نددت موسكو أمس، بـ«الطابع الحربي» و«المناهض لروسيا» للسياسة النووية الأميركية الجديدة الداعية إلى التزود بأسلحة، رداً على التحركات الروسية في السنوات الأخيرة، وحذرت من أنها ستتخذ «الإجراءات اللازمة» لضمان أمنها في مواجهة الولايات المتحدة.
وأعلنت الولايات المتحدة أول من أمس (الجمعة)، أنّها تريد اقتناء أسلحة نووية جديدة ضعيفة القوة، مشيرة بشكل خاص إلى إعادة تسلح روسيا في هذا المجال. وأثار هذا الإعلان مخاوف لدى الخبراء من استئناف انتشار الأسلحة ومخاطر أكبر لاندلاع نزاع نووي. وكشف البنتاغون الجمعة، خططاً لتعزيز ترسانته النووية، قائلاً إن ذلك يأتي رداً على تطوير روسيا ترسانة من ألفي سلاح نووي تكتيكي يمكن أن تهدّد الدول الأوروبية على حدودها.
وردّت موسكو أمس، ببيان شديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية، عبّرت فيه عن «خيبة أملها الشديدة». وقالت الخارجية، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، إنه «من القراءة الأولى، يبرز جلياً الطابع الحربي والمناهض لروسيا لهذه الوثيقة»، مضيفة: «يجب أن نأخذ في الاعتبار المقاربات التي يجري التداول بها حالياً في واشنطن، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمننا». كما ندّدت موسكو بـ«محاولة التشكيك بحقها في الدفاع عن النفس»، قائلة: «نأمل في أن تبقى واشنطن مدركة لمستوى الخطر المرتفع الذي تشكله هذه التوجيهات من وجهة نظر التخطيط العسكري العملي».
وحسب موسكو، فإن الوثيقة الأميركية «مشبعة بكل أنواع التعابير المناهضة لروسيا، بدءاً باتهامات غريبة حول اعتمادها (سلوكاً عدائياً) وكل أنواع (التدخلات) الممكنة، وصولاً إلى اتهامات عارية عن الصحة أيضا حول (انتهاكات) للائحة الاتفاقات حول مراقبة الأسلحة».
وأضافت الخارجية الروسية: «نرى ذلك بمثابة محاولة ظالمة (من واشنطن) لتلقي على الآخرين مسؤولياتها عن تدهور الوضع في مجال الأمن الدولي والإقليمي، وخلل التوازن في آليات مراقبة الأسلحة التي هي نتيجة سلسلة أعمال غير مسؤولة قامت بها الولايات المتحدة بنفسها».
من جانب آخر، أكدت روسيا أنها «تحترم بدقة التزاماتها بموجب كل الاتفاقات الدولية»، مبدية في الوقت نفسه استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل بناء «علاقة مستقرة، والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي».
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أمر في نهاية 2016 بتعزيز قوة الضرب النووية الروسية، وكذلك تحديث أسلحة رداً على تعزيز الوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي على حدوده، وهو ما تعده موسكو تهديداً.
والعقيدة العسكرية الروسية التي نُشرت في 2014، والتي تتضمن إنفاقاً عسكرياً عالياً، لا تذكر على الإطلاق احتمال حصول «هجوم وقائي» مع استخدام رؤوس نووية. وتحتفظ موسكو لنفسها بحق استخدام ترسانتها فقط في حال حصول عدوان عليها أو على حلفائها، أو في حال حصول «تهديد لوجود الدولة».
واتهمت روسيا، عدة مرات، حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بجرها نحو سباق «محموم» للتسلح وقطع «التوازن العسكري» الذي كان سارياً في أوروبا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق. بهذا الصدد، قال غريغ ويفر، مسؤول القدرات الاستراتيجية في هيئة الأركان الأميركية، إن الأسلحة الجديدة التي طلبها البنتاغون وتثير مخاوف الخبراء من عودة انتشار السلاح وازدياد خطر النزاع النووي، تشكّل «رداً على توسع القدرات (النووية) لروسيا».
وتؤكد الوثيقة أيضاً قلق الإدارة من تهديدات مصدرها كوريا الشمالية وإيران والصين، لكنها تركز بشكل خاص على روسيا.
وكتب وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس في مقدمة الوثيقة الواقعة في 75 صفحة أن «هذا رد على توسيع روسيا لقدراتها وطبيعة استراتيجيتها وعقيدتها»، مضيفاً أن «هذه التطورات التي تترافق مع سيطرة روسيا على القرم، والتهديدات النووية ضد حلفائنا تشير إلى عودة موسكو المقررة إلى المنافسة بين القوى العظمى».
وفيما يشكل قطيعة مع رؤية الرئيس السابق باراك أوباما الذي دعا، عام 2009، في براغ، إلى التخلص من كل الأسلحة النووية، فإن الرؤية النووية الأميركية الجديدة تقترح تطوير نوع جديد من الصواريخ النووية محدودة القدرة، يتم إطلاقها من غواصات.
وتقترح الرؤية النووية الجديدة الأميركية أيضاً تطوير نوع جديد من صواريخ «بح-بر» النووية العابرة، على أن يتم ذلك خلال فترة تتراوح بين 7 و10 أعوام. وستحل هذه الأسلحة محل الأسلحة النووية التقليدية، ما سيتيح لواشنطن الاستمرار في احترام معاهدات الحد من التسلح.
ولدى الولايات المتحدة أساساً ترسانة نووية كبرى تشمل 150 رأساً نووياً من نوع «بي - 61» مخزّنة في عدة دول أوروبية، وبالتالي فإن الأسلحة الجديدة التي يمكن إطلاقها من غواصات أو صواريخ لن تكون بحاجة إلى أن تُخزَّن في أوروبا.
وعلى الرغم من تصاعد حدة السجال بين موسكو وواشنطن حول العقيدة النووية الجديدة للولايات المتحدة، تكتمت روسيا على نتائج محادثات أجراها في الولايات المتحدة وفد أمني روسي رفيع المستوى برئاسة رئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين.
واكتفى مصدر روسي بالإشارة إلى أن الوفد، الذي أجرى خلال اليومين الماضيين عدة لقاءات في واشنطن، بحث مع الجانب الأميركي طيفاً واسعاً من الملفات ذات الاهتمام المشترك، بينها التنسيق في مكافحة الإرهاب، والوضع في سوريا والاتهامات الموجهة إلى موسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية.
وكانت الزيارة قد أثارت نقاشات واسعة داخل الولايات المتحدة، كون ناريشكين مدرجاً على لائحة العقوبات الأميركية ضد روسيا منذ عامين، ما يعني حظر دخوله الأراضي الأميركية. ودافعت أجهزة الاستخبارات الأميركية عن الزيارة بالإشارة إلى الأهمية القصوى لتعزيز التنسيق الأمني مع روسيا في القضايا التي تمس أمن وسلامة المواطنين الأميركيين.
لكن مسؤولاً في جهاز الاستخبارات الأميركي، طلب عدم نشر اسمه، اتّهم، في حديث لوسائل إعلام، موسكو بتسريب معطيات عن «الزيارة السرية» بشكل متعمد، لأسباب منها تأجيج الخلاف السياسي في واشنطن بشأن التحقيقات حول التدخل الروسي في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
موسكو تندد بـ«الطابع الحربي» للسياسة النووية الأميركية الجديدة
واشنطن عازمة على اقتناء أسلحة نووية ضعيفة القوة لمواجهة الترسانة الروسية
موسكو تندد بـ«الطابع الحربي» للسياسة النووية الأميركية الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة