البرلمان التونسي يناقش مشروع قانون لوقف مسلسل الاحتجاجات

جانب من المظاهرات الاجتماعية التي عرفتها العاصمة التونسية احتجاجاً على غلاء المعيشة (أ.ب)
جانب من المظاهرات الاجتماعية التي عرفتها العاصمة التونسية احتجاجاً على غلاء المعيشة (أ.ب)
TT

البرلمان التونسي يناقش مشروع قانون لوقف مسلسل الاحتجاجات

جانب من المظاهرات الاجتماعية التي عرفتها العاصمة التونسية احتجاجاً على غلاء المعيشة (أ.ب)
جانب من المظاهرات الاجتماعية التي عرفتها العاصمة التونسية احتجاجاً على غلاء المعيشة (أ.ب)

واصل البرلمان التونسي أمس النظر في مشروع «قانون الأمان الاجتماعي»، الذي عرضته الحكومة لامتصاص غضب المتظاهرين، ووقف مسلسل الاحتجاجات التي عرفها الشارع التونسي لعدة أيام احتجاجاً على الزيادات في الأسعار وغلاء المعيشة.
وناقش أعضاء اللجنة البرلمانية المكلفة الصحة والشؤون الاجتماعية، محتوى هذا القانون، الذي جلب للحكومة انتقادات عدة، حيث أوضحت مباركة عواينية، النائبة عن الجبهة الشعبية المعارضة، أن تقدم الحكومة بهذا المشروع يبرر في جانب كبير الاحتجاجات الأخيرة، الناجمة عن غياب الأمان الاجتماعي، على حد تعبيرها، مبرزة أن الحكومة رفضت مقترح الرفع من منحة العائلات المعوزة عند مناقشة قانون المالية لسنة 2018، غير أنها وافقت تحت ضغط الاحتجاجات على زيادة مبلغ 30 دينار تونسي (نحو 12 دولاراً) لتك المنحة.
بدوره، قال عمر بن سالم، النائب عن حزب النداء، إن القضاء على الفقر مهمة مستحيلة، لكن الحكومة وكل الأطراف المعنية تعمل على التقليص منه. وطالب الحكومة بإقرار إجراءات شجاعة، وعدم الخوف من الذين يهاجمونها ويشوهون خياراتها، على حد قوله.
من جانبه، قال محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية، إن «استجابة الحكومة لضغوط الشارع يحسب لها وليس عليها، وقانون الأمان الاجتماعي ليس مستحدثاً، بل إن الحكومة شرعت في إعداده منذ سنة».
يذكر أن قانون «الأمان الاجتماعي»، الذي عرضته الحكومة، يقضي بأن يتمتع نحو 628 ألف عاطل عن العمل بالتغطية الصحية المجانية في جميع المستشفيات العمومية، بداية من الأول من أبريل (نيسان) المقبل بمعدل ثلاث مرات في السنة، والرفع في المنحة الموجهة لفائدة 250 ألف عائلة معوزة، من 150 ديناراً تونسياً إلى 180 ديناراً كحد أدنى، و240 ديناراً كحد أقصى.
من جهة ثانية، تسبب تعيين حزب النداء، المتزعم للائتلاف الحكومي، لاثني عشر عضواً في حكومة يوسف الشاهد، وأربعة من مستشاري الرئيس الباجي قائد السبسي، للإشراف على التنسيقيات الخاصة بالانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في السادس من مايو (أيار) المقبل، في موجة من الرفض والاحتجاج، بسبب ما عدوه تداخل مهام أعضاء الحكومة، المفترض أن يكونوا محايدين، مع العمل السياسي الحزبي، وهو ما يمثل خطراً على العملية السياسية، وحذر المحتجون من استغلال النفوذ وإمكانات الدولة في الحملة الانتخابية البلدية، مما قد يؤثر لاحقاً على نتائج الانتخابات.
لكن حزب النداء دافع عن اختياراته الأخيرة، إذ قال المنجي الحرباوي، المتحدث باسم الحزب، إن «المنسّقين الجهويين المعيّنين حديثاً للإعداد للانتخابات البلدية هم في الأصل قيادات بالحركة، وأغلبهم أعضاء بالمكتب التنفيذي وبالهيئة السياسية، وتوليهم لمهام لا ينفي عنهم صفاتهم الحزبية وانتماءهم السياسي، ولا أدوارهم داخل حزبهم، والواجب يدعوهم دائماً للمشاركة مع باقي قيادات الحزب، وبكل المواسم الانتخابية، تشريعية أو رئاسية أو بلدية، والعمل على إنجاحها». لكن هذا الدفاع لم يقنع الكثير من القيادات السياسية، التي واصلت ضغوطها من أجل عدم الزج بحكومة الشاهد في ملعب العمل السياسي.
كما أكد الحرباوي على أن هذا التكليف «لا يتطلب منهم الاستقالة من مهامهم، أو حتى التجرد من انتمائهم السياسي والحزبي، كما أن هذا لا يتعارض مع مبادئ العمل الديمقراطي». وفي هذا الشأن، أوضح زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب (حزب قومي) لـ«الشرق الأوسط» أنه وجه مراسلة إلى رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ورئيس الهيئة العليا للانتخابات، طالب فيها بإلزام أعضاء الحكومة بالاختيار بين البقاء في الحكومة، أو القيام بمهام حزبية انتخابية، وحذر من انعكاس هذا التوجه على العملية الديمقراطية والسياسية برمتها، مشدداً على أن تكليف بعض أعضاء الحكومة، تابعين لحزب النداء، في الانتخابات البلدية يعد «توظيفاً صريحاً لإمكانات الدولة لصالح هذا الحزب، والاعتماد عليها للتأثير على هذه الانتخابات»، وأن ما يحدث يعد تداخلاً وخطراً كبيراً على المسار السياسي في تونس. كما اعتبر أن كل حزب مشارك في الائتلاف الحاكم «سيعمل في هذه الحالة على الاستفادة من موقع وزرائه في الحكومة لكسب الانتخابات المحلية، ولما لا البرلمانية المنتظرة خلال السنة المقبلة؟».
وأكد المغزاوي على ضرورة تنقية المناخ السياسي كي تجري الانتخابات البلدية في جو شفاف، وفي ظل تساوي الفرص بين كل الأحزاب والأطراف المشاركة في تلك الانتخابات. وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قد طالب بدوره، يوسف الشاهد، بالإعلان عن نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال سنة 2019 في محاولة للتخفيف من تأثير رئاسته للحكومة على الرأي العام. كما طالب محسن مرزوق رئيس حزب حركة «مشروع تونس»، من ناحيته، بحكومة كفاءات وطنية مستقلة، تسير شؤون الدولة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في إشارة إلى إمكانية استغلال أعضاء الحكومة مواقعهم في الإعداد لحملات انتخابية مبكرة، والتأثير على القاعدة الانتخابية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.