أفادت دراسة حديثة لـ«مركز كارنيغي للأبحاث والدراسات حول السلام بالشرق الأوسط»، بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خيب آمال الجزائريين يوم زار بلادهم في 6 من الشهر الحالي، من دون أن يصدر عنه اعتذار عن جرائم الفترة الاستعمارية (1830 - 1962).
وأوضحت الدراسة، التي نشرها «المركز» في موقعه الإلكتروني، أن ماكرون «زار الجزائر بصفته أول رئيس فرنسي ينتمي إلى جيل، لم يعش حقبة الاستعمار الفرنسي في البلاد. وعلى غرار كل الرؤساء الفرنسيين السابقين، كان عليه التعامل مع إرث الماضي الثقيل بين البلدين، اللذين لم يُشفيا بعد من ندوب ذاكرة تلك الحقبة. وقد تساءل الكثير من الجزائريين، عمّا إذا سيبقى ماكرون متمسّكاً بما قاله أثناء حملته الانتخابية، حين وصف الاستعمار الفرنسي بأنه جريمة ضد الإنسانية، ما أثار موجة من السخط في فرنسا آنذاك، وأفقده ثلاث نقاط في استطلاعات الرأي، واضطرّه بالتالي إلى الاعتذار».
وزار ماكرون الجزائر أول مرَة، في فبراير (شباط) الماضي، كمرشح للرئاسة، وقال في مقابلة مع فضائية خاصة، إن «الاستعمار الفرنسي بالجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، تستحق الإدانة». وفهم الجزائريون من كلامه، أنه مستعد لتقديم الاعتذار عن «الجريمة» في حال أصبح رئيسا.
وأشارت الدراسة إلى «بادرة رمزية» صدرت عن ماكرون، فقد تعهد أثناء زيارته الأخيرة بإعادة جماجم مقاومين جزائريين قُتلوا على أيدي الفرنسيين في خمسينات القرن التاسع عشر، وهي معروضة حاليا بـ«متحف الإنسان» في باريس. «لكنه هذه المرة، تضيف الدراسة، لم يستخدم العبارة المثيرة للجدل الذي استعملها أثناء حملته، ولم يقدّم اعتذاراً رسمياً للجزائريين. بل أصرّ، عوضاً عن ذلك، على «بناء علاقة جديدة مع الجزائر»، و«فتح صفحة جديدة معها»، مناشداً الشباب الجزائريين «ألّا يكونوا أسرى ماضٍ لم يعيشوه»، و«أن يفكّروا في كيفية المضي نحو بناء علاقات مستقبلية مع فرنسا». ويرى ماكرون، حسب الدراسة، أنه «بالإمكان توطيد أواصر العلاقات بين فرنسا والجزائر من خلال بلورة علاقات اقتصادية جديدة، وتعزيز آفاق الاستثمار في موارد الطاقة المتجدّدة، والابتكار، والاقتصادات الرقمية، وصناعة السيارات، وصناعة الأدوية، وقطاعات أخرى».
وألحَ جزائريون، أثناء لقائهم بماكرون في شوارع العاصمة الجزائرية، على ما أطلق عليه «واجب الذاكرة»، فردَ عليهم: «لدي نظرة رجل من جيلي، نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي، أنا أعرف التاريخ ولكنني لست رهين الماضي. لدينا ذاكرة مشتركة، يجب أن ندرك ذلك». وقال أيضا إن بلده «يعتزم بناء محور قوي مع الجزائر، محور البحر المتوسط يمتد إلى أفريقيا، صحيح أن العراقيل موجودة وعلينا تخطيها مع كل الفاعلين في مجتمعينا، ولذلك ينبغي علينا أن نشتغل على ملفات التعليم وتطوير الاقتصاد والمبادلات الثقافية، مفتاح مستقبلنا هم شباب البلدين».
وأضافت دراسة «كارنيغي»: «فقدت فرنسا في عام 2013 صفة الشريك التجاري الأول للجزائر لصالح الصين. لكنها في العام التالي حلّت محلّ إيطاليا، إذ أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري للجزائر بعد الصين، وبلغت حصتها 10.9 في المائة من السوق الجزائرية. خارج قطاع الهيدروكربون، لا تزال فرنسا أبرز جهة أجنبية موظِّفة - إذ توظِّف منشآتها 40 ألف شخص بشكلٍ مباشر، ونحو 100 ألف شخص على نحو غير مباشر - وأكبر مستثمر في الجزائر، إذ يبلغ عدد الشركات الفرنسية في البلاد نحو 500 شركة».
وتابعت: «لا تقتصر حاجة فرنسا إلى الجزائر على القطاع الاقتصادي وحسب، بل تتعداه أيضاً إلى الأمن، إذ تُعتبر البلاد طرفاً محورياً في مكافحة الإرهاب» في منطقة المغرب العربي والساحل. فالجزائر تمتلك قدرات وساطة مؤكدة وكذلك روابط قوية، سمحت لها بمساعدة دول مجاورة، مثل تونس وليبيا ومالي. ويُعتبر ذلك أساسيا بالنسبة إلى فرنسا، فقد كانت الجزائر الدولة الراعية للمفاوضات بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة، التي تُوجَت في عام 2015 في إبرام اتفاق سلام».
ماكرون خيّب آمال الجزائريين في قضية الاعتذار عن جرائم الاستعمار
ماكرون خيّب آمال الجزائريين في قضية الاعتذار عن جرائم الاستعمار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة