تشهد أسواق النفط العالمية في الوقت الراهن عددا من التغيرات التحولية، حيث تخيم أجواء من الشكوك على أسواق النفط العالمية، نتيجة لتزايد التكهنات حول تأثير النفط الصخري في ظل استمرار صناعة النفط في أميركا الشمالية في نهضتها غير المتوقعة. في الوقت ذاته، جرى الإعلان عن عدد من الاكتشافات الرئيسة التقليدية وغير التقليدية في أماكن عدة بدءا من غابات الأمازون المطيرة إلى المنطقة القطبية الجنوبية والصحراء الأسترالية. وقد أظهر الموقف السياسي المتطور في الشرق الأوسط أكثر من مرة قدرته على تحريك الأسعار. كما أدت عوامل المخاطر الأخيرة بشكل عام إلى رفع تأمين الخطر، لكن التوقعات بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران كانت سببا في انخفاض أسعار خام برنت بنسبة 2.5 في المائة نظرا للتوقعات باحتمالية طرح مزيد من النفط الإيراني في أسواق النفط العالمي حال توقيع أي اتفاق رسمي.
وعلى الرغم من المخاطر المتوقعة والتقلبات قصيرة الأجل في الأسعار، ظلت أسعار النفط مستقرة بشكل عام في الشهور بل والسنوات الأخيرة. وهذا الواقع يسلط الضوء على حقيقة أن أسواق النفط العالمية لا تزال تتسم بتوازن العرض والطلب متقارب للغاية. وعلى الرغم من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، لا يزال الطلب على النفط آخذا في الارتفاع، ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى اعتماد الأسواق الناشئة على الطاقة بكثافة حيث يتزايد استهلاك الطاقة بشكل كبير، وفي بعض الأحيان تكون بدافع إعانات الطاقة وكذلك إنفاق الطبقة الطموحة كما لم تفعل من قبل واقتناء سيارات أكبر.
في الوقت ذاته، يأتي العرض الجديد في سوق النفط بتكلفة تتزايد بشكل سريع. فالاكتشافات الجديدة، على الرغم من كونها مثيرة للإعجاب من ناحية الكم، فإنها تتميز بتوليفة من العوامل المثبطة إلى حد كبير. ففي كثير من الحالات، ستكون هناك صعوبة في الوصول إلى النفط - كما هو الحال في المنطقة القطبية الشمالية والأمازون أو الحقول النفطية البحرية في جنوب أفريقيا. هذا لن يتوقف عند حد ارتفاع تكلفة الاستخراج وفقط بل في التوزيع أيضا - الذي يرتبط في الأغلب ببنية تحتية جديدة. ومع تواتر سرعة الاكتشافات الجديدة - وخاصة في النفط الصخري - إلا أن الخام الناتج أقل جودة بكثير من الحقول الناضجة. هذه التكلفة العالية لا تتمثل في استخراج النفط وفقط بل إنها تتطلب - وأكثر تكلفة - عمليات معالجة أكثر من ذي قبل. فالفارق بين كمية الطاقة المطلوبة لاستخلاص برميل والطاقة التي تم الحصول عليها ضئيل للغاية. فتكلفة برميل واحد من النفط تكافئ استخراج ثلاثين برميلا من النفط في الحقول التقليدية.
أيضا، تتسم الحقول غير التقليدية بشكوك غير مسبوقة، فالتأثيرات البيئية لعملية التكسير لا تزال مثار جدل لأن هذه الطريقة تنطوي على عدد من علامات الاستفهام بشأن نطاق وطبيعة التلوث الذي يصاحبها. وبغض النظر عن ذلك، تميل الحقول غير التقليدية إلى الاتصاف بأنها تقلص معدلات العائدات وارتفاع معدلات الاستنزاف. ويشهد قطاع التنمية المستقبلية، في الكثير من الدول، تعقيدا بسبب تشريعات الضرائب والملكية.
ومن ثم، فما مدى القلق الذي ينبغي أن يشعر به منتجو أوبك التقليديون في وقت يزداد فيه اعتمادهم على أسعار النفط المرتفعة بصورة لا هوادة فيها؟ فالألواح التكتونية المتحولة لسوق النفط يبدو أنها تضع أشبه ما يكون بسقف زجاجي على أسعار النفط. وتشير أوبك إلى أن الطلب على النفط الخام سينخفض نحو 1.1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2018. من ناحية أخرى، يتوقع أن تعمل اكتشافات النفط الصخري في أميركا الشمالية على استدامة حقبة النفط نتيجة لانخفاض الحاجة الماسة إلى تطوير بدائل.
وبخلاف ذلك، تتحد مصالح الدول الأعضاء في أوبك والدول غير الأعضاء المنتجة للنفط، على نحو يثير الدهشة. وتواجه دول أوبك، في مجلس الإدارة، أسعار نفط تعادلية أكثر ارتفاعا.
ويتزايد الإنفاق الحكومي نتيجة النمو السكاني، ومشاريع البنية التحتية والتنوع الاقتصادي. وعلى الرغم من استفادة بعض كبار أعضاء أوبك من تكلفة الاستخراج المنخفضة للغاية، فإنها بحاجة متزايدة إلى الحفاظ على أسعار النفط عند 100 دولار للبرميل أو أكثر للحفاظ على توازن ميزانياتها. لكن السعر المطلوب لتعزيز الاستثمار في النفط الصخري مختلف بعض الشيء. فالتصحيح المستدام سيكون له أثر عكسي سريع على الاستثمارات ويتوقع أن تبدأ في عكس الانكماش الاقتصادي. علاوة على ذلك، أيا كانت التوقعات على المدى القريب، يبدو مستقبل أسواق النفط عائدا إلى منتجي النفط في الشرق الأوسط التي ستعود إلى مكانها من حيث الأهمية بعد نحو عشر سنوات. وفي ضوء التوقعات الحالية، يتوقع أن يبدأ إنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية عام 2017. وعلى الرغم من ارتفاع التوقعات بشأن الاحتياطيات، فإن حصة الاحتياطيات التي تملكها دول الخليج العربي المنتجة للنفط أعلى بكثير من حصص إنتاجها. وهو ما يشكل خبرا جيدا للمنطقة في عالم لا يزال يعتمد على النفط.
* جارمو كوينتلاين، كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادي في البحرين.
(هذا المقال لا يعكس بالضرورة السياسة الرسمية
أو موقف البحرين أو مجلس التنمية الاقتصادي).