بدءاً من برقية التهنئة التي وجهها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، في الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس الجيش العراقي، هناك ما يشير إلى تحول جذري في مواقف الزعامات والكتل والأحزاب والقوى المختلفة في العراق من مسيرة الجيش العراقي الذي يعد من بين أقدم الجيوش في المنطقة، بالإضافة إلى أنه كان ذات يوم أقواها على الإطلاق، حتى جرى تصنيفه بوصفه رابع أقوى جيش في العالم.
ومع أن مسيرة الجيش بدأت بالتدهور بعد غزو الكويت عام 1990، وما تلاه من تداعيات نتج عنها تدمير البنى التحتية لهذه المؤسسة فإن الاحتلال الأميركي عام 2003 أجهز على ما كان يتمتع به من مكانة. ففي الوقت الذي لم تكتف فيه الآلة العسكرية الأميركية من تدمير معظم ركائز قوته ومطاردة كبار قادته فإن القرار الذي أصدره الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر بحله أنهى آخر أمل في بقائه موحدا من حيث الولاء لعقيدة قتالية قوامها الإيمان بهوية وطنية واحدة.
وفي محاولة لإعادة بنائه من جديد أثناء حكومة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي عام 2004 عبر ما سمي في حينها «الحرس الوطني» فإن قضية المحاصصة الطائفية والعرقية طغت عليه إلى الحد الذي جعلته يدفع ثمنها أثناء احتلال تنظيم داعش نحو أربع محافظات عراقية عام 2014. ويقول سرمد عباس، أحد ضباط الجيش السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل المؤشرات كانت تبين لنا أن هناك إرادة مسبقة بالثأر من هذا الجيش عبر تحطيم معنويات العاملين فيه، سواء كانوا قادة أو ضباطا أو آمرين، حيث إن النظرة التي لا يزال الكثيرون من بين القوى السياسية يتعاملون بموجبها مع الجيش العراقي هي أنه جيش النظام السابق أو جيش صدام». ويضيف عباس أن «الصورة وإن كانت تغيرت الآن إلى حد كبير لجهة تعامل الحكومة معه وحتى القوى السياسية بعد انتصاره الكاسح على تنظيم داعش، لكن التمييز لا يزال قائما حتى في القوانين والامتيازات بين من كان ينتمي إلى الجيش السابق حتى وإن انتمى إلى الجيش الجديد وبين من لم يكن منتميا».
على الصعيد نفسه، فإنه وبسبب المحاصصة فإن النظرة إلى الجيش العراقي في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تختلف عن النظرة إليه في عهد العبادي. فخلال فترة احتلال «داعش» محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وأجزاء كبيرة من محافظة ديالي كان ينظر إلى الجيش العراقي من قبل أبناء تلك المناطق ذات الغالبية السنية على أنه جيش المالكي. هذه النظرة جاءت من خلال ما كان قد شاب بعض أركان المؤسسة العسكرية من فساد مالي وإداري، بالإضافة إلى التمييز الطائفي الذي جعل العديد من أبناء تلك المناطق يبحثون عن بديل، وهو ما سهل دخول تنظيم داعش الذي حاول دغدغة مشاعر أبناء تلك المناطق بانحياز الجيش ضدهم.
لكن المعارك التي خاضها الجيش منذ عام 2015 وحتى انتصاره على «داعش» أواخر عام 2017 أدت إلى متغير مهم في النظرة إليه من قبل العراقيين. وفي هذا السياق، يرى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش العراقي رغم كل ما يمكن أن يقال عنه وبشأنه فإنه مؤسسة عريقة أثبتت جدارتها في كل المعارك التي خاضتها بل وحتى في مسائل ذات خدمة عامة». وأضاف أبو رغيف، أن «الجيش العراقي جعل نظرة المواطن العراقي في المناطق الغربية تختلف عنه ليس فقط من خلال حربه ضد (داعش) بل حتى حين حصل فيضان محافظة صلاح الدين قبل سنتين لعب الجيش الدور الأهم في حماية المدنيين ونقلهم إلى مناطق آمنة، ولذلك فإنه تمكن من تغيير الصورة النمطية التي أخذت عنه خلال السنوات الماضية».
من جهته، أكد العبادي في برقية التهنئة أن «الجيش العراقي أثبت أنه فوق كل الانتماءات والمسميات». وتابع: «وإذ تتزامن هذه المناسبة اليوم مع ما تحقق من نصر كبير على عصابات (داعش) الإرهابية وما يشهده بلدنا من أمن واستقرار بفضل الدماء التي قدّمها هذا الجيش المعطاء وبقية التشكيلات، فإننا ننتهز هذه المناسبة، لنؤكد استمرارنا بالمضي في بناء جيش وطني قوي يدافع عن أرضه ومواطنيه جميعا دون استثناء ويحافظ على سيادة وهيبة الدولة، ويحمل شعار الأمن والحرية، وينتمي للعراق الواحد الموحّد ولا يمثل حزبا أو طائفة أو جهة بعينها».
في الذكرى الـ97 لتأسيسه... الجيش العراقي ثأر لنفسه بدحر «داعش»
خرج من عنق زجاجة الولاءات الجانبية
في الذكرى الـ97 لتأسيسه... الجيش العراقي ثأر لنفسه بدحر «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة