الفساد في العراق... «حرب» الملفات المفتوحة

بعد حسم العبادي المعركة ضد «داعش»

الفساد في العراق... «حرب» الملفات المفتوحة
TT

الفساد في العراق... «حرب» الملفات المفتوحة

الفساد في العراق... «حرب» الملفات المفتوحة

ما إن أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتصار على تنظيم داعش أواخر العام الماضي حتى أعلن في الوقت نفسه أن حربه المفتوحة التالية ستكون الحرب على الفساد. ولأن المتبقي من عمر حكومته هو المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة (الشهر الخامس من هذا العام)، وتشكيل الحكومة البديلة، فإنه وضع نفسه أمام استحقاق يحمل عدة تحديات. ولعل التحدي الأول والأهم بالنسبة للعبادي وخصومه معاً هو: هل ينجح العبادي في القضاء على الفساد مثلما نجح في القضاء على الإرهاب، وبالتالي، يضمن ببساطة الولاية الثانية له؟ أم ينجح خصومه في عرقلة خطواته لتحقيق هدف واحد أو ضرب عصفورين بحجر واحد هو منع العبادي من الولاية الثانية، ومن ثم، إبقاء ملفات الفساد التي تبلغ مئات مليارات الدولارات مفتوحة ومؤجلة إلى الدورة البرلمانية المقبلة والحكومة الجديدة؟
هذا يعني من وجهة نظر المراقبين والمواطنين العراقيين معاً أن الفساد تحول من آفة أو مافيات يمكن القضاء عليها من خلال تفعيل الملفات واتخاذ قرارات صعبة، إلى واقع حال يتعايش معه العراقيون، كون أي سلطة تبدو عاجزة عن استئصال شأفته، لأنه جزء من المنظومة السياسية العراقية التي بنيت على أسس المحاصصة العرقية والطائفية والحزبية.

على الرغم من تفاوت وجهات نظر المسؤولين العراقيين من نواب وقادة كتل بشأن ملفات الفساد وإمكانية نجاح الحكومة، وبالذات رئيس الوزراء حيدر العبادي، في القضاء على الفساد أو الحد منه، فإن الجميع يرى أنه لن تقوم للعراق قائمة دون القضاء على الفساد. وهذا، مع تطلع البلاد إلى مرحلة جديدة من إعادة البناء والإعمار والاستثمار في أعقاب توافر البيئة الآمنة، بالإضافة إلى ما باتت تشهده من انفتاح عربي وأجنبي غير مسبوق.
إجرائياً أعلن رئيس جهاز الادعاء العام في العراق القاضي موفق العبيدي، أن أول الملفات الخاصة بالفساد وصلت إلى الادعاء العام. وهي تتعلق بملفات الفساد وهدر المال العام في الوزارات، بعد التعميم الذي أصدره الجهاز للتبليغ عن المخالفات المالية في جميع دوائر الدولة، ولقد أحيلت إلى المحاكم المختصة.
العبيدي، في بيان له اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قال: «نحن أخيراً وبمجرد أن دخل قانون الادعاء حيز التنفيذ أصدرنا إعماماً لكل مؤسسات الدولة بإشعارنا بما يرتبط بالمخالفات المالية أو الإدارية والوظيفية، لأن القانون صار يتيح لنا هذا الدور».
وأضاف: «ليس هذا فقط، بل إن الادعاء العام لا يكتفي بما تصل إليه من إشعارات، بل لديه وسائل مختلفة بما فيه ما يصل إليه أو يطرق سمعه من هنا وهناك. وهذا دور مستحدث نحن شرعنا به، وفي الفترة المقبلة سنعلن أبرز ما يتحقق من نتائج».
وأشار العبيدي إلى أن «الاستجابة ليس كما هو مؤمل، إلا أننا أخيراً صرنا نستقبل مجموعة من الملفات من بعض الوزارات، وأن الإعمام الذي أصدرناه نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كان مخصصاً لما يرتبط بالموارد المالية والوظيفية، وبعد شهر من هذا الإعمام بدأنا تلقي بعض الملفات كما قلت من بعض الوزارات».
العبادي من جهته كان أعلن الأسبوع الماضي بدء الحرب على الفساد. ففي كلمة له في تجمع جماهيري، قال رئيس الحكومة إن «الكثير ينتظر إجراءات محاربة الفساد، ولدينا ما نقوم به بحسب أدلة دقيقة، لكن هناك من يحاول خلط الأوراق». وأردف أن جهوده في هذا المجال ليست لـ«أغراض سياسية أو انتخابية». وهذه هي واحدة من الإشكاليات التي يواجهها العبادي، خصوصاً من الدائرة القريبة من أوساط ائتلاف «دولة القانون»، إذ تحوّل هذا الائتلاف إلى أجنحة أبرزها جناحان؛ أحدهما يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والآخر جناح يقوده العبادي.

