في مطعم للفلافل وسط الدمار... سكان الرقة يستعيدون ذكريات ما قبل الحرب

سوريون يتناولون الفلافل في مطعم فلافل الملك في الرقة (أ.ف.ب)
سوريون يتناولون الفلافل في مطعم فلافل الملك في الرقة (أ.ف.ب)
TT

في مطعم للفلافل وسط الدمار... سكان الرقة يستعيدون ذكريات ما قبل الحرب

سوريون يتناولون الفلافل في مطعم فلافل الملك في الرقة (أ.ف.ب)
سوريون يتناولون الفلافل في مطعم فلافل الملك في الرقة (أ.ف.ب)

قرب حديقة تحولت الى ركام وفي الطابق السفلي لمبنى تصدعت واجهته بالكامل، ينهمك عمار في إعداد ساندويتشات الفلافل الساخنة تلبية لطلبات زبائنه من رجال ونساء عادوا إلى مدينتهم الرقة السورية رغم الدمار الكبير وغياب الخدمات الرئيسية.
طوال ساعات النهار، تتوقف سيارات ودراجات نارية أمام محل «فلافل الملك» الصغير في وسط المدينة، المعقل السابق الأبرز لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وينتظر أصحابها تلبية طلباتهم. وأمام المطعم، يلتهم عمال بسرعة الساندويتشات قبل أن ينصرفوا إلى أعمالهم في رفع الركام أو ترميم المنازل التي دمرتها المعارك.
وفور نضوج أقراص الفلافل داخل قدر من الزيت المغلي، يأخذ مالك المحل عمار قصاب عدداً منها ويمدها فوق رغيف من الخبز قبل أن يضيف إليها الخضراوات وصلصة «الطرطور».
ويقول قصاب لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعدنا افتتاح المطعم منذ قرابة 15 يوماً. فلافل الملك معروفة هنا، مطعمنا موجود منذ 40 عاماً، وكنا نقدم فيه قبل الأحداث (معارك الرقة) الفتة والفول أيضاً».
وشهدت الرقة العام الماضي معارك عنيفة امتدت أربعة أشهر، انتهت بطرد قوات سوريا الديمقراطية، المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن، تنظيم داعش من المدينة بعدما كان قد سيطر عليها في عام 2014.
ويبدي قصاب ذو اللحية السوداء الخفيفة تفاؤله مع «بدء الناس العودة إلى المدينة لتعيد إعمار منازلها وتنظفها».
ويقول أثناء عمله مع موظفين اثنين من دون توقف إن الكثيرين يفضلون «شراء الساندويتشات لأنها أوفر من الطبخ، خصوصاً أن منازل الغالبية مدمرة».
ويبيع المطعم يومياً «1200 ساندويتش فلافل» وفق قصاب، الذي يعرب عن سعادته لعودة حركة المبيع تدريجياً إلى «سابق عهدها».
- البيت «خراب»
ومنذ استعادة قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على مدينة الرقة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، عاد مئات المدنيين إلى الأحياء الواقعة على أطرافها، وأبرزها حي المشلب، بخلاف وسط المدينة الذي لا يزال شبه خال.
أمام المطعم المطل على حديقة الرشيد، الخالية من الأشجار والزهور، يجلس عيسى أحمد حسن (53 عاماً) لتناول وجبته وعلى الطاولة قربه صحن من البصل الأخضر والمخللات.
ينظر إلى الحديقة والمحال المجاورة التي باتت ركاماً بعدما كانت مخصصة لبيع الملابس، ويقول للصحافة الفرنسية: «آتي إلى هذا المطعم منذ كان عمري عشر سنوات. كنا نأتي دائماً مع العائلة إلى الحديقة ونتناول الفلافل».
على طاولة مجاورة، تقول شابة تغطي رأسها بحجاب زهري وهي تبتسم: «سعيدة لأنني موجودة هنا وأتناول الفلافل مع أمي، أحب الرقة كثيراً».
وخلفت معارك الرقة دماراً كبيراً جعل من الصعب التعرف على معالمها. وتعد المناطق الواقعة على أطراف المدينة التي استعادتها قوات سوريا الديمقراطية عند بدء الهجوم، أفضل حالاً من وسط المدينة حيث تحولت أحياء بكاملها إلى ركام.
لم يعد ممكناً في وسط المدينة التمييز جراء حجم الدمار بين منزل أو متجر. ويتكرر في المدينة رؤية سكان يجلسون على كنبات أو مقاعد وضعوها أمام منازلهم التي سويت بالأرض.
في المدينة القديمة، ينتهي عبد الستار العبيد (39 عاماً) من تحطيم أجزاء من سقف منزله المنهار، قبل أن ينصرف إلى بناء سور المنزل.
ويقول للصحافة الفرنسية: «وجدت البيت مجرد خراب، وبلغ ارتفاع الركام مترين»، مضيفاً: «خاطرت بنفسي وبدأت التنظيف من دون التحقق حتى من وجود الألغام، باشرنا العمل لأننا نريد أن نسكن فيه».
- «دمار وفقر»
يبدي الرجل غضبه نتيجة بطء إزالة الركام من المدينة، عملية تندرج في إطار مهمات مجلس الرقة المدني، لكونه الجهة المسؤولة عن ملف إعادة الإعمار. ويوضح: «لا يوجد مياه ولا خدمات، نريد أولاً تنظيف الشوارع من الركام، وثانياً مياه الشرب لنعيش».
على بعد مئات الأمتار، تروي إيمان الفرج، أم لثمانية أولاد، كيف عادت قبل 20 يوماً ولم تجد من منزلها إلا غرفة واحدة.
وتتساءل بغضب بينما تقف مع جاراتها في باحة المنزل: «انظروا إلى بيوتنا، كلها مدمرة. من يملك النقود لإعادة البناء؟ من بيت كامل لم يبق لي سوى غرفة واحدة، قمت بإصلاحها ووضعت لها باباً وها نحن نسكن فيها».
ومع انعدام الخدمات الرئيسية من مياه وكهرباء، يضطر الأهالي لتدبير أمورهم بما توفر، كالاعتماد على خزانات عامة قليلة لتوزيع المياه والاشتراك في المولدات الكهربائية.
وتقول الفرج: «ندفع ألف ليرة سورية للحصول على أمبير واحد. لا يمكننا العيش في الظلام».
في أحياء الرقة، تمر شاحنات صغيرة تنقل الحجارة والإسمنت للبناء، بينما ينتظر الأهالي في طابور طويل أمام أفران عاودت فتح أبوابها.
قرب سور الرافقة الأثري في المدينة القديمة، يبيع محمد العمر قوارير الغاز وعبوات بلاستيكية مملوءة بالمازوت. ويشرح: «من يملك النقود يشتري المازوت، ومن لا يملكها يشعل الحطب، ومن لا يملك الحطب يشعل الفراش المصنوع من الإسفنج أو حتى فرش المنزل».
في مكان قريب، يقف إسماعيل عمر (45 عاماً) وينظر من بعيد إلى منزله المدمر ويقول: «نحن أكبر الخاسرين في هذه الحرب. لم يبق لنا سوى الدمار والألغام والجوع والفقر». ويضيف باللهجة المحكية: «اللي راح ما عاد يرجع».



وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
TT

وزراء عرب يناقشون خطة إعمار غزة مع مبعوث ترمب

جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)
جانب من الاجتماع الذي استضافته الدوحة بشأن فلسطين الأربعاء (واس)

ناقشت اللجنة الوزارية الخماسية بشأن غزة، الأربعاء، مع ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، خطة إعادة إعمار القطاع التي أقرتها القمة العربية الطارئة في القاهرة بتاريخ 4 مارس (آذار) الحالي.

جاء ذلك خلال اجتماع استضافته الدوحة، بمشاركة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، والدكتور أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، والدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، وخليفة المرر وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية، وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبحث المشاركون تطورات الأوضاع في غزة، واتفقوا على مواصلة التشاور والتنسيق بشأن الخطة كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع، بحسب بيان صادر عن الاجتماع.

بدر عبد العاطي يلتقي ويتكوف على هامش الاجتماع في الدوحة (الخارجية المصرية)

وأكد الوزراء العرب أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشددين على ضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وجدَّدوا تأكيد الحرص على استمرار الحوار لتعزيز التهدئة، والعمل المشترك من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

وسبق الاجتماع لقاء للوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني، في الدوحة، بحثوا خلاله «سبل الترويج وحشد التمويل للخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، لا سيما في ظل استضافة مصر للمؤتمر الدولي لإعادة الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية، وبحضور الدول والجهات المانحة»، بحسب الخارجية المصرية.

من لقاء الوزراء الخمسة العرب والمسؤول الفلسطيني في الدوحة (الخارجية المصرية)

كان الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة (غرب السعودية)، الجمعة الماضي، قد أكد دعم الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، مع التمسُّك بحق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه.

ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في تصريحات أعقبت «اجتماع جدة»، إن الخطة أصبحت عربية - إسلامية، بعد تبنّي واعتماد «الوزاري الإسلامي» جميع مخرجات «قمة القاهرة»، مؤكداً السعي في الخطوة المقبلة لدعمها دولياً، عبر تبنيها من قِبل الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية؛ كاليابان وروسيا والصين وغيرها، للعمل على تنفيذها.

بدر عبد العاطي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الإسلامي بمحافظة جدة (الخارجية المصرية)

وأشار الوزير المصري إلى تواصله مع الأطراف الدولية بما فيها الجانب الأميركي، وقال إنه تحدّث «بشكل مسهب» مع مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط عن الخطة بمراحلها وجداولها الزمنية وتكاليفها المالية. وأضاف أن ويتكوف تحدث عن عناصر جاذبة حولها، وحسن نية وراءها.

إلى ذلك، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، في بداية اجتماع بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الآيرلندي مايكل مارتن: «لن يطرد أحد أحداً من غزة».

من جهته، دعا رئيس الوزراء الآيرلندي خلال لقائه ترمب، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وقال: «نريد السلام، نريد إطلاق سراح الرهائن»، مضيفاً: «يجب إطلاق سراح جميع الرهائن، ويجب إدخال المساعدات إلى غزة».