روحاني ينتقد استراتيجية أميركا النووية ويتمسك بتطوير الأسلحة الرادعة

نائب قائد «الحرس الثوري»: الجيشان العراقي والسوري خيارنا الاستراتيجي لمواجهة الأعداء على المدى البعيد

الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث إلى رئيس الأركان اللواء محمد باقري على هامش افتتاحه سلسلة متاحف حرب الخليج الأولى في طهران أمس (تسنيم)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث إلى رئيس الأركان اللواء محمد باقري على هامش افتتاحه سلسلة متاحف حرب الخليج الأولى في طهران أمس (تسنيم)
TT

روحاني ينتقد استراتيجية أميركا النووية ويتمسك بتطوير الأسلحة الرادعة

الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث إلى رئيس الأركان اللواء محمد باقري على هامش افتتاحه سلسلة متاحف حرب الخليج الأولى في طهران أمس (تسنيم)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث إلى رئيس الأركان اللواء محمد باقري على هامش افتتاحه سلسلة متاحف حرب الخليج الأولى في طهران أمس (تسنيم)

انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، استراتيجية الإدارة الأميركية لصناعة قنابل نووية صغيرة في إطار السياسة الرادعة مقابل التهديدات النووية، وفي الوقت نفسه أعلن عن رفض طهران التفاوض مع أي جهة خارجية حول قدراتها «الدفاعية»، مشددا على استمرار برنامج التسلح الإيراني بجميع أنواعه، وأنه يأتي ضمن «سياسة إيران الرادعة للتهديدات الخارجية». وفي موقف مماثل، قال نائب قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي إن الجيشين العراقي والسوري يشكلان العمق الاستراتيجي لإيران.
وتحدث روحاني عن أهمية مشروعية الدفاع بموازاة برنامج التسلح الإيراني، وذلك في إشارة ضمنية إلى معارضة الشارع الإيراني توجهات النظام على المستويين الإقليمي والدولي، وقال في هذا الصدد: «لن تتمكنوا من توضيح أن الآخر يعتدي ونحن ندافع ولم نكن الطرف البادئ (بالحرب) وأننا نريد الدفاع عن أراضينا وشعبنا وكرامتنا واستقلالنا، فإن الشعب لن يقف حينها، ويتعب من الحرب».
وكان خطاب روحاني ينقل مباشرة عبر شبكة متلفزة بمناسبة افتتاح متاحف حول حرب الخليج الأولى بعشر محافظات إيرانية وهي ضمن برامج دعائية برعاية مؤسسات تابعة لـ«الحرس الثوري» ومنظمة «حفظ تراث الحرب» وهي من المؤسسات التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وهذا الخطاب الثاني للرئيس الإيراني خلال 10 أيام تشهد مراسم بمناسبة الذكرى الـ39 لثورة الخميني. وانتقد روحاني استراتيجية واشنطن لإنتاج قنابل نووية صغيرة الحجم، وقال إن أميركا «توجه تهديدات نووية بنبرة وقحة إلى روسيا». وهو الرد الأول من مسؤول إيراني على تصنيف إيران إلى جانب كوريا الشمالية ضمن الدول التي تشكل تهديدا نوويا للولايات المتحدة. وأضاف: «للذين يرددون أنه يجب القضاء على أسلحة الدمار الشامل وهم يستخدمونها لتهديد منافسيهم؛ فهل يمكن القول في ظل هذه الأوضاع إنه زمان السلم والأخوة وإننا لا نحتاج القوة الدفاعية؟ نحن نريد القوة العسكرية دائما، وما دامت التهديدات موجودة، فإنه يجب تعزيز قوتنا الدفاعية ضد أي تهديد».
وبرر روحاني التأكيد على تعزيز القوة القومية الإيرانية في إطار سياسة «الردع» الإيرانية، نافيا أن تكون بلاده وراء تطوير أسلحة دمار شامل. وقال إن «تنمية قوتنا هي من أجل السلام بكرامة. يجب أن نكون مستعدين لدفع التهديدات عن الشعب. من أجل ذلك، فإن المسؤولين لا يرون حاجة إلى المفاوضات والاتفاق حول القدرات الدفاعية. سنتحدث ونناقش، وأي مسؤول يأتي فسنرد عليه بحزم».
وأوضح روحاني أن بلاده ستواصل إنتاج الأسلحة بأي مستوى تتطلبه السياسة الدفاعية الإيرانية «في إطار القوانين وفتاوى المرشد الإيراني». وزعم أن بلاده «لا تسعى وراء أسلحة دمار شامل وذلك بسبب التزاماتها الدولية وفتاوى المرشد الإيراني».
