بين الغرابة والإنسانية... مواقف في جولة البابا بأميركا اللاتينية

يرفض ركوب السيارات الفارهة ويبارك زواجاً في الجو

بين الغرابة والإنسانية... مواقف في جولة البابا بأميركا اللاتينية
TT

بين الغرابة والإنسانية... مواقف في جولة البابا بأميركا اللاتينية

بين الغرابة والإنسانية... مواقف في جولة البابا بأميركا اللاتينية

تعرض بابا الفاتيكان فرنسيس خلال زيارته السادسة لأميركا اللاتينية والتي شملت تشيلي ولأول مرة دولة بيرو، إلى مواقف عدة بين الطرفة والغرابة، وذلك خلال برنامج طغى عليه الطابع السياسي.
وتوجه البابا في عظته إلى سكان هذه المنطقة التي عانت كثيرا من التغيرات المناخية، وقال لهم: «لقد عانيتم كثيرا من ظاهرة النينيو الرهيبة والتي لا تزال تداعياتها المؤلمة تطول كثيرا من العائلات، وخصوصا تلك التي لم تتمكن حتى الآن من إعادة بناء منازلها. لهذا السبب جئت إلى هنا لأصلي معكم».

كما دعا البابا فرنسيس اول من أمس (الجمعة) إلى مكافحة «فيروس الفساد»، في خطاب ألقاه في قصر الحكومة أمام السلطات السياسية والجماهير هناك، وهذه أبرز المواقف التي واجهت البابا.

* مباركة زواج على الطائرة
في سابقة على الطائرة البابوية، عقد بابا الفاتيكان (الخميس) الماضي، مراسم زواج مضيف ومضيفة على ارتفاع 36 ألف قدم، وذلك خلال رحلته بين مدينتين في تشيلي.
وتقدمت المضيفة باولا بودست رويز (39 عاماً) إلى البابا وأخبرته بأنها أقامت مراسم زواج مدني مع زوجها كارلوس سويفاردي ألوريجا (41 عاماً) قبل 8 أعوام، وأنهما كانا يجهزان بعدها لحفل زفاف كنسي، لكنه ألغي بسبب تضرر كنيستهما في سانتياغو بزلزال عام 2010.
وطلب الاثنان من البابا أن يبارك زواجهما، لكن البابا أجرى مراسم زواج موجزة في مقدمة طائرته، وشهد عليها رئيس شركة الطيران، إغناسيو سويتو، الذي كان على متن الرحلة.

* يطمئن على شرطية
في موقف إنساني، أمر البابا فرنسيس سائق عربته بالتوقف بعد أن سقطت شرطية من قوة الخيالة التشيلية عن ظهر حصانها، الذي هاج مع مرور موكب البابا.
ونزل البابا من السيارة ووقف للاطمئنان على حالتها، وتبادل معها الحديث إلى أن وصلت سيارة إسعاف لنقلها، في حين قال مسؤولون إن إصاباتها ليست خطيرة.

* حادث غير متوقع
لدى سير موكبه على الطريق المؤدية إلى مطار ليما في بيرو، فرغ إطار سيارة البابا فرانسيس من الهواء. وتوقف الموكب وعرضت شاشات التلفزيون لقطات للبابا وهو ينزل بهدوء من سيارة من طراز «فيات 500»، بينما أخذ حراسه يفحصون الإطار، ثم ركب البابا سيارة سوداء خاصة بالأمن كانت خلف سيارته واستأنف رحلته إلى قصر الرئاسة.
ويحجم البابا عن استخدام السيارات الفارهة المصفحة التي كان يستخدمها أسلافه، مفضلاً ركوب سيارات بسيطة، سواء في روما أو في رحلاته الخارجية.

* مواقف سياسية
وقد توجه البابا (السبت) في أول زيارة إلى منطقة الأمازون، وترأس أول قداس في الهواء الطلق في بيرو. واختار شاطئاً يتسع لنصف مليون شخص في بلدة وانشاكو التاريخية.
وكان البابا دافع يوم الجمعة عن هذه «الرئة الخضراء» للأرض أمام آلاف السكان الأصليين، قبل أن يلتقي السلطات السياسية للبلاد في العاصمة ليما.
وانتهز الفرصة أيضاً ليتجول بسيارته (باباموبيل)، ويحيي الحشود التي تجمعت في أجواء حماسية.
واستقبل البابا بأهازيج ورقص فولكلوري لشعوب الأمازون الذين ارتدوا لباسهم التقليدي، واستمع إلى كلمات عدة من سكان أصليين تحدثوا عن تهديدات لأراضيهم.
وندد البابا بـ«الضغوط القوية التي تمارسها المصالح الاقتصادية الكبرى الطامعة في النفط والغاز والخشب والذهب والزراعات الأحادية الغذائية الصناعية» وبالسياسة الحمائية لبعض الدول التي «تستولي على مساحات كبرى من الأراضي وتجعل منها وسيلة تفاوض». ودعا إلى حوار بين الكنائس الأمازونية المحلية والسكان الأصليين.



التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
TT

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)

كانت على الدوام فنانة، تتمدَّد كمَن يُراقب الكون، وتحلُم. ألحَّ شعورٌ بالانسلاخ عن العالم والبحث المرير عن شيء مفقود تُطارده ويهرُب. فضَّلت التشكيلية اللبنانية زينة الخليل العزلة. طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر: «مَن أنا وما معنى الحياة؟». تعجَّبت لانشغال رفاق الصفّ باللعب دون سيطرة الهَمّ. «لِمَ يلهون ولا ألهو؟»، تساءلت. تأمّلت من دون أن تدري ماهية التأمُّل، وفكَّرت في الوجود من دون علمها بأنها الفلسفة.

ولمَّا رسمت؛ فوجئت: «آه، إنني أرسم! لا أدري كيف ولكنني أرسم! أستطيع نقل الأشياء إلى الورق. ذلك يُشعرني ببهجة». الرسم ضمَّد جراح العقل. وجَّه طاقتها نحو شيء آخر غير البحث المُنهك عن شرح. ومن هنا بدأت.

من التأمُّل والتفكير في الوجود رسمت للمرة الأولى (زينة الخليل)

تُخبر الفنانة زينة الخليل المقيمة في لندن «الشرق الأوسط» أنّ نشأتها في أفريقيا أتاحت الوقت الكافي للتفكير. شدَّتها الطبيعة، وراحت تشعر برابط بين الجسد الإنساني والأرض. وبالصلة بين جبّارين: الروح والتراب. تقول: «عبر النجوم والأشجار، حدث اتصالي مع الوجود. بالتأمّل والرسم، كتبتُ الفصل الأول من حياتي».

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي (زينة الخليل)

عام 1994 عادت إلى لبنان. كانت مدافع الحرب الأهلية قد هدأت، مُتسبِّبةً بعطوب وبرك دم: «كنتُ في الـ18 حين شعرتُ بأنّ شيئاً يجرُّني للعودة ويقذفني نحو بلدي المُثقل. أتيتُ وحيدةً، وعائلتي في نيجيريا. اليوم أتفهّم عمق العلاقة بالأرض والطاقة. تلك التي لاحت في الطفولة ولم أستقرّ على تعريف لها. جسَّدها شعور تجاه صخرة أو شجرة أو ورقة تتساقط. الصوت الذي ناداني للعودة، سمعتُه جيداً. لم أقوَ على صدِّه. ورغم هواجس العيش على أرض هشَّمتها الحرب، اخترتُ المجيء».

طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر وألهمها الرسم (زينة الخليل)

الفنّ عند زينة الخليل ليس للنفس فقط، وإنما للآخرين. وفي وقت واجهت التجارب القاسية في بلد شهد عقدين من احتدام المعارك، شعرت، بكونها امرأة، بالاعتداء المستمرّ عليها. مسلّحون يتجوّلون ومظاهر تفلُّت. ذلك يفسِّر ميل أعمالها المُبكرة إلى «النسوية المُفرطة»: «أردتُ إيجاد مكاني بوصفي امرأة والنضال للشعور بالأمان. لم أجسِّد الحركة النسوية المألوفة التي شهدتها أوروبا وأميركا آنذاك. مواجهة الميليشيا والإحساس بالخطر الفردي جعلا نسويتي تتجاوز حيّزها. راحت أعمالي تنتقد الحرب والأسلحة. وضعتُ فنّي بمواجهة هذه الإشكالية: هل حقاً يحتاج الإنسان إلى سلاح لإثبات نفسه؟».

الرسم ضمَّد جراح العقل (زينة الخليل)

ولمحت مُحرِّك العنف ومؤجِّجه: «البشر والدول يتقاتلون حول الموارد والثروات. العناوين الأخرى، منها الأديان، ذريعة. أدخلتُ مادة البلاستيك في أعمالي لإدراكي قوة العلاقة بين المُستهلك والمعركة. البلاستيك مصنوع من النفط، والنفط يُشعل الحروب. تجرَّد الإنسان من الحسِّ وأصبح العالم مُجمَّعاً تجارياً ضخماً. بتبنّي (الكيتش) في الرسم، سجّلتُ موقفي ضدّ تغليب القوة والحلول السريعة على وَضع استراتيجيات السلام. طغى اللون الزهريّ على رسومي مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى. شكَّل فنّي محاكاة للعبة الباربي بصورتها النمطية وما مثّلته من سطحية وانعدام العمق».

