لا يعرف منع الأفلام دولاً دون أخرى فهو منتشر بين دول متعددة على اختلاف مناهجها السياسية أو الأسباب التي تعتمدها للمنع. هناك نحو 77 دولة أصدرت في مراحل مختلفة من حياتها قرارات منع أفلام بعضها دول لاتينية وأخرى آسيوية غير عربية وثالثة أوروبية. إسرائيل منعت. الولايات المتحدة منعت. الاتحاد السوفياتي أيامه منع وبالطبع دول عربية كثيرة منعت.
والمنع، في الوقت ذاته، ليس جديدا. كذلك لا يعرف المنع أسباباً دون أخرى، فالسياسة تتدخل في فرضه لكنها ليست وحدها. هناك منع لأسباب دينية ومنع لأسباب تعود إلى العنف، وأخرى إلى قضايا عالقة في المحكمة قد تخص حقوق الملكية لم يتم حلها قبل توزيع الفيلم مما تسبب في منعه.
بالتالي، هناك كثير من أسباب وظروف وسياسات المنع لكن النتيجة واحدة، ولو لحين.
عدو غير مُدان
كان 1907 هو العام الذي شهد أول قرار منع في العالم. حدث ذلك في أستراليا وبسبب فيلم بعنوان «قصّة عصابة كَلي» لصاحبه تشارلز تايت. هذا الفيلم هو أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما في أي مكان، وسرد القصّة الحقيقية للخارج عن القانون ند كَلي (1854 - 1880) وكان شاباً من المزارعين نشأ على كراهية القانون ورجال البوليس الذين أودعوا والده في السجن إلى أن مات فيه. ذات يوم يتحرش رجل بوليس بشقيقته فيتصدى له ثم يقرر الانتقام من النظام بأسره لاجئاً وشقيقيه وصديقين لهما للقيام بأعمال نهب قبل أن يتم إلقاء القبض عليه سنة 1880 ومحاكمته وإعدامه. هناك فصل مهم في أحداثه جعلت مشاهديه يقدرون فعل ند كَلي ويتعاطفون معه، وهو المشهد الذي نرى فيه رجال البوليس يحيطون بفندق حطت فيه العصابة ثم يفتحون النار من دون تفريق بين أفرادها وبين الأبرياء فيه. هذا وتحويل البطل إلى شهيد قومي دفع السلطات الأسترالية لمنع عرضه لزمن طويل.
بعد ثماني سنوات أثار فيلم «مولد أمّة» لديفيد وورك غريفيث، الذي دارت أحداثه خلال الحرب الأهلية الأميركية، عواصف عاتية كونه أيد منظمة كوكلس كلان العنصرية المتطرفة في مقابل تصوير السود الأميركيين كخطر يهدد القيم الاجتماعية والأخلاقية. على أن هذا المنع لم يكن قراراً فيدرالياً ما يجعله شاملاً، بل محلياً تداولته مدن دون أخرى من بينها شيكاغو ولاس فيغاس وولايات معينة من بينها ولايتا أوهايو وكانساس.
في الثلاثينات والأربعينات كانت هناك أفلام أخرى جرى منعها في الولايات المتحدة ولو إلى حين من بينها Scarface لهوارد هوكس لأنه «يلمع صورة المجرمين» كما جاء في القرار الذي تم نقضه فشهد الفيلم عروضه الكاملة سنة 1938. وبعد سبعة أعوام تم منع فيلم لفريتز لانغ بعنوان «شارع قرمزي» (مع إدوارد ج. روبنسون في البطولة) بسبب خلوّه من مضامين تدين الجريمة ونهاية لا تصوّر المجرمين وقد واجهوا العقوبات المفترضة.
كان هذا كذلك وضع أفلام بوليسية كثيرة في الثلاثينات، بينها عدة أفلام أنتجتها وورنر في مطلع العقد من بطولة جيمس كاغني من أهمها «العدو العام» (The Public Enemy). هذه الأفلام لم تُصادر لكن قراراً صدر بالطلب من هوليوود بعدم تحويل المجرمين إلى أبطال. بعد ذلك شاهدنا كاغني وهو ينهار خوفاً من الموت في «ملائكة بوجوه متسخة» (1938).
ممنوع لأسباب دينية
كل ما منع في الولايات المتحدة سمح به في عام المنع ذاته بعدما تمسك أصحاب الأفلام بالنصوص الدستورية التي تجيز حرية الرأي. لذلك فإن ما يبقى ماثلاً هو فعل المنع وليس سببه أو تأثيره. هذا وحده يسير عكس الكثير من الدول الأخرى التي تلتزم بقرار المنع للأبد أو تتراجع عنه بعد سنوات عدة. وسنفاجأ بكم شكلت الرقابة هاجساً حتى في دول غربية أخرى من بينها إسرائيل ذاتها التي كانت منعت، سنة 1965، فيلماً من سلسلة أفلام جيمس بوند، هو «غولدفينغر»، لأنه شرير الفيلم الأول (الألماني الراحل غيرت فروب) كان أدرج على أساس أنه كان متعاطفاً مع النازية.
