مقتل 7 مدنيين و11 {داعشياً} بعمليات أمنية في أفغانستان

العاملون المحليون مع القوات الفرنسية يعانون بين التهديد ورفض منحهم تأشيرات

قوات الشرطة الأفغانية تعاين آثار تفجير انتحاري في قندهار أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات الشرطة الأفغانية تعاين آثار تفجير انتحاري في قندهار أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

مقتل 7 مدنيين و11 {داعشياً} بعمليات أمنية في أفغانستان

قوات الشرطة الأفغانية تعاين آثار تفجير انتحاري في قندهار أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات الشرطة الأفغانية تعاين آثار تفجير انتحاري في قندهار أول من أمس (أ.ف.ب)

قُتل 7 مدنيين، وأُصيب 3 آخرون، أمس، إثر انفجار قنبلة، في ولاية هلمند، جنوبي أفغانستان. فيما ذكرت شرطة «النظام العام» الأفغانية في بيان، أمس، أن 11 مسلحاً على الأقل من تنظيم داعش قُتلوا في عملية شنتها قوات الأمن الأفغانية في إقليم ننجارهار شرق أفغانستان. وقال حجي سلام خان، عضو المجلس المحلي للولاية: إن «الحادث وقع جراء انفجار قنبلة مزروعة على جانب طريق بمقاطعة مارجة في هلمند». وأشار في تصريحات صحافية، إلى أن «الحادث أسفر عن مقتل 7 مدنيين، وإصابة 3 آخرين». من جهته، أكد عمر زواك، المتحدث باسم حاكم الولاية، الانفجار، دون ذكر تفاصيل ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث حتى (الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش).
يشار إلى أن حركة طالبان ناشطة في الولاية، وغالباً ما تنفذ هجمات تستهدف القوات والمقرات الحكومية. وكان أحدث تقرير للأمم المتحدة قد أوضح أن القنابل البدائية أدت إلى قتل أو إصابة أكثر من 800 مدني، بينهم 371 حالة وفاة و432 مصاباً، وذلك في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضيين. وأشار التقرير إلى أن ثلث الضحايا من الأطفال.
إلى ذلك، ذكرت شرطة «النظام العام» الأفغانية، في بيان أمس، أن 11 مسلحاً على الأقل من تنظيم داعش قُتلوا في عملية شنتها قوات الأمن الأفغانية بإقليم ننجارهار شرق أفغانستان، طبقاً لما ذكرته قناة «تولو.نيوز» التلفزيونية الأفغانية أمس، بالإضافة إلى ذلك، أصيب 4 مسلحين آخرين.
وشنت قوات الأمن، العملية، صباح أمس، في منطقة خوجياني بالإقليم، لتطهير المنطقة من المسلحين. وجاء في البيان أنه تم تدمير «مصنع هيروين»، غير أن البيان لم يدلِ بالمزيد من التفاصيل.
في غضون ذلك، يعيش الأفغان الذين عملوا مع القوات الفرنسية في أفغانستان بين خطر أن يواجهوا مصيراً قاتماً في بلدهم لاعتبارهم «تعاملوا مع العدو»، وبين رفض باريس أن تستقبلهم، ويخوضون الآن معركة قضائية عن بعد، آملين أن تفتح لهم فرنسا أبوابها.
و«أحمد» أحد هؤلاء الذين عملوا في صفوف القوات الفرنسية «لسنوات عدة» في ولاية كابيسا المضطربة شمال شرقي كابل، ويفضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي ولا عن طبيعة وظيفته كي لا يُكلّفه ذلك انتقام المتمردين. فمقاتلو حركة طالبان ينظرون إلى فرنسا التي قاتلتهم بين عامي 2001 و2014 على أنها عدو، وإلى الذين ساعدوها على أنهم خونة. وهو يتلقى الكثير من رسائل التهديد والاتصالات المجهولة. ويقول «أحمد» لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية: «أعيش متوارياً، وحين أخرج أرتدي وشاحاً وأضع نظارات كي لا يعرفني أحد». ويضيف: «ليس لديّ مشكلة مالية في أفغانستان، ولكن ما أريده هو حياة هادئة. لذا أريد الذهاب إلى فرنسا». ويبدو أن حالة «أحمد» لاقت أصداء في باريس، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضت المحكمة الفرنسية العليا بإبطال قرار لمحكمة إدارية في نانت برفض منحه، مع 30 آخرين من زملائه، تأشيرة دخول. ونظراً إلى الوضع الطارئ والمخاطر التي يعيشها «أحمد»، طلب القضاة من وزارة الداخلية أن تعيد درس طلبه، وحصل على وعد بمنحه تأشيرة دخول، لكنه ما زال ينتظر تحقق هذا الوعد، بينما محاميته الفرنسية تندد بما تسميه «نقص المعلومات» من طرف السلطات.
وأول من أمس، قال تاداميشي ياماموتو، موفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى أفغانستان، في كلمة أمام مجلس الأمن، إن عدد الضحايا المدنيين للنزاع الأفغاني ما زال عند مستويات مرتفعة جداً. وإضافة إلى التمرّد التي تشنّه «طالبان» منذ الإطاحة بها في عام 2001، ظهرت في هذا البلد المضطرب منذ عقود، مجموعات مسلحة أكثر تطرّفا تبايع تنظيم داعش، ولا تستثني هجماتها العاملين في مؤسسات الدولة ولا المدنيين.
تقول المحامية كارولين دوكروا، نائبة رئيس جمعية المترجمين الأفغان في الجيش الفرنسي، إن 173 أفغانياً عملوا مع الجيش الفرنسي حصلوا حتى الآن على تأشيرات. وكان ذلك على دفعتين، الأولى في عام 2013 والثانية في 2015. لكن من أصل 252 طلباً في عام 2015 تم رفض 152 تقدّم 30 من أصحابها بشكوى إلى محكمة نانت التي أيّدت الرفض. وما زال أمام هؤلاء الأشخاص المحكمة العليا التي تقدّم إليها «أحمد» و8 من رفاقه بشكوى، وحكم قضاتها بإلغاء قرار محكمة نانت. ويقول «أحمد» إنه محظوظ لأنه وجد محامية مستعدة لتمثيله أمام المحكمة العليا. فحين يكون المرء متخفياً في أفغانستان ليس من السهل عليه أن يخوض معركة قضائية عن بُعد في باريس. إضافة إلى ذلك، من الصعب العثور على محامٍ يقبل أن يعمل مجاناً بين المحامين القلة المسموح لهم بالمرافعة في المحكمة العليا، حسب محامية «أحمد».
أما سائر المدعين الأفعان الذين لم يحظوا بمحامٍ فرنسي، فإن دوكروا تطالب السلطات بأن يستفيدوا من الحماية التي يؤمّنها القانون الفرنسي لمن «خدموا فرنسا»، بما في ذلك منحهم تأشيرات. لكن وزارة الداخلية «تصمّ أذنيها عن هذا الطلب» حتى الآن، كما تقول.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»