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة (زينة الخليل)

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة. لسنوات واصلت الفنانة تبنّي هذا الأسلوب وبه عرفت. وباندلاع حرب 2006 في لبنان، تحوَّلت إلى تدوين الأحداث، وإنما الرغبة بمواصلة الرسم تأجَّجت: «دوري ناشطةً ومدوّنةً لم يُشبع نهمي. وذات يوم، عشتُ تجربة صوفية لا أملك شرحها. كأنني عدتُ إلى زينة في أفريقيا والرابط بين الوجود والإنسان. البعض يسمّيه النداء الروحي. فجأة، لم يعُد عالم المادة مهماً، وشعرتُ بحبل في داخلي يُقطَع. غمرني الشعور بألم الأرض، فلم أجد منزلاً لي. مسقطا أمي وأبي، كلاهما تألّم بتداعيات الحروب. سمعتُ نداء الأرض: (تعالي لنُشفى معاً!). كأنني كنتُ أتعرّف إلى وجعي من أوجاعها. كان نداء عميقاً. أمضيتُ الوقت في تلمُّس التراب. شعوري بأنني لستُ في منزل؛ لا أنتمي، ولا أعرف مَن أنا، جرَّ فنّي إلى مكان آخر. رسمتُ ولم أدرك ماذا أرسم. أجريتُ مراسم لشفاء الأرض، فأشعلتُ النار من أجلها ورفعتُ الصلاة. سألتُ الطاقة أن تتبدَّل. والأشياء العالقة في الكون أن تتّخذ مجراها. مثل مَن ماتوا بلا دفن لائق، وبلا جنازة ووداعات. طاقة هؤلاء ظلَّت عالقة. لم تحدُث المصالحة بعد الحرب. بزيارتي الأماكن حيث حلَّت مجازر، وإشعالي النار، حَدَث التواصل. كأنني أقول للموتى الذين أرسم أرواحهم بأنني هنا؛ أراكم وأعترف بكم. أنتم منسيّون بجميع الطرق. الدولة لم تعترف بكم، لم تُؤبَّنوا. أنا هنا لأراكم وأكون شاهدة. بهذا بنيتُ اتصالاً فريداً مع لبنان».

طغى اللون الزهريّ مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى (زينة الخليل)

أرادت لفنّها التصدّي للعنف، فوظَّفت رماد النار التي أقامتها للمراسم مادةً للرسم. أنجزت مجموعات بتلك المادة السوداء ومن الحبر. وبدل الفرشاة، فضَّلت الأقمشة. بالكوفية مثلاً، لمست وحدة الشعوب، فأدخلتها في لوحاتها: «كل حفل شفاء أردتُه لنفسي وللبنان وللشرق الأوسط والكون. غمّستُها بالحبر ورسمتُ بها لنحو 10 سنوات. في الهند، درستُ الروحانيات ولمستُ اختفائي. الرسوم تتحوّل انعكاساً لروحي، كما أنّ روحي تُغذّي فنّي، فيتكاملان تماماً».

وظَّفت رماد النار التي أقامتها لمراسم الشفاء مادةً للرسم (زينة الخليل)

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي. الألم أحياناً يختار المرء؛ يتعرّف إليه. ولا ينتظره. يُناديه ليخطَّ مساره. تقول: «بعد انفجار بيروت عام 2020، شاهدتُ الدخان والتصدُّع. سرتُ على شوارع يفترشها الزجاج. في تلك اللحظة، تجمَّد الزمن كأنه سينما. بحركة بطيئة، رأيتُ انهيار جانب ضخم من سقف منزل، ووجوهاً مُدمَّاة، وهلعاً. فكّرتُ أنها الحياة. كفَّ الوقت عن التحلّي بأي معنى. لمحتُ التقبّل المريع لفكرة أنّ العنف جزء من الوعي الإنساني. هنا شعرتُ بأنني فكرة تأتي وتعبُر. أو لحظة ونَفَس. جسدٌ مُعرَّض لانتهاء تاريخ الصلاحية، وجوهر واحد يُعبِّر عن نفسه بمليارات الطرق. فنّي إعلان للسلام الداخلي ولحقيقة أننا مُنتقلون. ألم الانسلاخ هو الأقسى. في موضع إحساسنا بالانفصال عن الكون، عن الهوية، وعن الفردية؛ تبدأ رحلة الشفاء».