نصر الحريري: واشنطن متمسكة بـ «الانتقال»... وسنحاور موسكو

رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرفض أي إجراء يؤدي إلى تقسيم سوريا

نصر الحريري في لندن أمس (رويترز)
نصر الحريري في لندن أمس (رويترز)
TT

نصر الحريري: واشنطن متمسكة بـ «الانتقال»... وسنحاور موسكو

نصر الحريري في لندن أمس (رويترز)
نصر الحريري في لندن أمس (رويترز)

أكد رئيس «هيئة المفاوضات السورية» المعارضة نصر الحريري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر أكد التزام واشنطن تحقيق «الانتقال السياسي» في سوريا، وأن مسؤولة شؤون الأمن والخارجية فيدريكا موغريني ربطت المساهمة الأوروبية في إعمار سوريا بـ«تحقيق الانتقال السياسي»، لكنه حذر من «أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى تقسيم سوريا».
وكان الحريري يتحدث في لندن أمس حيث التقى نائب مستشار الأمن القومي كريستيان تيرنر ووزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط إليستر بريت والمبعوث البريطاني إلى سوريا مارتن لونغدن من دون حصول لقاء مع وزير الخارجية بوريسن جونسون الموجود خارج العاصمة البريطانية، ضمن جولة يقوم بها وفد «الهيئة» وتشمل لقاءه في باريس اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لودريان قبل انتقال الوفد إلى روما وبرلين.
وجاءت زيارة الحريري إلى لندن بعد الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف وقبل الجولة التاسعة المقررة في فيينا قبل نهاية الشهر. وقال رئيس «الهيئة» في حديث لـ«الشرق الأوسط» في لندن أمس: «نريد تفعيل مفاوضات جنيف وأردنا شرح ما حصل في الجولة الثامنة من المفاوضات، أن النظام لا يريد المفاوضات وسيبقى معرقلاً ولن يكون حريصاً لإحراز أي تقدم فيها. إذا كان المجتمع الدولي جاداً للوصول إلى الحل السياسي، فنحن جادون. لكن الحل السياسي يجب ألا ينحرف عن طريقه وهو بيان جنيف والقرار 2254 بهدف تحقيق الانتقال السياسي وليس الحل السياسي المشوه».
وعكس قبول دول غربية استقبال وفد «الهيئة» تقديراً لدورها في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. وأوضح الحريري: «نريد حلاً بالانتقال السياسي. في الجولة الثامنة في المفاوضات، طالبنا بمفاوضات مباشرة وناقشنا المواضيع المطروحة وقدمنا ردا على ورقة المبادئ التي قدمها المبعوث ستيفان دي ميستورا وتفاعلنا مع ورقته وقبلنا تمديد جولة المفاوضات. وتناقشنا مع دي ميستورا واتفقنا على جدول الأعمال وناقشنا كل شيء وارد في القرار 2254 بدءا من سلة المرحلة الانتقالية إلى قضايا العملية الدستورية والعملية الانتقالية».
وتابع: «رغم ذلك فشلت المفاوضات. وطالما أن مفاوضات جنيف متوقفة فستظهر مبادرات جانبية بصرف النظر عن اسمها. هذه المبادرات تعبير غير مباشر إلى عدم التقدم في جنيف. لذلك على المجتمع الدولي هو التركيز على العملية السياسية في جنيف. واضح الآن أنه في الجولات السابقة، كان الحضور للدول الداعمة للنظام فيما كانت الدول الأخرى غائبة. طالبنا من أميركا والدول الأخرى والأوروبية والعربية كي تأخذ دورها بتفعيل العملية السياسية للقول للروس إنه بهذه الطريقة لن تحل الأمور ولن يحل أي حل».
وتزامنت جولة «الهيئة» مع إقرار إدارة الرئيس دونالد ترمب استراتيجية جديدة إزاء سوريا، شملت ضمان وجود عسكري وسياسي شرق نهر الفرات والانخراط مع حلفائه الغربيين والإقليميين لـ«تعزيز شروط الحوار مع روسيا إزاء الحل السياسي وتقليص نفوذ إيران ومنع ظهور (داعش)»، بحسب مسؤول غربي. ومن المقرر أن يلقي وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في المستقبل القريب خطاباً يتضمن الرؤية الأميركية للملف السوري والحوار مع موسكو.
وكان الحريري التقى ماكماستر ونائب وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد في واشنطن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموغريني في بروكسل. وأوضح أمس: «عقدنا لقاءات رائعة مع ماكماستر وساترفيلد وغوتيريش. أولا، سمعنا من الأمم المتحدة والإدارة الأميركية التزاماً بالقرار 2254 وتحقيق الانتقال السياسي. غوتيريش وماكماستر تحدثا عن الانتقال السياسي». وأضاف: «ماكماستر قال في الاجتماع مرات عدة بضرورة حصول الانتقال السياسي في سوريا. وكان لدينا طلب من أميركا أن تأخذ دورها في العملية السياسية وركزنا على ذلك. هناك ادعاء روسي أن الوضع في سوريا انتهى. لا، لم ينته الوضع. بعد محاربة (داعش) ومناطق خفض التصعيد، لا يزال لدينا موضوع الوصول إلى الحل السياسي النهائي. والحل له مرجعيته ومكانه، أي القرار 2254 وعبر مفاوضات جنيف».
