الهند تتوسع بحذر في التعاون مع دول الآسيان

يصنَّف الاثنان معاً كثالث أكبر اقتصاد في العالم

الهند تتوسع بحذر في التعاون مع دول الآسيان
TT

الهند تتوسع بحذر في التعاون مع دول الآسيان

الهند تتوسع بحذر في التعاون مع دول الآسيان

بدا واضحاً اهتمام الهند بالدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) خلال أعمال القمة التي اختُتمت مؤخراً لإحياء ذكرى 25 عاماً من العلاقات الهندية الآسيوية في العاصمة نيودلهي.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الهند ودول الرابطة نحو 76 مليار دولار تحت مظلة السياسة الهندية الجديدة «التفاعل شرقاً»، والتي كانت معروفة فيما سبق بعنوان «التوجه شرقاً»، ولقد ضاعفت الهند خلال الآونة الأخيرة من حجم العلاقات التجارية والاستثمارية والاستراتيجية مع شرق وجنوب شرق آسيا، وهي المنطقة التي تضم بعض الاقتصادات الأكثر ديناميكية ونشاطاً في العالم، كما أنها مصدر الموارد الطبيعية الغنية، والتكنولوجيا الحديثة، والأسواق اللازمة لدفع عجلة النمو الهندي السريعة. وتستهدف نيودلهي وصول حجم التبادل التجاري الثنائي مع دول الآسيان إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2020. ويقول الخبراء إنهم يتوقعون تحقيق المكاسب الكبيرة نتيجة التفاعل الهندي المباشر مع دول الرابطة.
ويقول أرفيند باناغاريا، نائب رئيس مفوضية التخطيط الهندية السابق: «في ظل وجود ما يقرب من ثلث سكان العالم (1.85 نسمة تقريباً) في هذه المنطقة، إلى جانب الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 3.8 تريليون دولار، فإن دول رابطة الآسيان تعد في مجموعها من أكبر اقتصادات العالم. كما أن الرابطة تحظى كذلك بدخل سنوي للفرد يبلغ 4200 دولار. وإنْ أضفنا الهند إلى تلك المعادلة، سيكون لدينا اقتصاد هائل تبلغ قيمته نحو 5 تريليونات دولار، مما يعتبر الاقتصاد الثالث على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين. ومن واقع هذه الرؤية، فهناك أهمية قصوى للغاية في العلاقات الهندية الثنائية مع رابطة الآسيان.
- التجارة مع الآسيان بعجز أقل
شرعت الهند في التواصل مع دول رابطة الآسيان اعتباراً من عام 1992 عبر حوار اقتصادي متعدد القطاعات. وفي عام 1996، رحبت دول الرابطة بانضمام الهند إليها كشريك حواري كامل.
وجدير بالذكر أن اقتصادات جنوب شرق آسيا الكبرى التي تستثمر في الهند هي سنغافورة، وماليزيا، وتايلاند، والتي تعد من وجهات التصدير الرئيسية بالنسبة إلى الهند. ومن بين أبرز بنود التصدير الهندية إلى سنغافورة الوقود المعدني، والزيوت، والمواد البيتومينية (الفحم الإسفلتي)، والسفن، والقوارب، والهياكل العائمة. وتتضمن الواردات الهندية من سنغافورة المواد الكيميائية العضوية، والغلايات، والماكينات، والأجهزة الميكانيكية، والمعدات، وقطع الغيار، من بين بنود أخرى. كما تستورد الهند أيضاً المنتجات الزراعية من ماليزيا. وهناك أوجه للتكامل التجاري بين الهند ودول جنوب شرق آسيا في مجالات أخرى مثل الزراعة، والماكينات، والمعادن، من بين مجالات أخرى.
وفي الأثناء ذاتها، وفيما يتعلق بمجال الاستثمار، تلقت الهند نحو 13.8 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر من دول رابطة الآسيان خلال عام 2015 – 2016، وأكثر من 99% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر يصل إلى الهند من سنغافورة، بينما تمثل دول جنوب شرق آسيا الأخرى أقل من نقطة مئوية واحدة من نفس الاستثمارات. ولقد شكلت اتفاقية التعاون الاقتصادي الشامل بين الهند وسنغافورة دفعة قوية لتعزيز الشراكة بين البلدين.
ويقول الصحافي كانتي باغباي: «إنه، وفقاً لذلك، أكثر من مجرد سوق جذابة، إذ إن حجم التبادل التجاري بين الهند ورابطة الآسيان يماثل حجم التبادل التجاري بين الهند والصين». ومن ناحية أخرى، يبلغ حجم العجز التجاري مع دول رابطة الآسيان 14 مليار دولار فقط، في حين أنه يتجاوز 60 مليار دولار بين الهند والصين. وخلال العام الماضي، حققت التجارة البينية الهندية مع رابطة الآسيان قفزة بنسبة 10%، مما يجعل من المنطقة مكاناً جيداً للغاية للاستثمار، مع الحوكمة الرشيدة، والعمالة الماهرة، والبنية التحتية الجيدة.
