دعوات لمقاطعة الانتخابات في العراق بعد رفض التأجيل

مرجع شيعي يفتي بحرمة المشاركة والبعض يعتبرها موقفاً شخصياً

TT

دعوات لمقاطعة الانتخابات في العراق بعد رفض التأجيل

على الرغم من انتهاء الجدل حول موعد إجراء الانتخابات بعد أن حكمت المحكمة الاتحادية بوجوب إجرائها في موعدها المقرر في 12 مايو (أيار) المقبل، فإن الجدل حول موضوع الانتخابات عموماً ما زال قائماً، وحلّت في الأيام الأخيرة دعوات بمقاطعة الانتخابات محل المطالبات السابقة بتأجيلها. ولعل اللافت في موضوع المقاطعة الحالي، هو أنه صدر عن جهات شيعية، سواء على مستوى رجال الدين أو ناشطين وفاعلين في الحقل الثقافي، في وقت كان دعوات من هذا النوع تصدر عن جهات سنية كما حدث في الدورات الانتخابية الأولى بعد عام 2003.
وأصدر رجل الدين الشيعي فاضل المالكي، أول من أمس، فتوى حكم فيها بـ«وجوب مقاطعة هذه الانتخابات بل وحرمة الحضور في مراكزها ولو لشطب الاستمارة».
وقال المالكي في بيان صادر عن مكتبه وتداولته وكالات أنباء محلية إن «عصابات الاحتلاليين (في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإيران على ما يبدو) ستتخذ من ذلك الحضور غطاءً لتزويرها (الانتخابات) وبذلك يكون الحاضر سبباً في تمكينهم من رقاب العراقيين المغلوب على أمرهم وشريكاً لهم في خيانتهم وآثامهم وإجرامهم»، وخاطب المالكي المواطنين بالقول: «إياكم (يا أهلي الطيبون) أن تُخدَعوا مرة أخرى بهم أو بفتوى من يفتي لهم من وعاظ السلاطين الذين كانوا وما زالوا رافعة سلام للمحتلين وأذنابهم من العملاء والمستوطنين وذلك هو الكيد المبين».
وفي موقف مماثل، دعا المرجع الديني جواد الخالصي، إلى مقاطعة الانتخابات وحل البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، من «أجل إدارة عملية سياسية نزيهة بعيداً عن سلطة السفارات الأجنبية» على حد قوله.
وقال الخالصي في حوار مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية: «في حالة لم نضمن حلا لتغيير الوضع في البلاد، فلماذا يذهب المواطنون إلى الانتخابات ويعطون شرعية للسياسيين في بقائهم واستمرار الوضع على ما هو عليه؟!»، مشدداً على أن «المطلوب من المواطنين بشكل قطعي هو عدم ذهابهم إلى الانتخابات لإجبار السياسيين على الاشتراك مع نخب المجتمع في إيجاد بديل وطني وعملية سياسية نزيهة لا تدار من قبل السفارات الأجنبية».
ولعل الموقفين اللذين عبر عنهما الشيخان المالكي والخالصي، لا يمثلان مفاجأة جديد في إطار المواقف المعروفة لكل منهما، إذ عرف الاثنان بمواقفهما المناهضة للعملية السياسية منذ سنوات طويلة، لكن المفاجأة أتت من دعوات للمقاطعة وجهتها جهات وناشطون مدنيون وإعلاميون.
ويرى الشاعر والإعلامي زاهر موسى المؤيدة لفكرة المقاطعة، أنها «مجرد مواقف شخصية خالية من أي معطى سياسي، وهي احتجاج صامت ويمكن اعتباره إضراباً لا أكثر ولا أقل».
ويقول موسى لـ«الشرق الأوسط»: «الناس تسعى إلى إرسال رسالة مفادها أن الغضب بلغ أشده واليأس من الطبقة السياسية بات باباً إلى العدمية».
بدوره، يرى العضو السابق في مفوضية الانتخابات المحامي عادل اللامي أن «مَن يشجع على مقاطعة الانتخابات هم إقطاعيات الأحزاب الفئوية لكي يستمروا مسلّطين على رقاب الشعب».
ويقول اللامي لـ«الشرق الأوسط»: «إذا امتنعت الأغلبية عن المشاركة، فستفعل الأقلية المؤيدة لهذا الحزب أو ذاك لأنها مرتبطة معها بشبكة مصالح أوجدتها عمليات التوظيف للأشخاص التي قامت بها تلك الأحزاب، وهذه الأقلية ستكون متحمسة للتصويت خدمة لجهتها السياسية».
وبرأيه فإنه من «الخطأ التذرُّع بموضوع فشل الكتل السياسية وإخفاقها في إدارة البلاد، لأن الامتناع عن الانتخابات سيكرس حالة الفشل هذه، ويبقي الماسكين في السلطة لدورة انتخابية لاحقة».
ويلفت اللامي إلى عدم وجود نسبة فشل محددة تكون ذريعة لإعادة الانتخابات فلو «اشتركت 10 في المائة فقط في الانتخابات لاعتبرت نتيجتها نافذة، بمعنى لو اشتركت الجمهور الحزبي فقط رغم نسبته القليلة لاعتبرت نتائج الانتخابات صحيحة، لذلك المقاطعة غير مفيدة أبداً».
من جانبه، يرى المترجم والصحافي قيس العجرش وهو أحد المنادين بمقاطعة الانتخابات، أن المقاطعة «موقف سياسي ولا يصح النظر إليه على أنه معادٍ للعملية السياسية».
ويقول العجرش لـ«الشرق الأوسط»: «لن أنتخب وأتمنى أن تنخفض نسبة المشاركة لأن الهدف من أي عملية سياسية يجب أن يكون البحث عن سكة توصل إلى ديمقراطية أفضل الممكنات. أما ما يحدث في العراق فهي ديمقراطية تعفنت أجزاء منها، ورغم هذا هناك من (يدلق) عليها العطور ليثبت لنا أنها ما زالت تستحق التسمية».
ويرى العجرش أنه وفي جميع الانتخابات السابقة تظهر الولايات المتحدة وتلعب دور الضاغط باتجاه إقامة الانتخابات تحت أي ظرف كان، ومهما كانت الشروط المتوفرة، «فقط لتخبر العالم أن مشروعها في العراق يمشي بالاتجاه الصحيح. المقاطعة ستكشف بالضرورة للعالم أن المشروع قد فشل».
ويلفت إلى أن المقاطعة «ستشكل ضغطاً على الولايات المتحدة أولاً من أجل أن تكفَّ عن دعم اللصوص للوصول إلى السلطة في العراق».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».