700 دار نشر و45 دولة في معرض الدار البيضاء

الدورة 24 تحتفي بالحوار الثقافي المغربي ـ المصري

ملصق معرض الدار البيضاء  في دورته الرابعة والعشرين
ملصق معرض الدار البيضاء في دورته الرابعة والعشرين
TT

700 دار نشر و45 دولة في معرض الدار البيضاء

ملصق معرض الدار البيضاء  في دورته الرابعة والعشرين
ملصق معرض الدار البيضاء في دورته الرابعة والعشرين

احتفاءً بعمق الحوار الثقافي المغربي - المصري، وتكريساً للمكانة الدولية المرموقة للتظاهرة، تقترح الدورة الرابعة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، التي تُنظَّم، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، برنامجاً متنوعاً، يشمل فقرات وندوات وحوارات ثقافية متنوعة.
وتتميز الدورة، التي تفتتح الخميس المقبل، وتتواصل إلى 18 من الشهر الحالي، باستقبالها جمهورية مصر العربية كـ«ضيف شرف»، وذلك، كما جاء في تقديم لمحمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، «تكريساً واحتفاء بالروابط التاريخية والثقافية بين المغرب، وهذا البلد العربي الشقيق ذي العمق الحضاري الكبير، وتثميناً للعلاقات الخصبة والمتواصلة التي جمعت وتجمع باستمرار مثقفي البلدين»، مشدداً على أن هذا التكريم الموجّه للثقافة المصرية سيكون «فرصة أخرى ثمينة للقراء المغاربة وعموم زوار المعرض كي يلتقوا مباشرة مع بعض أبرز المبدعين والباحثين المصريين الأشقاء الذين سيحضرون، في إطار الفقرات الخاصة بـ«ضيف الشرف».
ويشارك في دورة هذه السنة أكثر من 700 عارض مباشر وغير مباشر من المغرب والعالم العربي والبلدان الأفريقية والأوروبية والأميركية، فيما ينتظر أن يُسهِم في برنامجها الثقافي، الذي سيعرف تنظيم ما يناهز أربعة عشر نشاطاً في اليوم، نحو 350 متدخّلاً من الباحثين والمبدعين من المغرب وخارجه، في كثير من الندوات الموضوعاتية، والليالي الشعرية، واللقاءات المباشرة حول تجاربهم الإبداعية، والاحتفاءات بأسماء إبداعية وبحثية متميزة سواء ممّن لا يزالون يواصلون إنتاجهم الرصين أو الذين رحلوا، مع كثير من الفقرات الثابتة المهداة إلى الكتاب وإلى الحوار مع جغرافيات ثقافية أخرى.
كما سيشهد البرنامج الثقافي، أيضاً، لحظات متمثلة في إحياء «أمسية الأركانة»، التي ستحتفي بالشاعر الطوارقي خواد الفائز بـ«جائزة الأركانة العالمية للشعر»، وحفل تسليم «جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة» التي ينظمها المركز العربي للأدب الجغرافي، وحفل تسليم «جائزة القراءة» التي تنظمها شبكة القراءة بالمغرب، التي ترمي إلى تشجيع الناشئة والشباب على القراءة المستديمة.
وككّل دورة، أعدت وزارة الثقافة والاتصال للشريحة الطفولية والتلاميذية برنامجاً غنياً ومتنوعاً ومتوازناً سيحتضنه «فضاء الطفل» طيلة أيام المعرض.
ويأمل المنظمون أن تكرس الدورة «المكانة الدولية المرموقة التي صار يحظى بها المعرض ضمن قائمة المعارض العالمية المهداة للنشر والكتاب»، وأن تؤكد كيف «صار حدثاً ثقافياً دولياً يكرس الوجه الحداثي للمغرب كأرض لحوار الثقافات».