ولا تزال العلاقات بين الهند ورابطة الآسيان في مراحل التطور من عدة نواحٍ ولا سيما عند مقارنتها بعلاقات الرابطة القوية مع الصين، واليابان، والولايات المتحدة. وهناك تبادل تجاري واسع النطاق بين كوريا الجنوبية ورابطة الآسيان أكثر من الهند، على الرغم من أن حجم الاقتصاد الكوري أقل بكثير من الاقتصاد الهندي. وبلغ حجم التجارة التبادلية بين الصين ورابطة الآسيان نحو 452.31 مليار دولار في عام 2016، في حين أن الصادرات الصينية إلى دول الرابطة بلغ 256 مليار دولار.
- الآسيان يبحثون عن حليف جديد
أسفر الصعود الاقتصادي والعسكري غير المسبوق من جانب الصين خلال السنوات الأخيرة، وتوسُّع نفوذها الكبير في بحر الصين الجنوبي، عن توجهات دول الرابطة صوب الهند كشريك من أجل تحقيق التوازن. وأشار الصحافي فيناي كورا إلى أن النفوذ والمطالب الإقليمية الصينية، رغم حقيقة أن الصين لا تزال الشريك التجاري الأكبر لدول رابطة الآسيان، قد دفعت دول الرابطة إلى البحث عن شركاء جدد، وأسواق جديدة، وتحالفات جديدة. ومما ساعد على هذا المسار وجعل الهند تحظى بمزيد من الاحترام لدى دول الرابطة هو ابتعاد نيودلهي تماماً عن مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، على الرغم من محاولات الصين المستمرة لإقناعها بالانضمام. ويرى المحللون أن دول رابطة الآسيان قد ينظرون إلى الهند على أنها شريك بديل على مسار التواصل وتطوير البنية التحتية، ولا سيما أن مبادرة الحزام والطريق الصينية لا تحرز التقدم المنتظر منها. ولقد سارعت الهند بالعمل على مشروع بناء طريق ثلاثي سريع بطول 1400 كيلومتر مع ميانمار وتايلاند من شأنه أن يربط الهند بدول جنوب شرق آسيا عن طريق البر ويعطي دفعة قوية لروابط التجارة، والأعمال، والصحة، والتعليم، والسياحة بين الدول الثلاث. ويقول وزير النقل الهندي عن ذلك: «بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول) لعام 2019، سوف نكون في موضع يسمح لنا بالتواصل المباشر».
وترغب نيودلهي في الوقت الراهن في تشييد طريق طموح يصل إلى فيتنام عبر كمبوديا ولاوس، وتدرس الحكومة الهندية تعزيز المساعدات المالية المخصصة لهذا المشروع.
ويعتقد المحللون في رابطة الآسيان أن الهند بمفردها في آسيا تملك الحجم، والتركيبة السكانية، والإمكانات الاقتصادية، والقدرات العسكرية، والعمق الحضاري لتشكل القوة الموازنة للهيمنة الصينية في المنطقة. وصرح رئيس وزراء سنغافورة، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية لرابطة الآسيان، بأن الرابطة تعتقد أن الهند تشمل أكبر المساهمات الممكنة في الشؤون الإقليمية، وتساعد في انفتاح الهيكل الإقليمي للمنطقة، وتحقيق التوازن، والشمولية.
- العثرات التجارية
على الرغم من إبرام وإنفاذ اتفاقية التجارة الحرة، فإن العلاقات الهندية برابطة الآسيان لم تتطور إلى المستوى الذي يوفر الثمار المقصودة منها حتى الآن.
وظلت اتفاقية السلع والخدمات الحرة بين دول الآسيان والشركاء التجاريين الإقليميين الكبار: أستراليا، والصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، ونيوزيلندا، والهند، والمعروفة إعلامياً باسم اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، قيد المفاوضات لسنوات عديدة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى إقامة سوق متكاملة بين الدول المعنية.
