تستعد الهند لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الشهر الجاري، بعد أسابيع من تصويت الهند الأخير في الأمم المتحدة ضد القرار الأميركي الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي أسفر عن احتجاج الحكومة الإسرائيلية عبر القنوات الدبلوماسية المعهودة. ومن المتوقع لزيارة نتنياهو، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ زيارة أرييل شارون في عام 2003، أن تشكل قمة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين. ورغم أنه لم يتم الإفصاح لوسائل الإعلام عن البرنامج التفصيلي للزيارة، فقد كشف بعض المصادر المطلعة أنه خلال الزيارة التي سوف تستغرق 5 أيام، من المقرر لنتنياهو أن يقضي 3 ليالٍ منها في العاصمة نيودلهي وليلتين في مومباي. ومن المقرر أيضاً أن يزور مدينة أحمد أباد، وهي أكبر مدن ولاية غوجرات الغربية، والتي شغل فيها مودي منصب المدير التنفيذي لمدة 13 عاماً قبل أن يصبح رئيس وزراء البلاد في عام 2014، ثم تعزيزه للعلاقات الثنائية مع إسرائيل.
وقبل زيارة نتنياهو، أجرت كل من الهند وإسرائيل المشاورات في العاصمة نيودلهي في 26 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017، بشأن استعراض سبل التعاون الثنائي في المجالات الخاصة بالدفاع، والأمن الداخلي، والعلوم، والتكنولوجيا، والتعليم.
وصاحب نتنياهو رئيس الوزراء الهندي مودي خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل التي استغرقت 3 أيام، ومن المتوقع أن يرد مودي الجميل خلال الزيارة المرتقبة. وسوف تعقب زيارة نتنياهو زيارة لمودي في غضون عدة أسابيع لفلسطين.
ويرافق رئيس الوزراء الإسرائيلي وفد تجاري يضم ممثلين عن 75 شركة إسرائيلية تعمل في مختلف المجالات، على أمل أن يتمكنوا من الاجتماع بنظرائهم من رجال الأعمال الهنود. ومن المتوقع أن تلعب «بوليوود» دوراً بارزاً في تلك الزيارة. فمن المرجح لنتنياهو أن يجتمع ببعض نجوم الفن والمخرجين الهنود خلال إقامته في مومباي.
خلفية زيارة نتنياهو
تأتي زيارة نتنياهو في الوقت الذي صوتت فيه الهند لصالح قرار أممي قدمته تركيا واليمن في الأمم المتحدة يعارض القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ولقد أثارت تلك الخطوة من جانب الهند الكثير من الاستغراب، إذ كان يُنظر إلى حكومة مودي على أنها قد تواصلت على نحو طيب مع إسرائيل وبطريقة أكثر استباقية من الحكومات الهندية السابقة. وكان من المتوقع أن تمتنع الهند عن التصويت (مثلما فعلت 35 دولة أخرى) بدلاً من تأييدها للقرار الأممي. وفي حين أن هناك داخل البلاد من يعارضون الطريقة التي صوتت بها نيودلهي على القرار على أساس أن الموقف الهندي المؤيد للسياسة الفلسطينية لم ينل قدراً داعماً لها مماثلاً من جانب العالم العربي.
وأشارت مصادر في وزارة الخارجية الهندية لمراسلة صحيفة «الشرق الأوسط» أن المبعوثين العرب مارسوا ضغوطاً شديدة على نيودلهي بغية التصويت ضد القرار الأممي، واستجابت سياسة الحكومة الهندية التي يقودها حزب «بهارتيا جاناتا» الحاكم لتلك الضغوط، وجاء التصويت متماشياً مع الموقف المبدئي للهند، على غرار الحكومات السابقة في البلاد عبر العقود السبعة المنقضية. وفي كلتا الحالتين، ومع اعتبار توافق الآراء العالمي واسع النطاق فيما يتعلق بالتصويت الأممي والاستئناس بالمجال الواسع لردود الفعل الدولية، فمن غير المرجح أن يسفر الموقف الهندي عن توتر في العلاقات الثنائية مع إسرائيل، والتي سوف تستمر على قدم وساق.