لصوص القانون

أحمد الجبوري، عضو البرلمان العراقي وأمين عام حزب الشعب، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «النجاح سيكون أصعب، وهو ما يعني أن المهمة التي يتولاها العبادي لن تكون سهلة لسبب بسيط؛ أنه يتعين عليه فتح ملفات تخص الحزب الذي ينتمي إليه». وبيّن الجبوري أن «هذا هو التحدي الأكبر أمامه، ففي حال نجح في محاربة الفساد داخل حزبه (حزب الدعوة، حيث يشغل العبادي منصب رئيس المكتب السياسي) فإن المهمة تسهل عليه أمام الآخرين، كما أنه سينال دعماً أكبر من كل القوى والجهات السياسية».
من جانبها، ترى ماجدة التميمي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، أن «الفساد وصل إلى مرحلة ديناصور بعدما كان نملة»، منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإزاحة نظام صدام حسين عام 2003. وتقول التميمي إنه «من المؤكد أن الموضوع صعب وأشرس من الحرب على (داعش)». وتتفق مع الجبوري بأن «كل الأحزاب لديها فاسدون ولا أتصور وجود حزب دون فاسدين، هناك نسب تتراوح حول طبيعة الاستحواذ على السلطة». ثم تضيف: «إذا كان الفاسدون من داخل حزبك، فالحرب ستكون شعواء وتحتاج إلى دعم دولي وداخلي من الأحزاب نفسها لمكافحته».
أما الدكتور صلاح العرباوي، عضو المكتب السياسي لـ«تيار الحكمة» - الذي يتزعمه عمار الحكيم - فأوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفساد أصبح منظومة خطيرة تهدد كيان الدولة. وبالتالي، فعلى من يريد محاربة الفساد أن يبدأ بـ(لصوص القانون)، أي أولئك الذين يسرقون بشكل محترف وتحت عباءة القانون». ويستطرد العرباوي: «الإشكالية هنا تتمثل في أنه حتى لو تم فتح ملفات هؤلاء، فإن النتيجة ستكون هي وجود السرقة لكن عدم وجود السارق». وعليه، يرى العرباوي أن «محاربة الفساد تحتاج إلى إرادة وقوة عاليتين، وينبغي أن تكون البداية من الذات الشخصية والحزبية». وبذلك يتفق العرباوي مع الجبوري في تحميل العبادي مهمة خطيرة، وهي أن البداية من الحزب الذي يحتل فيه موقعاً متقدماً، بينما تؤمن ماجدة التميمي بأن «كل الأحزاب والقوى السياسية متهمة بالفساد». كذلك يعتقد العرباوي أنه «كان بإمكان الحكومة أن تعلن النصر على العدوّين (داعش والفساد)، لكنها تأخرت في محاربة الثاني»، متمنياً لها «التوفيق في حربها المقبلة وسنكون داعمين لهذا المسار».
غير أن الإشكالية الكبرى في قضية الفساد في العراق تتمثل في نوعين من أنواع الفساد؛ الأول هو الفساد المألوف القائم على الاختلاس وإساءة الائتمان، والثاني هو الفساد «المُشرعَن» الذي يتمثل في الرواتب والامتيازات العالية التي لا تزال تتمتع بها الطبقة السياسية العراقية وكبار الموظفين من درجة مدير عام وما فوقه، رغم مشروع الإصلاح الذي أطلقه العبادي خلال شهر أغسطس (آب) 2015 إثر المظاهرات التي كانت قد اندلعت خلال شهر يوليو (تموز) من ذلك العام، ولا تزال مستمرة حتى اليوم كل جمعة في ساحة التحرير ببغداد وعدد من المحافظات.
جدير بالذكر أن هذه المظاهرات ترفع عدة شعارات، كان ولا يزال أهمها الشعار الشهير «باسم الدين باقونا (أي سرقونا) الحرامية»، في إشارة واضحة إلى الأحزاب الإسلامية التي تهيمن على السلطة في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين على يد الأميركان عام 2003.

