التهميش والعنف!

التهميش والعنف!
TT

التهميش والعنف!

التهميش والعنف!

هذا خطابٌ من نوعٍ جديد، لغةً وفكراً ومضموناً. خطابٌ يؤسس لفهم جديد. سابقاً كنا نسمع تبريرات وأعذاراً ولغة مدافعة. الآن نحن في مواجهة الحقيقة، وهي البوابة الصحيحة لمعالجة المشكلات.
خلال كلمته في مؤتمر «معالجة العنف الممارَس باسم الدين» الذي نظّمته وزارة الخارجية البريطانية في العاصمة الإيطالية روما، أكد الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أن الإقصاء والتهميش يؤدي إلى العنف. يقول: «إن الأفكار الكارهة الإقصائية هي التي تولّد العنف، بسبب رفضها أن تتشارك الحياة مع مَن يختلف معها»، داعياً إلى القبول بالاختلاف والتنوع بين البشر.
يشير العيسى إلى خطورة عبارات التحريض العنصري واستفزاز العاطفة الدينية والطائفية والثقافية التي لها آثار محفزة للعنف باسم الدين.
يقول: إن العنف باسم الدين لم يتمدد مطلقاً إلا في منطقة الفراغ من مواجهته، أو التساهل معه تحت أي ذريعة كان التقصير». ثم يقول: «الأفكار المتطرفة تقود أحياناً إلى العنف، والعنف ربما قاد إلى الإرهاب في حلقات متواصلة تطول أو تقصر، من زمن لآخر».
التهميش والإقصاء ليس مجرد ثقافة، بل هو سياسة وسلسلة قوانين وإجراءات ينبغي تفكيكها، لأنها قائمة على تقسيم الناس على أساس تفاضلي، الكاتب الأميركي المناهض للعبودية هنري ديفيد ثورو (1817 – 1862)، يقول: «يستلقي الناس على ظهورهم ويتحدثون عن سقوط الإنسان دون بذل أي جهد للنهوض»، هذا هو الحال فيما يتعلق بالكثير من الشكاوى بشأن ظاهرتي التهميش والإقصاء. ولذلك تكبر هذه المشكلة وتصبح ورماً اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً، تدفع ضحاياها إلى السقوط في العزلة التي هي إحدى البيئات الخصبة للكراهية والانغلاق والعنف.
في المقالة المهمة «مفهوم الإقصاء» لأديتيا أنوبكومار، ترجمة بثينة الإبراهيم (موقع حكمة)، نقرأ هذا السؤال: «هل يكفي العمل على كبح انتشار نظرية التهميش، في أثناء العمل –مثلاً- لتأسيس مجتمع المساواة للقضاء على مشكلة التهميش أو تقليصها على الأقل؟». ثمة دور للقانون، وآخر لوسائل الإعلام، وثالث للمجتمع، ورابع للمهمشين أنفسهم بأن يكسروا عزلتهم. لكن، أين يتمظهر هذا التهميش حتى يمكن التوجه إليه مباشرة؟ يقول أنوبكومار: «من الأمثلة على التهميش: التوظيف الانتقائي، أو التفرقة بين المتقدمين للوظائف بناءً على دينهم أو أصلهم أو توجههم الجنسي، أو حتى تاريخهم الطبي». ويضيف: «ويمكن اعتبار استهداف بعض الجماعات بالعنف أو النقد القاسي ونشر الكراهية والخوف من الأجانب... إلخ، نوعاً صارخاً للتهميش».
القانون هو الأساس، لكن من الإجحاف التعويل عليه فقط. فالتهميش كالعنصرية، لا يزول بمجرد قرار، في الولايات المتحدة تم إلغاء الرقّ عام 1863 وبقيت العنصرية جاثمة على صدور الملايين من البشر مائة عام بعدها.
ماذا يفعل التهميش...؟ يقول أنوبكومار: «إن آثار الإقصاء كبيرة، إذ يعاني المهمشون من أزمة هوية (إذ يُنظر إليهم غالباً على أنهم «أشخاص سيئون») وربما يؤدي هذا إلى إثارة قتال أو جرائم اجتماعية».
التهميش يعني الموت... هذا ما يقوله لي الصديق الروائي عبده خال ذات حديث: «كارثتنا أننا نموت أحياء، بسبب أن وضعنا داخل سجن التهميش، تكوّن من سوء الظن والزيف والكذب».
هذا بالتحديد ما عناه الدكتور العيسى في كلمته، هو يرى أن: «أغلب هذا العنف قام على آيديولوجية كارهة إقصائية، لا تريد لأحد أن يشاركها الحياة إلا إذا كان يؤمن بعقيدتها وأفكارها، وهذا الخلل العقلي له أسباب غير صحية اجتماعية وتعليمية وفكرية وسياسية».
بالمناسبة، التهميش مؤذٍ ومدمِّر ولكنه لا يلغي شخصية ضحاياه، ولا كينونتهم، ولا رؤيتهم للآخر، هو فقط يكرّس عزلتهم ويدفعهم إلى تبادل الدور. يقول عبده خال: «التهميش لفظة تواطأنا على ترديدها، فالمهمَّش هنا هو السيد هناك». ويضيف: «انظر إلى إشارتك إلى الأشياء، فحين تشير إلى الشارع –مثلاً- تثبت جهة واحدة وتهمِّش خمس جهات، بينما الجهات الخمس المهمشة من قِبلك تهمِّشك –بدورها– أنت وشارعك الذي تشير إليه».