ومن المثير للاهتمام قرار الهند الصادر مؤخراً بإلغاء صفقة تقدّر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لشراء صواريخ «سبايك» الإسرائيلية المضادة للدبابات. ورغم أن التقارير الإخبارية اعتبرت أن إلغاء تلك الصفقة قد يثير زوبعة طفيفة في العلاقات الهندية الإسرائيلية، فإن نتنياهو صرح قائلاً: إن «صفقة صواريخ (سبايك) صغيرة للغاية كمسألة يمكنها أن تعترض سبيل العلاقات الثنائية القديمة والوثيقة مع نيودلهي».
وفي حين أن الهند سوف تولي اهتماماً كبيراً للتعاون الدفاعي والأمني مع إسرائيل، تعمل وزارة الخارجية الهندية على تحديد موعد زيارة مودي لفلسطين. وقالت المصادر المطلعة إن زيارته المرتقبة لفلسطين سوف تترافق مع زيارته للإمارات العربية المتحدة، حيث يترأس الوفد الرسمي الهندي في قمة الحكومات العالمية في الفترة من 11 إلى 13 فبراير (شباط) القادم، والتي وُجهت الدعوة فيها إلى الهند لتحل ضيفاً على القمة. وسوف تكون هذه هي الزيارة الثانية لرئيس الوزراء الهندي للإمارات، والتي برزت باعتبارها شريكاً استراتيجياً لنيودلهي. وقام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، بزيارة الهند مرتين، إحداهما في فبراير 2016، ثم حل ضيفاً رئيسياً على احتفالات الجمهورية الهندية عام 2017.
وعلمت المصادر المطلعة بشأن الترتيبات الجارية مع المسؤولين الفلسطينيين لجدولة موعد زيارة مودي لرام الله قبل أو بعد زيارته للإمارات. وسوف تكون زيارة مودي رداً على الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للهند في مايو (أيار) الماضي. وأشارت المصادر إلى أن زيارة نتنياهو، إلى جانب زيارة مودي، من الزيارات الرسمية القائمة بذاتها. تماماً كما تجاوز رئيس الوزراء الهندي فلسطين في زيارته الأخيرة لإسرائيل، فإنه لن يقوم بزيارة إسرائيل في أثناء زيارته لفلسطين. وقالت المصادر إن ذلك بغية استكمال سياسة الفصل الدبلوماسي التي تنتهجها الحكومة الهندية.
زيارة مودي لفلسطين
ومع ذلك، واجهت الهند في الآونة الأخيرة تحدياً كبيراً فيما يتعلق بعلاقاتها مع فلسطين عندما انضم السفير الفلسطيني لدى باكستان إلى مسيرة نظمها الإرهابي حافظ سعيد، الذي تزعُم نيودلهي ضلوعه في الهجمات الإرهابية في مومباي عام 2008، والتي حصدت أرواح نحو 168 شخصاً أغلبهم من الرعايا الأجانب. ولقد أسفرت هذه الخطوة عن انتقادات حادة موجهة إلى فلسطين.
يقول المعلق الصحافي الهندي هارشا كاكار: «لقد انحازت الهند إلى فلسطين مؤخرا في التصويت الأممي، بينما انحازت فلسطين إلى الإرهابي الدولي من قبل. ولا بد للهند أن تتخذ سياسة عملية صارمة حيال الشرق الأوسط وتعرب عن واقعيتها فيما يتعلق بعلاقاتها مع فلسطين».
ولكن تم تدارك الموقف من قبل فلسطين، بناءً على العلاقات الودية طويلة الأجل مع نيودلهي، وقامت السلطة الفلسطينية بسحب مبعوثها إلى باكستان في الوقت الذي انتقد مبعوثها إلى الهند عدنان أبو الهيجاء علناً الحماقة التي ارتكبها نظيره في باكستان، وقال إن فلسطين تقدّر وتثمّن روابطها مع الهند ولا تؤيد أبداً الإرهاب. وفي الأثناء ذاتها، ذكر المسؤولون في وزارة الخارجية الهندية أن الجانب الفلسطيني كان يتطلع وبشدة لزيارة رئيس الوزراء الهندي، وأنهم لو لم يتخذوا الإجراءات إزاء مبعوثهم إلى باكستان، لأصبحت الفرصة قائمة لإلغاء زيارة مودي لفلسطين في فبراير المقبل. ومن الجدير بالذكر أن الهند من بين الدول القليلة التي تحتفظ ببعثة دبلوماسية في رام الله بالضفة الغربية. كما أن نيودلهي قد وفرت الدعم التنموي لفلسطين بصورة ثابتة، كما ساعدت في مشاريع لبناء القدرات هناك.