إنما للدعم حدود

القوى السياسية المختلفة ترى أن الحرب على الفساد يجب أن تكون حرب الجميع، لكن مسؤولية التصدي المباشر لها إنما هي مسؤولية الحكومة ورئيسها الذي يملك كل السلطات والصلاحيات بيده. ومن ثم، فالدعم الذي يحظى به يبقى مهماً كان مشروطاً لجهة نجاحه في قصقصة أجنحة كبار الفاسدين. وفي هذا السياق يقول صلاح الجبوري رئيس كتلة «تحالف القوى العراقية» في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «المهم أن تكون هناك خطوات عملية في مجال محاربة الفساد لأننا نعتقد أن أحد أسباب ظهور داعش هو الفساد في المؤسسات». ويتابع الجبوري: «الفساد في المحافظات الغربية التي احتلها تنظيم داعش كان في المؤسسات الأمنية ثم استشرى في كل مفاصل الدولة». ثم يشرح أن «تحالف القوى يدعم خطوات العبادي في محاربته الفساد، لكننا نرى أن الفترة المتبقية من عمر الحكومة والبرلمان ليست كافية لفتح ملفات كثيرة... مع أننا نرى من الضروري فتح الملفات التي تعتبر ملفات رأي عام، مثل ملف أجهزة كشف المتفجرات أو التسليح وجولات التراخيص وملف العملة والبطاقة التموينية والاتصالات والبنوك. إننا نرى أن فتح مثل هذه الملفات يمكن أن يؤسس لقاعدة صحيحة في مجال محاربة الفساد بشكل حقيقي وواقعي في العراق».
في السياق ذاته، تقول النائبة ماجدة التميمي إنها أنجزت كثيراً من ملفات الفساد المتعلقة ببعض الوزارات، وإنها «تعمل على استكمال التقارير الخاصة بتلك الملفات ستقدم إلى هيئة النزاهة». غير أن التميمي تتحفظ عن ذكر الوزارات المتهمة بالفساد حالياً، لأنه «في حال الكشف المسبق فإن الجهة المتهمة بالفساد يمكن أن تحتاط للأمر... وهو ما حصل كثيراً إلى الحد الذي تم فيه تهريب فاسدين أو تسهيل أمر سفرهم خارج البلاد».
أما أردلان نور الدين، النائب الكردي في لجنة النزاهة، فيرى من جانبه أن «العبادي لم يتعاون كثيراً مع لجنة النزاهة البرلمانية، وبالتالي، فإنه يبدو كمن يتخذ الحرب على الفساد على سبيل الدعاية الانتخابية». ويضيف نور الدين: «سبق للجنة النزاهة أن طلبت من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أكثر من مرة تقديم الدعم والمساعدة لهم دون جدوى، مع أن أكثر من 40 ألف ملف فساد أحيل إلى لجنة النزاهة خلال الدورة البرلمانية الحالية». وتابع: «العبادي لن ينجح في هذه الخطوة، لأن رئيس الوزراء يستخدم هذه الملفات كورقة في مواجهة خصومه، وخصوصاً داخل كتلة التحالف الوطني الشيعي، علماً أن العبادي يدرك جيداً أنه لن يفلح في مهامه».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».