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن كل زعماء الآسيان في قمة نيودلهي «تحدثوا بجدية» حول الحاجة إلى الموافقة على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بحلول نهاية العام الجاري. ولقد بدأت المفاوضات بشأن هذه الاتفاقية في أواخر عام 2012، ولكنها استغرقت وقتاً أطول من المتوقع، وتجاوزت 3 مواعيد نهائية للتوقيع عليها. ووصفت الهند بأنها الطرف المعيق لإتمام الاتفاقية بسبب تعنتها الواضح على مسار مطابقة وصول السلع والبضائع مع الوصول للخدمات.
ومنذ عام 2010، وهو تاريخ إبرام وإنفاذ اتفاقية التجارة السلعية بين الهند ورابطة الآسيان، اتسع نطاق العجز التجاري الهندي مع دول الرابطة من 4.98 مليار دولار في عامي 2010 و2011، إلى 14.75 مليار دولار في عامي 2015 و2016، ثم تقلص فارق العجز التجاري وصولاً إلى 9.56 مليار دولار في عامي 2016 و2017، وأدى العجز التجاري الهائل المذكور إلى تساؤلات في الداخل الهندي بشأن ما إذا كان الاتفاق التجاري يهدف فقط إلى مساعدة دول الرابطة ولا يعود بالنفع على الهند في شيء. ولقد توخت نيودلهي منذ ذلك الحين المزيد من الحذر وواصلت ممارسة الضغوط بغية التوصل إلى اتفاقية متوازنة وذات فائدة للطرفين.
يقول سوريش برابهو، وزير التجارة والصناعة الهندي: «من المهم التعامل بإنصاف حيال حساسيات وتطلعات كل الأطراف المشاركة»، مشدداً على ضرورة وفاء الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بنصيبها في مجال الخدمات بغية إبرام الاتفاقية. وحتى الآن، كانت المقترحات في جانب الخدمات، بما في ذلك تأشيرات العمل أو حرية حركة العمالة المحترفة، مخيبة للآمال مع عدم استعداد أي عضو من الدول الأعضاء لتقديم مساهمات تستحق الاعتبار.
يقول بيسواجيت دهار، أستاذ الاقتصاد في جامعة جواهر لال نهرو: «كانت إندونيسيا حذرة على الدوام من الإغراق الهندي لأسواق العمالة في جاكرتا. ومن غير المرجح لهذا الموقف أن يتغير إن لم يتغير موقفهم من الاتفاقية المعنية. ولا تزال القضايا التقليدية المتعلقة بالوصول إلى الأسواق مع دول رابطة الآسيان معلقة هي الأخرى. ولسوف يواصلون ممارسة الضغوط الشديدة على الهند ما لم توافق الأخيرة على اعتماد سياسة أكثر مرونة حيال اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة».
وعلى نحو مماثل، لا تشعر نيودلهي بالارتياح إزاء التقسيم الطموح للتعريفة الجمركية على الواردات والتي تطالب بها دول رابطة الآسيان، ولا سيما أنها سوف تعني كذلك السماح بدخول البضائع الصينية من دون فرض الرسوم الجمركية عليها. والصناعة الهندية لا ترغب في أن تنصاع الحكومة للمستويات المرتفعة من التحرير التجاري لأنها تخشى من مواجهة التعثر في الأسواق المحلية جراء ذلك.
ومع تزايد الضغوط على نيودلهي للموافقة المبكرة على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، أعربت رابطة الآسيان عن أملها في ألا تخيب الهند مساعي الرابطة الرامية إلى إبرام هذه الاتفاقية خلال العام الحالي.
وقال وزير التجارة الإندونيسي: «أعتقد أن الهند سوف تقف إلى جانب رابطة الآسيان في إبرام هذه الاتفاقية المهمة خلال العام الحالي، ولن تخيب آمالنا في ذلك»، وذلك خلال اجتماع الأعمال والاستثمار بين الهند ودول الرابطة في نيودلهي.
ويتعين على كل الدول الأعضاء تقديم مقترحاتها المعدلة خلال الشهر الجاري والتي سوف تتم مناقشتها في الجولة القادمة من اجتماع الرابطة في إندونيسيا في فبراير (شباط) المقبل. وهناك خلافات بين دول الرابطة كذلك، حيث تحتفظ الدول الصغرى مثل كمبوديا ولاوس بمواقف تجارية متباينة إلى حد كبير حيال السلع الثقيلة والاقتصادات الأكبر منها بكثير مثل ماليزيا وإندونيسيا.
يقول هارش بانت، رئيس برنامج الدراسات الاستراتيجية لدى مؤسسة «أوبزرفر ريسيرش» البحثية الهندية: «الهند غير متحمسة كثيراً بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في صورتها الحالية، إذ قد تضطر إلى إزالة بعض التعاريف الجمركية الحمائية. كما أن هناك مخاوف من أن تلك الاتفاقية سوف تؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام التصنيع الصيني ودخوله المنطقة من دون عائق أو منازع».



