المخرج {السوبرمان} أنقذ فيلمه في آخر لحظة‬

ريدلي سكوت... 200 مليون دولار كادت تتبخر على {كل المال في العالم}

كريستوفر بلامر في لقطة من الفيلم
كريستوفر بلامر في لقطة من الفيلم
TT

المخرج {السوبرمان} أنقذ فيلمه في آخر لحظة‬

كريستوفر بلامر في لقطة من الفيلم
كريستوفر بلامر في لقطة من الفيلم

بينما كان الممثل كيڤن سبايسي يحاول رد الضربات الموجعة التي تلقاها من الوسطين الفني والإعلامي، كان المخرج ريدلي سكوت يفكر في كيف يمكن له أن يستبدل المشاهد الكثيرة التي خصها لذلك الممثل في فيلمه الجديد «كل المال في العالم» (All the Money in the World). ‬
المسألة كانت مصيرية بالنسبة للممثل الذي يشهد له الجميع بالتميّـز. كَيفن سبايسي أدهش العالم بعدد من الأداءات الرائعة. في عام 1995 قام ببطولة «المشتبه بهم المعتادون» (The Usual Suspects) لبريان سينجر (نال عنه أوسكاره الأول)، وفي العام نفسه ظهر في «سبعة» لاعباً شخصية القاتل لديفيد فينتشر، وتحت إدارة سام مندس قام ببطولة «جمال أميركي» سنة 2000 الذي نال عنه أوسكاره الثاني.‬
لا ريب في موهبته وقدرته على احتواء صلب الشخصية التي يؤديها وكيف يريدها أن تكون. لكن هذه الموهبة لم تساعده (ولا تاريخه الحافل بالجوائز الأخرى) في درء ردات الفعل الغاضبة التي وقعت حال انتشار فضيحة تعرضه لممثلين شباب بتحرشات جنسية. كان ذلك مباشرة بعد فضيحة هارفي ونستين، لكن حتى من دون تلك الفضيحة، فإن فضيحة سبايسي كانت من النوع المزلزل. من النوع الذي دفع محطة تلفزيونية لإلغاء اشتراكه في مسلسلها الناجح House of Cards الذي قام سبايسي ببطولته منذ عام 2013. ويدفع الآن صانعو فيلم «غور»، الذي أنجز سبايسي بطولته مؤدياً شخصية الأديب غور فيدال، للتريث بشأن عرض الفيلم تجارياً.‬
‬- الخطر الصامت‬
المشكلة الأكبر كانت في الفيلم الجديد الآخر «كل المال في العالم» الذي اندفع المخرج والمنتج ريدلي سكوت لتصويره في أواخر شهر مايو (أيار) من هذه السنة، أي قبل أشهر قليلة من اندلاع فضيحة سبايسي. في الرابع عشر من أغسطس (آب) دخل المخرج الاستوديو لكي يشرف على توليفته وإعداده للعرض. بعد شهرين وقعت الفضيحة. في العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) قام سكوت بتصوير المشاهد التي كان أداها سبايسي مع ممثل آخر وبعد عشرة أيام أنجز إعادة التصوير ودخل بالفيلم مجدداً لعمليات ما بعد التصوير. هذا الأسبوع بوشر بعرض الفيلم تجارياً.‬
إنه شغل مخرج عمره 80 سنة، لكنه لا يزال يعمل بطاقة من هو في الأربعين من عمره. لكن المسألة ليست شخصية. لم يكترث سكوت، ولا أحد من المتصلين بالفيلم، بما كان سبايسي يفعله في حياته (التي كانت خاصة). الموقف ليس أخلاقياً ولا تأديبياً، ولا علاقة له بقبول أو رفض مثل هذه الممارسات المثلية. بل كانت أن فيلماً من تلك التي تكلفت أكثر من 100 مليون دولار لصنعها، ونحو ذلك للترويج، لا تستطيع أن تنوء تحت ثقل إعراض المشاهدين عن الفيلم بسبب أحد ممثليه. ‬
الوازع الأخلاقي لدى المشاهدين، ذلك الصامت الذي لا يجرى التصويت علناً عليه، كان السبب في خشية صانعي هذا الفيلم (القائم على أحداث حقيقية) من سقوط الفيلم في عروضه؛ ما دفع شركة صوني (كوليمبيا سابقاً) إلى الإيعاز لسكوت بأن يفعل المستحيل وفي أقصر فترة زمنية ممكنة لإنقاذ الفيلم.‬
من ناحية أخرى، لم يكن ينفع تأجيل عرض الفيلم إلى ما بعد مرور العاصفة. إحدى المؤسسات التلفزيونية لديها مسلسل مماثل تعزم عرضه في مطلع العام المقبل وعرضه سيطيح بفيلم صوني- سكوت تماماً.‬
في العاشر من نوفمبر، تلقى الممثل كريستوفر بلامر مكالمة من المخرج ريدلي سكوت الذي كان يعمل على توليف «كل المال في العالم» يخبره فيه أنه سيسافر ليلاً إلى نيويورك، حيث يعيش الممثل المعروف (88 سنة) ويريد مقابلته في اليوم التالي. ‬
تم تحديد الوقت والتقى الاثنان في أحد مطاعم المدينة، حيث أخبر سكوت بلامر بأنه اختاره ليلعب الدور الذي كان سبايسي قد قام بتمثيله. حسب بلامر، أنه فهم تماماً السبب ووافق في الجلسة ذاتها بعدما أتيح له، في تلك الجلسة، وقبل أن يقرأ مشاهده في مساء اليوم نفسه، معرفة دوره وحجم ذلك الدور.‬
في الأسبوع التالي حط بلامر، الذي لديه ثلاثة أفلام أخرى في مراحل مختلفة من التنفيذ، في لندن ووقف أمام الكاميرا ليمثل دوره.‬
‬- حكاية منهج‬
يقوم «كل المال في العالم» على حكاية واقعية حدثت سنة 1973عندما اختطفت عصابة حفيد الملياردير جون بول غَـتي، وطالبت بفدية قدرها 17 مليون دولار من والدته (ميشيل ويليامز في الفيلم) التي لجأت إلى الجد طالبة منه دفع الفدية. لكن الجد يرفض بدعوى أنه إذا ما وافق على دفع الفدية عرّض أفراد عائلته لحوادث مماثلة في المستقبل. على الرغم من صحة ذلك، فإن عداءه للأم كان السبب وراء رفضه. فما كان منها إلا اللجوء إلى عميل «سي آي إيه» سابق (مارك وولبرغ) في الوقت الذي بدأت الأمور تتعقد بين الخاطفين أنفسهم.‬
مما سبق يمكن معرفة أن دور كريستوفر بلامر لم يتضمن بضعة مشاهد موزعة له في أرجاء الفيلم، بل كان دوراً مركزياً يحتل ما لا يقل عن 20 في المائة من المشاهد الذي تبلغ مدة عرضه 132 دقيقة. والمسألة لم تكن مجرد السرعة في تدبير ممثل بديل (لا يقل مقدرة) فقط، بل في تصوير مشاهده.‬
هنا تبرز ملكية الأسلوب القديم الذي يعمل المخرج سكوت بمقتضاه.‬
هو من النوع الذي يرسم بنفسه كل لقطة من لقطات أفلامه (يسمون المنهج بـStory Board) وهو كان رسم المشاهد التي أداها كيفن سبايسي القيام بها؛ لذلك كان جاهزاً لتنفيذها مرة أخرى مع كريستوفر بلامر بديلاً.‬
يمكّن هذا الأسلوب المخرج الذي يعمل بمقتضاه أن يبدأ التصوير من دون كثير تجارب. يوفر بذلك الكثير من الوقت الذي تحتله المناقشات وتجربة هذا الحل أو ذاك قبل اختيار أحدهما. مع مدير تصوير خبير (مثل داريوش فولسكي هنا) فإن التصوّر المسبق أيضاً يؤمّن تواصلاً مثمراً للأفكار المعتمدة بحيث ما على المخرج ومدير تصويره وباقي العاملين سوى التنفيذ.‬
- ريدلي سكوت في 2017‬
ريدلي سكوت لا يتوقف عن العمل. لديه 54 فيلماً بصفته مخرجاً (كتب أربعة منها فقط) وفي حوذته 173 عملاً من إنتاجه، منها ما لا يزال في مراحل مختلفة من التنفيذ، والكثير منها أنتجه لسواه من المخرجين. هذا العام فقط أنجز ثمانية أفلام، هي:‬
> إخراج:‬
- Alien: Covenant ‬
- All the Money in the World‬
> منتجاً: ‬
- Phoenix Forgotten ‬
- The Man Who Brought Down the White House‬
- Murder on the Orient Express‬
> منتجاً منفذ‬اً
- Newness‬
- Clive Davies: The Soundtrack of Our Lives‬
- Blade Runner 2049‬


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.