مكتب المدعي العام: «لا تفش سراً لعزيز»

واثق من قوة قضيته... ودليل الاتصالات ليس الوحيد

مبنى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لايدسندام بهولندا («الشرق الأوسط»)
مبنى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لايدسندام بهولندا («الشرق الأوسط»)
TT

مكتب المدعي العام: «لا تفش سراً لعزيز»

مبنى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لايدسندام بهولندا («الشرق الأوسط»)
مبنى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لايدسندام بهولندا («الشرق الأوسط»)

تستقبلك لافتة بيضاء عند المدخل الرئيسي للطابق الذي يضم فريق المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تقول: «لا تفش سرا لعزيز، فلكل عزيز عزيز»، وهي عبارة يتكرر رفعها في أكثر من مكتب داخل هذا الطابق الذي يعجز عن دخوله، معظم الموظفين في المحكمة.
يمثل مكتب المدعي العام «القوة الضاربة» في فريق المحكمة، فهو الفريق الذي يتابع التحقيقات على الأرض، ويدافع عنها في المكاتب بشراسة لافتة. ويخرج كل من يلتقيهم بانطباع أنهم واثقون من قضيتهم كل الثقة، رغم تجنبهم بطريقة بارعة التصريح والتلميح بكل ما من شأنه التعرض لمسار القضية.
يقول المتابعون لمسار عمل الادعاء بأن 13 سنة انتظار للجمهور، هي مدة طويلة نظريا، والضحايا ينتظرون العدالة بلهفة، لكن السؤال هل أن المبدأ في العدالة هو السرعة، أم الوصول إلى العدالة الناصعة؟ ويرى هؤلاء أنه «مقارنة مع قضايا أخرى، فإن مدة 8 سنوات هي مدة عادية، خصوصا أنها تجربة أولى من نوعها، ومن المهم جدا أن تنجح بشكل شفاف. كما أن الإجراءات على المستوى الدولي مختلفة تماما عن المستوى المحلي».
ويرفض هؤلاء ادعاءات التسييس بحق فريق عمل الادعاء، فمنذ العام 2005. وحتى بدء المحكمة عملها كانت المهمة على عاتق القضاء اللبناني بالكامل، وحتى عندما كانت لجنة التحقيق الدولية موجودة، فهي كانت تلعب دورا مساعدا للقضاء اللبناني، وهي لم تكن تتخذ أي قرار قانوني. رئيس لجنة التحقيق كان يساعد القضاء اللبناني في تحقيقاته، وبما أن مهمته استشارية، فقد كان القرار لدى القضاء اللبناني، الذي كان له أن يقبل الرأي أو يرفضه.
في 1 مارس (آذار) 2009 بدأت مهمة المحكمة، وبدأ عمل فريق الادعاء فعليا. المدعي العام لا يتخذ قراره إلا بناء على مخاض عسير وكبير جدا، العملية لم تكن سهلة أبدا، خصوصا أن فريق الادعاء عمل بعناية بالغة للوصول إلى أدلة مثبتة، فأي شك من قبل المحكمة بهذه الأدلة يعرض قضيته للخطر. كما أنه إذا ما وصل إلى المعلومات بطريقة غير قانونية فإن المحكمة سوف ترفضها.
معادلة التحقيق لدى المدعي العام، لا تخرج عن الإطار المعتمد عالميا، فهناك ثلاثة عناصر هي: مسرح الجريمة، مرتكبوها، والضحية. وإذا ما تم الربط بين هذه العناصر يكون التحقيق قد تقدم. والأهم في كل ما تقدم هو «الحيادية».
والشهود الذين قدمهم مكتب المدعي العام كانت لهم علاقة بمسرح الجريمة، أو بالضحية، أو لديهم معلومات تتعلق بالمتهمين. المكتب ربط المعلومات والمعطيات، وقدمها للمحكمة التي ستنظر بها وتتخذ القرار بشأنها، وهذا القرار سيكون معلنا ومعللا. ويجزم المتابعون للملف بأنه «لا يوجد فقط إثباتات وأدلة تقنية، فهناك أدلة وإثباتات من مسرح الجريمة علمية بشكل كبير ويصعب دحضها، كما أن هناك شهودا قدموا معلومات قيمة ودقيقة». وبما أن «التحقيق هو تمرين متواصل، فالتحقيقات في الملف مستمرة».
في الممر الذي تنتشر على جانبيه مكاتب العاملين في مكتب الادعاء، تنتشر صور لضحايا التفجيرات، لكن صورة منها تبدو لافتة، وتتكرر في أكثر من مكان، هي صورة الرائد وسام عيد، الذي كان أول من ذهب في التحقيق بجريمة الاغتيال نحو أدلة الاتصالات، رابطا خريطة الاتصالات في منطقة اغتيال الحريري ببعضها، وبأرقام عائدة للمتهمين، ليصل المحققون إلى قناعة تسمح لهم بتوجيه الاتهام لهؤلاء. هناك الكثير من الأدلة التي تربط الأسماء بالأرقام و«الحصول على معلومات عن المتهمين ممكن عبر الاتصالات وغيرها... المهم أن يكون لدى المحقق الصبر الكافي لملاحقة كل التفاصيل والاحتمالات».
لجأ المحققون إلى أكثر من وسيلة لربط الأرقام المجهولة التي تواجدت في محيط جريمة الاغتيال، والتي فتح بعضها في فترات زمنية متفاوتة، ثم أقفل بعد انتهاء مهمتها. توصل المحققون إلى أرقام تزامن وجودها مع أرقام معروفة في أكثر من مكان في التوقيت نفسه. وخلصوا إلى أنه إذا ما تواجد الرقمان في نفس المكان بشكل متواصل، وتحركا في التوقيت نفسه في كل مرة فهذا يعني أنهما للشخص نفسه، خصوصا عندما تكون العملية متكررة ومتواصلة لمدة طويلة. كما أن الرسائل النصية الصادرة من الرقمين، قد تكون أحيانا متشابهة بما يوحي أن شخصا واحدا قد كتبها. بحث المحققون في سجلات التأمين، وسجلات المدارس والجامعات حيث يوجد دائما اسم الأب ورقم الهاتف، ليصلوا إلى اسم صاحب الرقم المعروف، ومن ثم يربطونه بالرقم المجهول.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.