الأكبر له منذ أكثر 10 سنوات... البنك الوطني السويسري يخفّض الفائدة بـ50 نقطة أساس

صورة لعلم على مبنى البنك الوطني السويسري في برن (رويترز)
صورة لعلم على مبنى البنك الوطني السويسري في برن (رويترز)
TT

الأكبر له منذ أكثر 10 سنوات... البنك الوطني السويسري يخفّض الفائدة بـ50 نقطة أساس

صورة لعلم على مبنى البنك الوطني السويسري في برن (رويترز)
صورة لعلم على مبنى البنك الوطني السويسري في برن (رويترز)

خفّض البنك الوطني السويسري سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، يوم الخميس، وهو أكبر تخفيض له منذ ما يقرب من 10 سنوات، حيث سعى إلى البقاء متقدماً على التخفيضات المتوقَّعة من قِبَل البنوك المركزية الأخرى، والحد من ارتفاع الفرنك السويسري.

وخفض البنك الوطني السويسري سعر الفائدة من 1.0 في المائة إلى 0.5 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

وكان أكثر من 85 في المائة من الاقتصاديين الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا خفضاً أقل بمقدار 25 نقطة أساس، على الرغم من أن الأسواق كانت تتوقَّع خفضاً بمقدار 50 نقطة.

كان هذا الخفض أكبر انخفاض في تكاليف الاقتراض منذ الخفض الطارئ لسعر الفائدة الذي أجراه البنك المركزي السويسري في يناير (كانون الثاني) 2015، عندما تخلى فجأة عن الحد الأدنى لسعر الصرف مع اليورو.

وقال البنك: «انخفض الضغط التضخمي الأساسي مرة أخرى خلال هذا الربع. ويأخذ تيسير البنك الوطني السويسري للسياسة النقدية اليوم هذا التطور في الاعتبار... وسيستمر البنك الوطني السويسري في مراقبة الوضع عن كثب، وسيقوم بتعديل سياسته النقدية، إذا لزم الأمر، لضمان بقاء التضخم ضمن النطاق الذي يتماشى مع استقرار الأسعار على المدى المتوسط».

كان قرار يوم الخميس هو الأول من نوعه في عهد رئيس البنك المركزي السويسري الجديد، مارتن شليغل، وشهد تسريعاً من سياسة سلفه توماس جوردان، الذي أشرف على 3 تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس هذا العام.

وكان ذلك ممكناً بسبب ضعف التضخم السويسري، الذي بلغ 0.7 في المائة في نوفمبر، وكان ضمن النطاق المستهدَف للبنك الوطني السويسري الذي يتراوح بين 0 و2 في المائة، الذي يسميه استقرار الأسعار، منذ مايو (أيار) 2023.