موسكو تندد بـ«الطابع الحربي» للسياسة النووية الأميركية الجديدة

واشنطن عازمة على اقتناء أسلحة نووية ضعيفة القوة لمواجهة الترسانة الروسية

نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان يشرح بواشنطن الجمعة الموقف الأميركي من التسلح النووي (أ.ب)
نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان يشرح بواشنطن الجمعة الموقف الأميركي من التسلح النووي (أ.ب)
TT

موسكو تندد بـ«الطابع الحربي» للسياسة النووية الأميركية الجديدة

نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان يشرح بواشنطن الجمعة الموقف الأميركي من التسلح النووي (أ.ب)
نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان يشرح بواشنطن الجمعة الموقف الأميركي من التسلح النووي (أ.ب)

نددت موسكو أمس، بـ«الطابع الحربي» و«المناهض لروسيا» للسياسة النووية الأميركية الجديدة الداعية إلى التزود بأسلحة، رداً على التحركات الروسية في السنوات الأخيرة، وحذرت من أنها ستتخذ «الإجراءات اللازمة» لضمان أمنها في مواجهة الولايات المتحدة.
وأعلنت الولايات المتحدة أول من أمس (الجمعة)، أنّها تريد اقتناء أسلحة نووية جديدة ضعيفة القوة، مشيرة بشكل خاص إلى إعادة تسلح روسيا في هذا المجال. وأثار هذا الإعلان مخاوف لدى الخبراء من استئناف انتشار الأسلحة ومخاطر أكبر لاندلاع نزاع نووي. وكشف البنتاغون الجمعة، خططاً لتعزيز ترسانته النووية، قائلاً إن ذلك يأتي رداً على تطوير روسيا ترسانة من ألفي سلاح نووي تكتيكي يمكن أن تهدّد الدول الأوروبية على حدودها.
وردّت موسكو أمس، ببيان شديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية، عبّرت فيه عن «خيبة أملها الشديدة». وقالت الخارجية، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، إنه «من القراءة الأولى، يبرز جلياً الطابع الحربي والمناهض لروسيا لهذه الوثيقة»، مضيفة: «يجب أن نأخذ في الاعتبار المقاربات التي يجري التداول بها حالياً في واشنطن، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمننا». كما ندّدت موسكو بـ«محاولة التشكيك بحقها في الدفاع عن النفس»، قائلة: «نأمل في أن تبقى واشنطن مدركة لمستوى الخطر المرتفع الذي تشكله هذه التوجيهات من وجهة نظر التخطيط العسكري العملي».
وحسب موسكو، فإن الوثيقة الأميركية «مشبعة بكل أنواع التعابير المناهضة لروسيا، بدءاً باتهامات غريبة حول اعتمادها (سلوكاً عدائياً) وكل أنواع (التدخلات) الممكنة، وصولاً إلى اتهامات عارية عن الصحة أيضا حول (انتهاكات) للائحة الاتفاقات حول مراقبة الأسلحة».
وأضافت الخارجية الروسية: «نرى ذلك بمثابة محاولة ظالمة (من واشنطن) لتلقي على الآخرين مسؤولياتها عن تدهور الوضع في مجال الأمن الدولي والإقليمي، وخلل التوازن في آليات مراقبة الأسلحة التي هي نتيجة سلسلة أعمال غير مسؤولة قامت بها الولايات المتحدة بنفسها».
من جانب آخر، أكدت روسيا أنها «تحترم بدقة التزاماتها بموجب كل الاتفاقات الدولية»، مبدية في الوقت نفسه استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل بناء «علاقة مستقرة، والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي».
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أمر في نهاية 2016 بتعزيز قوة الضرب النووية الروسية، وكذلك تحديث أسلحة رداً على تعزيز الوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي على حدوده، وهو ما تعده موسكو تهديداً.
والعقيدة العسكرية الروسية التي نُشرت في 2014، والتي تتضمن إنفاقاً عسكرياً عالياً، لا تذكر على الإطلاق احتمال حصول «هجوم وقائي» مع استخدام رؤوس نووية. وتحتفظ موسكو لنفسها بحق استخدام ترسانتها فقط في حال حصول عدوان عليها أو على حلفائها، أو في حال حصول «تهديد لوجود الدولة».
واتهمت روسيا، عدة مرات، حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بجرها نحو سباق «محموم» للتسلح وقطع «التوازن العسكري» الذي كان سارياً في أوروبا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق. بهذا الصدد، قال غريغ ويفر، مسؤول القدرات الاستراتيجية في هيئة الأركان الأميركية، إن الأسلحة الجديدة التي طلبها البنتاغون وتثير مخاوف الخبراء من عودة انتشار السلاح وازدياد خطر النزاع النووي، تشكّل «رداً على توسع القدرات (النووية) لروسيا».
وتؤكد الوثيقة أيضاً قلق الإدارة من تهديدات مصدرها كوريا الشمالية وإيران والصين، لكنها تركز بشكل خاص على روسيا.
وكتب وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس في مقدمة الوثيقة الواقعة في 75 صفحة أن «هذا رد على توسيع روسيا لقدراتها وطبيعة استراتيجيتها وعقيدتها»، مضيفاً أن «هذه التطورات التي تترافق مع سيطرة روسيا على القرم، والتهديدات النووية ضد حلفائنا تشير إلى عودة موسكو المقررة إلى المنافسة بين القوى العظمى».
وفيما يشكل قطيعة مع رؤية الرئيس السابق باراك أوباما الذي دعا، عام 2009، في براغ، إلى التخلص من كل الأسلحة النووية، فإن الرؤية النووية الأميركية الجديدة تقترح تطوير نوع جديد من الصواريخ النووية محدودة القدرة، يتم إطلاقها من غواصات.
وتقترح الرؤية النووية الجديدة الأميركية أيضاً تطوير نوع جديد من صواريخ «بح-بر» النووية العابرة، على أن يتم ذلك خلال فترة تتراوح بين 7 و10 أعوام. وستحل هذه الأسلحة محل الأسلحة النووية التقليدية، ما سيتيح لواشنطن الاستمرار في احترام معاهدات الحد من التسلح.
ولدى الولايات المتحدة أساساً ترسانة نووية كبرى تشمل 150 رأساً نووياً من نوع «بي - 61» مخزّنة في عدة دول أوروبية، وبالتالي فإن الأسلحة الجديدة التي يمكن إطلاقها من غواصات أو صواريخ لن تكون بحاجة إلى أن تُخزَّن في أوروبا.
وعلى الرغم من تصاعد حدة السجال بين موسكو وواشنطن حول العقيدة النووية الجديدة للولايات المتحدة، تكتمت روسيا على نتائج محادثات أجراها في الولايات المتحدة وفد أمني روسي رفيع المستوى برئاسة رئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين.
واكتفى مصدر روسي بالإشارة إلى أن الوفد، الذي أجرى خلال اليومين الماضيين عدة لقاءات في واشنطن، بحث مع الجانب الأميركي طيفاً واسعاً من الملفات ذات الاهتمام المشترك، بينها التنسيق في مكافحة الإرهاب، والوضع في سوريا والاتهامات الموجهة إلى موسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية.
وكانت الزيارة قد أثارت نقاشات واسعة داخل الولايات المتحدة، كون ناريشكين مدرجاً على لائحة العقوبات الأميركية ضد روسيا منذ عامين، ما يعني حظر دخوله الأراضي الأميركية. ودافعت أجهزة الاستخبارات الأميركية عن الزيارة بالإشارة إلى الأهمية القصوى لتعزيز التنسيق الأمني مع روسيا في القضايا التي تمس أمن وسلامة المواطنين الأميركيين.
لكن مسؤولاً في جهاز الاستخبارات الأميركي، طلب عدم نشر اسمه، اتّهم، في حديث لوسائل إعلام، موسكو بتسريب معطيات عن «الزيارة السرية» بشكل متعمد، لأسباب منها تأجيج الخلاف السياسي في واشنطن بشأن التحقيقات حول التدخل الروسي في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».