ويتذرع المسؤولون الإيرانيون خلال السنوات الأخيرة؛ ردا على الضغوط الدولية، بفتوى صادرة عن خامنئي حول «منع تطوير أسلحة دمار شامل».
ومع ذلك تابع روحاني استراتيجيته في تقسيم خطاباته إلى جزأين؛ خارجي وداخلي. وفي الجزء الموجه للداخل الإيراني أشار بشكل غير مباشر إلى ضغوط تواجه حكومته من التيار المحافظ ومؤسسات مقربة للمرشد الإيراني؛ على رأسها «الحرس الثوري».
ولجأ ثانية إلى الإشادة بإدارة «الخميني» لشؤون البلاد. وتعد الإشادة بإدارة «الخميني» من أساليب المسؤولين الحاليين لتوجيه انتقادات غير مباشرة إلى مواقف المرشد الحالي «خامنئي»، خصوصا فيما يعد تدخلا في صلاحيات الحكومة والرئيس الإيراني. انطلاقا من ذلك، عد أبرز المشكلات الحالية في إيران «المبالغة في الإحساس بالواجب»، منتقدا ضمنا الجهات التي «تريد الإحساس بالواجب في كل القضايا»، في إشارة إلى ما يتردد عن تقابل بين أجهزة موازية للحكومة في صنع القرار.
وقال في هذا الشأن إن «القوة الوطنية لا تنحصر في إطار حزب وتيار وأن جميع الأحزاب والأفكار والتيارات يجري تعريفها في ظل هذه القوة». وتابع أن «القوة الوطنية تعني أننا يجب أن نكون معاً في القوة السياسية والاقتصادية».
وواجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اتهامات الشهر الماضي بتقديم اقتراح للدول الأوروبية بشأن التفاوض حول برنامج الصواريخ الباليستية وذلك لدى لقائه بنظرائه البريطاني والفرنسي والألماني في بروكسل.
لكن روحاني حاول مرة أخرى شرح موقف حكومته من برنامج الصواريخ بشكل غير مباشر وأن الضغوط على حكومته بدوافع حزبية وتنافس بين التيارات، وقال: «المبادئ؛ بما فيها قيم الثورة، لا يمكنها أن تدخل تحت الخيمة الحزبية»، مطالبا من وصفهم بالمدافعين عن النظام والقوات المسلحة، بأن يكونوا فوق التقسيمات الحزبية والتيارات، مشددا على أن القوة الوطنية فوق التيارات.
كذلك رفض الفصل بين تركيبة «القوة الوطنية»، وقال إن عناصرها «سياسية وثقافية واقتصادية ودفاعية»، وتابع في هذا الصدد: «يجب أن تكون القوات المسلحة إلى جانب الحكومة، والحكومة إلى جانب الحوزات العلمية، والحوزات العلمية إلى جانب الشعب. لو لم نكن إلى جانب بعضنا فسنواجه مشكلات في الاقتصاد والثقافة».
ومن المقرر أن يخرج روحاني في ثاني مؤتمر صحافي غدا الثلاثاء بعد انتصاره بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 19 مايو (أيار) الماضي. وكان روحاني خرج في أول مقابلة تلفزيونية الأسبوع قبل الماضي، وذلك بعد الاحتجاجات، إلا أن خطابه لم يلبِّ توقعات أنصاره عندما تحدث بتحفظ عن المشكلات الراهنة في الداخل الإيراني.
في السياق نفسه، قال نائب قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، أمس، إن الجيشين العراقي والسوري «العمق الاستراتيجي» لإيران، و«أفضل استراتيجية لمواجهة العدو على المدى البعيد» وفق ما نقلت عنه وكالة «تسنيم».
وفي إشارة ضمنية إلى هتافات رددها متظاهرون للتنديد بدور إيران الإقليمي، قال سلامي إن «من المؤكد أن الشعب الإيراني لا يريد أن تكون إيران مركز هجوم الأعداء، لذا، فإن هذه الدول التي تخوض صراعا مع العدو هي ميدان الأمن الاستراتيجي لإيران».
وادعى سلامي أن إيران لديها القدرة على مواجهة أكبر التهديدات وأكبر الأعداء؛ في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، مضيفا أن قواته رصدت نقاط القوة ونقاط الضعف للقوات الأميركية في محيط إيران؛ على رأسها المجالان الجوي والبحري.
وأوضح سلامي أن الخيار العسكري سواء كان على الطاولة أو تحت الطاولة؛ يُعد واقعيا، مضيفا أن تطوير الصواريخ الباليستية من ضمن الحلول لمواجهة حاملات الطائرات الأميركية.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».