهو.
اللافت أيضاً، أن نتنياهو تعمد خلال تلك الزيارة التشديد مرة أخرى على «التهديدات المختلفة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها محاولات التموضع الإيراني في سوريا ومساعي طهران لتحويل لبنان إلى قاعدة لإطلاق صواريخ ضد إسرائيل».
وبحسب بيان حكومي إسرائيلي، فإن «الطرفين بحثا إجراءات التنسيق الأمني والتعاون في مكافحة الإرهاب العالمي والتحديات التي يضعها هذا الإرهاب أمام دول العالم في الفترة الراهنة، إضافة إلى العلاقات المتعززة بين روسيا وإسرائيل في مجالات متنوعة عدة».
الواضح، أن موسكو ستحاول ضبط إيقاع التحركات اللاحقة لمنع وقوع تدهور كبير، وهي في الوقت الذي «تعلن تفهمها مصالح إسرائيل الأمنية، لا يمكن أن تسمح بتطور يضرب جهود التهدئة في سوريا» وفقاً لدبلوماسي روسي، لكن المخاوف الأساسية لا تتعلق باحتمال وقوع مواجهة واسعة تبدو موسكو مطمئنة إلى أن كل الأطراف لا تسعى إليها، ما دفع معلقين إلى ترجيح أن يبقى التصعيد الحالي «تحت السيطرة» وأن يكون هدفه خلق أجواء لترتيبات جديدة في المنطقة الجنوبية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».