وزير المالية البريطاني: نتبنى نهجاً براغماتياً للخروج من الاتحاد الأوروبي

النمو يسجل أضعف معدلاته في خمس سنوات

وزير المالية البريطاني: نتبنى نهجاً براغماتياً للخروج من الاتحاد الأوروبي
TT

وزير المالية البريطاني: نتبنى نهجاً براغماتياً للخروج من الاتحاد الأوروبي

وزير المالية البريطاني: نتبنى نهجاً براغماتياً للخروج من الاتحاد الأوروبي

قال وزير المالية البريطاني فيليب هاموند، أمس الجمعة، إن بلاده يجب أن تتبنى نهجا «براغماتيا» في الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي.
وتأتي تصريحات هاموند بعد يوم من انتقادات وجهها إليه زملاؤه في حزب المحافظين لإبلاغه بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يؤدي سوى إلى تغييرات «محدودة جدا».
ومن المقرر أن تخرج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) 2019. لكن هناك انقساما كبيرا داخل حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي وحزبها بشأن نوع العلاقة التي يجب أن تحل محل عضوية بريطانيا التي استمرت 46 عاما.
وقال هاموند للصحافيين، في اجتماع سنوي ضم كبار رجال الأعمال في دافوس بسويسرا «كلما كانت التغييرات التي ستحدث لقدرتنا على الوصول إلى الأسواق وللحركة عبر الحدود أقل كان أفضل».
وأضاف هاموند أن من يعارضون نهجه يظهرون عدم الاحترام لوجهة النظر التي استند إليها قرار الناخبين البريطانيين في يونيو (حزيران) 2016 بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وقال «هناك أشخاص على كل جانب من هذا الجدل لا يؤيدوننا في عزمنا تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي كلفنا به الشعب البريطاني بطريقة براغماتية تحمي الشركات والوظائف البريطانية».
فيما سجل الاقتصاد البريطاني خلال العام الماضي أضعف نسبة نمو له منذ خمسة أعوام. وأعلن مكتب الإحصاءات (أو إن إس) أمس الجمعة أن إجمالي الناتج المحلي للمملكة المتحدة حقق في 2017 نموا بنسبة 1.8 في المائة مقارنة بعام 2016. وأضاف أن هذه هي أضعف نسبة نمو منذ عام 2012 عندما حقق الاقتصاد البريطاني نموا بنسبة 1.5 في المائة. وكان الاقتصاد البريطاني قد حقق نموا بنسبة 1.9 في المائة في عام 2016.
وأفاد تقدير أولي بأن نسبة النمو التي حققها الاقتصاد البريطاني في الربع الأخير من العام الماضي وصلت إلى 5.‏0 في المائة مقارنة بنفس الفترة من 2016، وقال دارين مورجان الخبير في مكتب الإحصاءات إنه «بغض النظر عن التقدم الطفيف في الربع الأخير، إلا أن الصورة الإجمالية تظهر نموا أضعف وغير متكافئ».
وقد أسهمت شركات التصدير وقطاع الخدمات في دعم الاقتصاد خلال الربع الأخير من 2017.
فيما تجدر الإشارة إلى أن الجنيه الإسترليني سجل منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، تراجعا واضحا الأمر الذي أدى إلى رفع معدلات التضخم وإضعاف القوة الشرائية للإسترليني، كما أدت حالة عدم اليقين الناجمة عن خروج بريطانية من الكتلة الأوروبية إلى إحجام الشركات عن ضخ استثمارات.
وقفز الجنيه الإسترليني فوق 1.43 دولار للمرة الأولى منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016 مدعوما بأجواء تفاؤل تحيط بعملية الخروج من الاتحاد وتوقعات متنامية بزيادة في أسعار الفائدة في وقت لاحق هذا العام، وهو ما شجع المستثمرين على زيادة مراكزهم من العملة البريطانية.
ومع استفادته أيضا من موجة مبيعات متزايدة في العملة الأميركية صعد مؤشر الإسترليني إلى أعلى مستوى منذ نهاية يونيو 2016.
وعند أعلى مستوى له في الجلسة قفز الإسترليني بأكثر من 0.5 في المائة مقابل العملة الأميركية إلى 1.4346 دولار، قبل أن يتراجع إلى 1.4276 دولار بحلول الساعة 16:25 بتوقيت غرينتش أول من أمس الخميس.
ويتجه الإسترليني إلى تسجيل أفضل أداء شهري مقابل الدولار في تسع سنوات تقريبا مع قفزة قدرها 6 في المائة منذ بداية يناير (كانون الثاني) الجاري.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.