بتقنية ثلاثية الأبعاد... «أسلحة شبح» يمكن تصنيعها منزلياً في يوم واحد

أجزاء من مجموعة «أسلحة شبح» (رويترز)
أجزاء من مجموعة «أسلحة شبح» (رويترز)
TT

بتقنية ثلاثية الأبعاد... «أسلحة شبح» يمكن تصنيعها منزلياً في يوم واحد

أجزاء من مجموعة «أسلحة شبح» (رويترز)
أجزاء من مجموعة «أسلحة شبح» (رويترز)

«لم تعد هناك سيطرة على الأسلحة»، هكذا تقول إحدى الرسائل على موقع Deterrence Dispensed، وهو منتدى على الإنترنت مخصص للأسلحة النارية المنفذة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وفق تقرير لصحيفة «تلغراف» البريطانية.

منذ أن تم الكشف عن اعتقال لويجي مانجيوني، الرجل البالغ من العمر 26 عاماً والمتهم بقتل الرئيس التنفيذي لشركة التأمين الصحي براين طومسون، وهو يحمل سلاحاً محلي الصنع، كان الموقع المزعج مليئاً بالمشاركات التي تناقش - وفي بعض الحالات، تحتفل - بالخبر.

وقال أحد صناع الأسلحة الهواة: «سوف يظهر للعالم أن الطباعة ثلاثية الأبعاد قابلة للتطبيق بالفعل»، بينما صرَّح صانع أسلحة: «النقطة الأساسية هي أن قوانينهم لا تهم. لقد قتل رجل واحداً من أغنى الناس في العالم في مكان به بعض من أكثر ضوابط الأسلحة صرامة في العالم».

إن اللامبالاة الظاهرية التي أبداها الكاتبان إزاء جريمة القتل بدم بارد لرئيس شركة «يونايتد هيلث كير»، وهو زوج وأب، في شوارع نيويورك توضح مدى حماسة مجتمع متنامٍ على الإنترنت ينظر إلى الأسلحة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد - الأسلحة التي يمكن تصنيعها بالكامل في المنزل، دون استخدام أي أجزاء قابلة للتتبع، باعتبارها حصناً مهماً ضد التعدي على مراقبة الأسلحة في الولايات المتحدة.

لقد استخدم مانجيوني تصاميم وزَّعتها شركة «ديتيرينس ديسبينسد»، ولا تزال تصاميم سلاحه متداولة على المنتدى. وقد تم حذف غرفة دردشة مخصصة لاختبار نموذج مماثل من كاتم الصوت صباح الثلاثاء، في حين اختفت حسابات مصممها على الإنترنت من منصات متعددة.

