أسواق غزة بلا بضائع ولا مشترين

إضراب تجاري في القطاع احتجاجاً على تدهور الظروف الاقتصادية

فلسطينية في أحد شوارع غزة وقد بدت المحلات مغلقة خلال ساعات الإضراب (أ.ف.ب)
فلسطينية في أحد شوارع غزة وقد بدت المحلات مغلقة خلال ساعات الإضراب (أ.ف.ب)
TT

أسواق غزة بلا بضائع ولا مشترين

فلسطينية في أحد شوارع غزة وقد بدت المحلات مغلقة خلال ساعات الإضراب (أ.ف.ب)
فلسطينية في أحد شوارع غزة وقد بدت المحلات مغلقة خلال ساعات الإضراب (أ.ف.ب)

شل أصحاب المحال والمنشآت التجارية والمؤسسات الاقتصادية المختلفة، بما فيها البنوك، الحياة العامة في قطاع غزة، أمس، ونفذوا إضرابا شاملا، احتجاجا على الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع، ووصفت بالأسوأ منذ الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على القطاع منذ نحو 12 عاما على التوالي.
وأغلقت المحال والمؤسسات الاقتصادية أبوابها، بعد دعوة مسؤولين في الغرفة التجارية لتنفيذ الإضراب بهدف «تنبيه المسؤولين الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية والفصائل وغيرها من المؤسسات الدولية، للوضع المأساوي الذي وصلت إليه الظروف بغزة».
وشهد قطاع غزة في الأشهر الثلاثة الأخيرة ظروفا حياتية واقتصادية صعبة وغير مسبوقة، حيث تراجعت الأوضاع إلى أسوأ مراحلها، وخلت الأسواق من البضائع، نتيجة عزوف المواطنين عنها، وعدم قدرة التجار على توفير السلع أيضا.
وأطلق وليد الحصري، نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية الفلسطينية، خلال مؤتمر صحافي، نداء عاجلا كصرخة أخيرة لكافة المسؤولين والجهات، لإنقاذ القطاع من الأوضاع الاقتصادية والمعيشة الكارثية التي يمر بها، ووصل إلى نقطة الصفر.
ووجه الحصري النداء إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأمم المتحدة، واللجنة الرباعية، والمؤسسات الدولية، وأحرار العالم، وقادة الفصائل، للإسراع بإنقاذ غزة من الوضع الكارثي والمأساوي.
وقال الحصري: «إن مؤسسات القطاع الخاص في غزة تتعرض لحصار قاس منذ عام 2007، ترافق مع إغلاق تام للمعابر و3 حروب دامية». وأشار الحصري إلى انعدام القدرة الشرائية خلال الأشهر الأخيرة على مستوى كافة القطاعات الاقتصادية، ما أدى إلى نقص في السيولة النقدية الموجودة بغزة إلى أدنى مستوى خلال عقود.
وحذر الحصري من انفجار الأوضاع، نتيجة هذه الأوضاع التي تسببت في إغلاق كثير من المؤسسات والمحال التجارية أبوابها.
وطالب الحصري بضرورة تنفيذ خطة إنقاذ اقتصادية وطنية، وإنشاء صندوق إقراض إغاثي عاجل، لدعم القطاعات الاقتصادية والمشروعات الصغيرة والمنهارة. داعيا كذلك إلى ضرورة العمل على تسريع تفعيل برامج تشغيل البطالة المؤقت، لتخفيف حالة الإحباط المتفشية لدى المواطنين.
واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء تجار في أسواق القطاع، حذروا من أن الظروف الحالية قد تزداد سوءاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وهدد بعضهم بأن يذهب لإعلان الإفلاس نتيجة الظروف الصعبة.
وقال التاجر سمير الشرفا، أحد تجار الملابس في قطاع غزة، إنه منذ ثلاثة أشهر وغزة والوضع في تراجع مخيف، مشيرا إلى أنه يفكر جديا في الاستغناء عن بعض العاملين لديه لانعدام الدخل المادي في المحلات التي يملكها، والتي لا تجلب قوت يومه.