وتخصص الدورة برنامجاً خاصاً لـ«ضيف الشرف»، مصر، وذلك «اعتباراً للمكانة الاعتبارية التي احتلها ويحتلها هذا البلد العريق ضمن الخريطة الحضارية والتاريخية الإنسانية، وكذا لموقعها الثقافي الريادي الذي نَحَته كتابها ومبدعوها في ذاكرة وفي وجدان جميع أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج».
ومن بين عناوين الاحتفاء، بمشاركة مثقفين من مصر والمغرب: «الواقع والقصة القصيرة: لقاء في السرد»، و«لماذا تقرأ الفلاسفة العرب؟»، و«تاريخ العلاقات الثقافية المصرية المغربية»، و«هل يمكن الحديث عن مستقبل الثقافة في الإقليم العربي؟»، و«دور جمال الغيطاني في الثقافة العربية»، و«هل يمكن الحديث عن مستقبل الثقافة في الإقليم العربي؟»، و«تجليات الزمن في القصة القصيرة المصرية»، و«التجربة الروائية في مصر والمغرب»، و«رواية المستقبل»، و«العلاقات المصرية المغربية في عصر الدولة الفاطمية»، و«الترجمة من اللغة العربية إلى الأجنبية: صعوباتها وتحدياتها».
كما يتضمن برنامج الدورة فقرات أخرى، من قبيل «تجارب في الكتابة»، و«ليالي الشعر»، و«ساعة مع كاتب»، و«ذاكرة»، و«أسماء فوق البوديوم»، و«أدباء قادمون»، و«ثنائيات: لقاء بين كاتبين من جيلين مختلفين»، و«المغرب - إسبانيا: ثقافات متقاطعة»، و«أصوات أميركا اللاتينية»، و«في حضرة كتاب».
وتبقى الندوات، من أبرز فقرات البرنامج الثقافي لدورة هذه السنة، بينها ندوات «تسعى إلى تسليط الضوء على طبيعة العلاقة الرفيعة التي يؤسسها أو يسعى إلى ترسيخها الخطاب الأدبي، باعتباره فعالية تعبيرية تستثمر في الكتابة لمساءلة الإنسان والعالم، في علاقته بمختلف الفنون التعبيرية والجمالية الأخرى، من قبيل السينما والتشكيل والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والمسرح والدراما التلفزيونية، باعتبارها فنوناً سمعية بصرية»، من دون أن تسعى هذه المقاربة، حسب المنظمين، إلى إثبات أي نوع من المفاضلة بين هذه الأنواع من الخطابات، كما أنها لا تبني طموحها النقدي ولا مقاربتها التحليلية على أي شكل من أشكال التصنيف المتحيز، بقدر ما «تأمل في أن تضع اليد على حبل السرة الذي يصل بينها، في محاولة جادة لتمتين أواصر القرابة والتكامل والجوار الفعال والمنتج».
وفضلاً عن هذا الشق من الندوات، التي تأخذ عناوين «الأدب والتشكيل»، و«الأدب والموسيقى»، و«الأدب والفوتوغرافيا»، و«الأدب والسينما»، و«الأدب والدراما التلفزية»، و«الرحلة»، في جزأين: «لقاء الشرق والغرب: اكتشاف الذات والآخر»، و«المغرب منطلقاً للرحلة غربا وشرقاً وموئلاً لها»، سيكون جمهور المعرض مع باقة متنوعة من الندوات، تتناول «هوية القدس ومركزها الديني والحضاري»، و«الحسانية في أفق إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة»، و«هيئات التشاور العمومي، الواقع والتحديات»، و«هل يمكن الحديث عن مستقبل الثقافة في الإقليم العربي؟»، و«من السياسة إلى الفكر»، و«واقع المسنين بالمغرب في ظل التحولات القيمية المجتمعية»، و«المجتمع المدني والنموذج التنموي الجديد»، و«بين الإبداع الشعري والموسيقي في الثقافة الأمازيغية»، و«الحركة الثقافية بوجدة: الملامح والآفاق»، بمناسبة اختيار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018.



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».