لكن السلاح الذي عُثر عليه في حوزة مانجيوني بعد اعتقاله في أحد مطاعم «ماكدونالدز» في بلدة ألتونا بولاية بنسلفانيا يوم الاثنين لم يكن مطبوعاً بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالكامل.

فقد ذكر تقرير للشرطة أن السلاح كان يحتوي على «شريحة معدنية ومقبض بلاستيكي بماسورة معدنية ملولبة»، وكان به «مخزن غلوك محمل بـ6 طلقات معدنية كاملة عيار 9 ملم».

الدكتور راجان بسرا، باحث من المركز الدولي لدراسة التطرف والذي درس تطوير الأسلحة النارية المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، حدد السلاح من صور الشرطة الأميركية بوصفه نوعاً من «البندقية الشبح» التي يمكن تصنيعها من مزيج من الأجزاء المصنعة تجارياً والمنزلية.

وشرح أنه «في أميركا، توجد أجزاء من السلاح يمكنك شراؤها قانونياً مع الحد الأدنى من التنظيم؛ لأنها غير مصنفة قانونياً على أنها أجزاء سلاح ناري، مثل البرميل والشريحة».

وأضاف: «هناك عدد من الشركات المصنعة التي تصنع هذه الأسلحة ويمكن للمرء شراؤها في الولايات المتحدة. وهنا يأتي دور الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ لأنك تصنع بقية المسدس من البلاستيك، ثم تجمع بين الاثنين، وستحصل على مسدس صالح للاستخدام».

يُعرف نوع السلاح الذي يُزعم أن مانجيوني استخدمه باسم «إطار غلوك». وقد تم تداول الكثير من التصميمات على الإنترنت لسنوات، ويُعتقد أنها أصبحت شائعة بين هواة الأسلحة المطبوعة ثلاثية الأبعاد في الولايات المتحدة وكندا.

ويسمح ابتكارها للناس بامتلاك الأسلحة النارية دون المرور بأي عملية تسجيل مطلوبة قانوناً أو استخدام أجزاء مختومة بأرقام تسلسلية من الشركات المصنعة، ومن هنا جاء لقب «البنادق الشبح».

وحذَّر بسرا من أنه «يمكن للمرء أن يصنع مسدساً في المنزل دون أن تعلم السلطات بذلك بالضرورة، وبالنسبة لأولئك الذين يريدون التخطيط لاغتيال، على سبيل المثال، فهذا حافز واضح للقيام بذلك».

في حين قد يستغرق الأمر أياماً عدة لطلب المكونات التجارية اللازمة عبر الإنترنت وتسليمها، فإن الأمر لن يستغرق سوى ساعات لطباعة الأجزاء البلاستيكية من المسدس الذي يُزعم أن مانجيوني استخدمه.

إن الطابعات ثلاثية الأبعاد التي يوصي بها عادة مجتمعات صناعة الأسلحة وتستخدمها متاحة على نطاق واسع من تجار التجزئة الرئيسين، وهي تصنّع الأجزاء المطلوبة من خلال تشغيل ملفات يمكن تنزيلها مجاناً إلى جانب كتيبات التعليمات التفصيلية.

وأوضح بسرا أنه «لصنع مسدس مثل المسدس الذي استخدم في جريمة قتل برايان تومسون، يمكن لأي شخص استخدام طابعة ثلاثية الأبعاد تم شراؤها من (أمازون) بنحو 250 جنيهاً إسترلينياً. إنها بحجم ميكروويف كبير وليست نظاماً معقداً بشكل خاص للتشغيل. يمكنك وضعها في غرفة نومك، في الزاوية واتباع البرامج التعليمية عبر الإنترنت حول كيفية تشغيلها».

ونبّه من العواقب المرعبة لمثل هذه البساطة، وقال: «قد يستغرق الأمر ساعات لطباعة المسدس، لكن تجميعه قد يستغرق دقائق. يمكنهم القيام بالشيء بالكامل في يوم واحد. يمكن لأي شخص القيام بذلك، ما دام كان لديه القليل من الصبر وبعض الأدوات الأساسية ويمكنه اتباع التعليمات».