ويوجد لدى الشرفا 23 عاملا في 3 محال بمدينة غزة، ويتحصل كل عامل منهم على 800 شيقل شهريا (ما يعادل 220 دولارا فقط).
وقال الشرفا: «مع استمرار هذا الوضع لا يمكن تغطية رواتبهم».
ولفت الشرفا إلى تراجع الدخول في المحلات التي يملكها إلى أقل من 15 دولارا في اليوم، مضيفا: «هذه لا تكفي لإعالتي وأسرتي، إلى جانب احتياجات المحال يوميا من كهرباء ومياه وإيجار سنوي وغير ذلك».
وأمام هذا الوضع امتنع الشرفا عن شراء واستيراد أي بضائع جديدة. وهذا ما لجأ إليه أحمد فرج تاجر المواد الغذائية. وقال فرج إنه أوقف كثيرا من الشاحنات التي كان ينوي شرائها من الجانب الإسرائيلي لإدخالها إلى غزة وبيعها في الأسواق.
ولفت فرج إلى أن هناك تجارا كبارا لا يستطيعون شراء المواد الغذائية والأساسية المختلفة منه، بسبب عدم قدرتهم على تسديد أثمانها، في حين أن بعض التجار يتجهون لشراء ما نسبته 40 في المائة مما كانوا يشترونه قبل 3 أو 4 أشهر.
وقال فرج: «لا يشتري الناس، فلا يجد التجار مالا ليشتروا كذلك. كل شيء يتدهور».
وانخفضت نسبة الشاحنات التجارية التي تدخل قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد في قطاع غزة مع الجانب الإسرائيلي، من 1000 شاحنة تجارية يوميا إلى نحو 350 شاحنة فقط، بناء على طلب التجار الفلسطينيين في قطاع غزة.
ويقول إبراهيم عماد، الموظف في السلطة الفلسطينية، إن كل ما يتحصل عليه الموظف بعد الخصومات المفروضة عليهم منذ 8 أشهر لا يكفي لدفع إيجار المنزل وتوفير بعض الاحتياجات الأساسية المهمة جدا.
وأضاف عماد (51 عاما) أن «الظروف الحياتية دخلت في مرحلة الموت السريري، غزة تعيش في أحلك أيامها منذ أكثر من 12 عاما، لمجرد فقط أن سكانها يريدون العيش بحرية وكرامة وبأدنى متطلبات الحياة».
أما نسرين صافي (47 عاما)، فلا تجد قوت يومها، وتقول إن نجلها الأكبر خالد، يعمل بعقد عمل مؤقت لمدة 6 أشهر في مؤسسة خاصة، ولا يكاد راتبه الذي يصل إلى 250 دولارا يكفي لتوفير بعض احتياجات منزلهم.
ويرجع مراقبون تدهور الوضع الاقتصادي في غزة إلى سلسلة من الأسباب. وقال المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن العقوبات الاقتصادية الأخيرة على غزة أثرت بشكل كبير جدا على الوضع القائم، في ظل الحصار والحروب المتراكمة.
ورأى أبو قمر أن الحل يكمن في «توفير السيولة المالية»؛ لكنه يستدرك: «هذا معدوم بسبب خروج العملة من القطاع لأغراض الاحتياجات واستيراد البضائع الاستهلاكية وانعدام التصدير».
وأضاف: «لذلك، المطلوب الضغط من أجل إدخال المواد الخام وافتتاح المصانع وتصدير السلع، وإعادة الرواتب كاملة للموظفين، كخطوة مهمة في هذا الإطار».
وفي ظل التقارير الحالية عن غزة، تشهد إسرائيل جدلا داخليا بين أروقة المستويين السياسي والعسكري بشأن التعامل مع قطاع غزة، وسط تحذيرات من مسؤولين أمنيين كبار من أن الظروف المتدهورة بقطاع غزة قد تتسبب في تفجير للأوضاع، تصعب السيطرة عليه.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين في أجهزة الأمن الإسرائيلية قلقهم من أن الوضع الاقتصادي بقطاع غزة على وشك الانهيار، وأن الاقتصاد في غزة أصبح منهارا تماما؛ حيث وصفوا الوضع بأنه «أشبه بالسقوط من الصفر إلى ما دون الصفر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».