وترددت أنباء عن أن واشنطن بصدد تليين موقفها بالحديث عن «العملية السياسية» أو شروط الحل السياسي وإجراء إصلاحات دستورية تمهيدا لانتخابات بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254. لكن الحريري أكد أن المسؤولين الأميركيين جددوا التزام «الانتقال السياسي».
وأعرب الحريري عن اعتقاده أن محادثات «الهيئة» في واشنطن ساهمت في تعزيز نية الإدارة الأميركية الانخراط في الملف السوري، الأمر الذي حصل لدى استقبال ساترفيلد الجمعة نظراءه من أربع دول غربية وإقليمية. وقال: «دعوا إلى الاجتماع الخماسي واتفقت الدول الخمس على (لاورقة) وأطلعنا الأميركيون على أفكارها العامة. إن العملية السياسية لم تحقق تقدما بسبب غياب الآليات الدولية الضاغطة لتحقيق التقدم. الآن هناك رغبة عبر الأفكار الأميركية لتحريك مفاوضات جنيف والعملية التفاوضية».
ومن المقرر أن يقر تيلرسون مع نظرائه من الدول الأربع الـ«لاورقة» خلال اجتماع في باريس على هامش مؤتمر مخصص لمنع استعمال السلاح الكيماوي الثلاثاء المقبل قبل أن يعقد الوزير الأميركي مفاوضات مع نظيره الروسي. وقال الحريري: «أبلغنا الأميركيون أن تيلرسون سيلقي خطاباً مفصلاً عن الاستراتيجية الأميركية إزاء سوريا. النظام سيرفض كل شيء. المعارضة كانت سابقاً ترفض كل شيء، لكن الآن نقبل شيئا ونرفض شيئا. بحسب الأفكار التي تطرح علينا، سندرسها».
وعن لقائه بموغريني في بروكسل أول من أمس، قال الحريري: «شرحنا موقفنا. نريد أن تكون كل الجهود الدولية لدفع عملية جنيف. لا إعادة الإعمار قبل الانتقال السياسي وليس قبل إحراز تقدم في العملية السياسية، كما يقول البعض. طلبنا ذلك من موغيريني وسفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل اتخاذ هذا الموقف» أي ربط الأعمار بتحقيق الانتقال السياسي و«كلهم وافقوا». وأضاف: «لن يكون هناك أي جهد لإعادة الإعمار في سوريا إلا بتحقيق الانتقال السياسي عبر الحل السياسي في مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة».
وتراوحت تقديرات كلفة إعادة إعمار سوريا بين 250 و300 مليار دولار أميركي. وتسعى موسكو للضغط على دول أوروبية وعربية للمساهمة في الإعمار و«عدم تسييس» الملف، فيما تراهن دمشق على حلفائها في طهران وموسكو وبكين ودول آسيوية للمساهمة في إعمار البلاد. ومن المقرر أن يعقد مؤتمر وزاري للدول الأوروبية في بروكسل في نهاية أبريل (نيسان).
وبالتزامن مع جمود مفاوضات جنيف والتحرك الأميركي والحذر الأوروبي، واصلت روسيا الحشد لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي نهاية الشهر، حيث تلقت «الهيئة» نصائح من دول غربية وإقليمية للحوار مع موسكو حول مؤتمر سوتشي. وقال الحريري: «من (التدخل العسكري المباشر في 2015 جميع الدول نصحتنا بالحوار مع روسيا. اللقاءات بيننا لم تتوقف ونخطط للقاء معهم (الروس). سيكون هناك لقاء بيننا. هم عندهم رغبة ولدينا رغبة والعمل جار على ترتيب اللقاء».
وسئل عن حضور «الهيئة» مؤتمر سوتشي، فأجاب: «لا نعرف عن المؤتمر شيئا. كل المعلومات التي تأتي عنه ليست لصالح الثورة السورية. والمزاج العام حتى داخل الهيئة ليس لصالح المشاركة في سوتشي في شكله الحالي مع العلم ليست لدينا أي معلومة حقيقية. الداعي لم يدعنا بعد ولا نعرف التفاصيل».
ومن المقرر أن يجتمع مسؤولون روس وأتراك وإيرانيون في 19 الشهر الحالي لبحث الترتيبات النهائية وقائمة المدعوين للمؤتمر وجدول أعماله وتأكيد الموعد المقرر في 29 الشهر الحالي أو تأجيله. وقال الحريري إن الجانب التركي أبلغ نظيره الروسي معايير محددة لدعم المؤتمر، وهي: «عدم وجود وحدات حماية الشعب الكردية وأن يخدم المؤتمر عملية جنيف وأن يكون مستندا إلى القرار 2254 للوصول إلى الحل السياسي بحضور الأمم المتحدة ومشاركة المعارضة السورية الحقيقية».
وسئل عن قرار إدارة الرئيس الأميركي تدريب «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «وحدات حماية الشعب» الكردية لتشكل حرسا لحماية الحدود مع تركيا والعراق ونهر الفرات حيث تنتشر وراءه قوات الحكومة السورية، فأجاب: «نحن ضد أي إجراء تقوم به أي دولة لفرض أجندة على الشعب السوري. يجب ألا يفرض أي طرف أجندته على شعبنا بالسلاح ونحن ضد أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى تقسيم سوريا، ونحن متمسكون بوحدة الأراضي السورية وفق القرار 2254 وليس الحل المجتزأ».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.