كذلك تم منع فيلم «أوليفر تويست» المقتبس عن رواية تشارلز ديكنز والذي أخرجه ديفيد لين سنة 1948 بسبب أن صورة اليهودي في الفيلم كانت «معادية للسامية». هذا المنع كان أول قرار من نوعه في إسرائيل. والسبب الديني أيضاً وقف وراء منع «العشاء الأخير للمسيح» (لمارتن سكورسيزي، 1988). وفي عام 2004 تم منع «جنين، جنين» لمحمد بكري بتهمة الإساءة إلى المجتمع الإسرائيلي بسبب مشاهده المعادية للهجوم على مخيم جنين. بعد عدة أشهر صدر قرار بالتراجع عن ذلك المنع.
وفي حين أن أكثر فيلم تم منعه من العرض في الدول الإسلامية (عربية وغير عربية) في الآونة الأخيرة كان «نوح» للأميركي دارن أرونوفسكي (2014) فإن أكثر الأفلام ذات المعالجات الدينية التي تكرر منعها في الدول الغربية كافة خلال حقب متوالية هو «اليهودي سوس» الذي قام بإخراجه فيت هارلان سنة 1940 بمباركة من وزير البروباغاندا الألماني جوزف غوبلز. الفيلم يسرد حكاية حدثت وقائعها الفعلية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين عندما تسلل اليهود إلى بلاط الدوق الألماني كارل ألكسندر وسعوا لاستحواذ القوّة الاقتصادية وكسب ثقة الدوق وابتزازه معاً حسب ما يروي الفيلم.
المثير للملاحظة هنا أن المؤلف نفسه، ليون فيوختوانغر، كان يهودياً كذلك منتج الفيلم لاحقاً (أوتو ليمان). أيضاً حقيقة أن الفيلم الذي منع سنة 1945وما زالت النسخة الأولى منه ممنوعة من العرض العام إلى اليوم (هناك نسخة مقبولة بعدما تم وضع مقدمة تعلن ظروف إنتاج الفيلم وأنه معالج من وجهة نظر معادية للسامية) شهد عروضاً عربية تسللت في الستينات إلى مصر ولبنان والعراق قبل أن تختفي مجدداً.
بالنسبة لدول مثل الاتحاد السوفياتي وبلغاريا وألمانيا الشرقية وبولندا وسواها فقد شمل قانون المنع نوعين من الانتاجات: الأفلام المستوردة وتلك المنتجة محلياً. هذه الأخيرة كانت لها مواصفاتها المحددة: عليها ألا تخلد شخصيات قومية في الفترة السابقة للحكم الشيوعي، وعليها أن تبتعد عن الحكايات المحتفية بالثقافات القومية والدينية طالما أنها لا تنضوي على دعاية لرعاية النظام الشيوعي لها، و - بالتالي - أن تكون أداة دعائية للداخل والخارج حول حسنات ومحاسن ذلك النظام.
بذلك كان أفضل مخرجي الاتحاد السوفياتي من بين أكثرهم مواجهة لمصاعب العمل. فمعظم ما حققه أندريه تاركوفسكي ووجه بصد رقابي نتج عنه إما المنع أو العرض المحدود (بما في ذلك «أندريه روبلوف» سنة 1967 حيث جاء في قرار المنع «لأنه عمل فني تحت نظام طاغ». كذلك كان حال المخرج سيرغي بارادجانوف (صاحب«عاشق كريب» و«ظلال جدودنا المنسية» وحال المخرجة لاريسا شوبتكو التي واجهت الرقابة أكثر من مرّة آخرها سنة 1977 عندما أخرجت «صعود» حول جندي روسي تعاون مع العدو الألماني عندما ألقي القبض عليه.
تابو من نوع آخر؟
* الممثل إدريس ألبا يشير إلى أن وجود «تابو» من نوع آخر مستتر. في تصريح له يوم أمس الخميس ذكر أن الوقت «حان لقيام رجل أسود للعب شخصية جيمس بوند» وأضاف: «جيمس بوند قد يكون امرأة سوداء أو حتى امرأة بيضاء. ما اعتقده أن المشاهد بات يرغب من منتجي هذه السلسلة فعل شيء مخالف للتوقعات».
كان إلبا قد نفى سابقاً أنه تلقى عرضاً للقيام بتمثيل شخصية جيمس بوند، لكنه عبر كذلك عن أنه لا يمانع في ذلك.