قضية مرسيل غانم تتفاعل... والمجتمع المدني يدخل على الخط

اعتصام أمام وزارة العدل اليوم دفاعاً عن الحريات

قضية مرسيل غانم تتفاعل... والمجتمع المدني يدخل على الخط
TT

قضية مرسيل غانم تتفاعل... والمجتمع المدني يدخل على الخط

قضية مرسيل غانم تتفاعل... والمجتمع المدني يدخل على الخط

تحوّل الادعاء على الإعلامي مرسيل غانم وملاحقته قضائياً، إلى قضية رأي عام وحريات في لبنان، خصوصاً بعد رفض قاضي التحقيق في جبل لبنان نقولا منصور تسلّم مذكرة الدفوع الشكلية التي قدّمها النائب بطرس حرب بوكالته القانونية عن غانم، ومن ثمّ إصدار مذكرة إحضار بحق الأخير، والطلب إلى القوى الأمنية إحضاره إلى التحقيق بالقوة، ما شكّل سابقة غير معهودة في تاريخ القضاء، استدعت تحركات على الأرض دعت إليها منظمات المجتمع المدني رفضاً لما سمته «سياسة كمّ الأفواه»، وتراشقاً كلامياً من العيار الثقيل بين وزير العدل سليم جريصاتي والنائب حرب.
ودعت منظمات المجتمع المدني في لبنان، كلّ المهتمين بقضية الحريات والدفاع عنها، إلى التحرك والاعتصام ظهر اليوم (الخميس) أمام مبنى وزارة العدل «دفاعاً عن الحريات الإعلامية والحريات العامة، ورفضاً لسياسة القمع وكم الأفواه التي تمارسها السلطة السياسية ضد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين والصحافيين وحتى السياسيين والنواب المعارضين».
واعتبرت المنظمات الداعية للتحرك أن «السكوت عن الممارسات القمعية لوزارة العدل، والسكوت على تسييس القضاء وتسخيره لأغراض الحاكمين، أدى إلى سلسلة من أعمال التوقيف والتحقيق والملاحقة القضائية لمجموعة من أصحاب الرأي المعارض». ورأت أن «ما يجري منذ فترة، يرمي إلى إرهاب الناس وتخويفهم من ممارسة حقهم الدستوري في المعارضة الديمقراطية، التي لا يمكن أن يُحكَم البلد من دونها».
وكان وزير العدل سليم جريصاتي قال في تصريح إلى محطة «otv» التابعة لـ«التيار الوطني الحرّ» الذي ينتمي إليه: «إلى الشيخ أمين (الجميل رئيس الجمهورية الأسبق) والشيخ بطرس (حرب) التزما القانون والقضاء ولن يحصل غير ذلك». وأضاف: «لو تكلم بطرس حرب بصفته نائباً فسيكون كلامه سياسياً، أما لو تكلم بصفة محامٍ فكان عليه الحصول على إذن الكلام». وتابع جريصاتي: «شيخ بطرس، التحقيق سرّيّ، وإفشاء سرية التحقيق جرم يعاقب عليه القانون، ولا أحد يستطيع أن يفشي سرية التحقيق، أما أنت فأفشيتَ».
وأثارت ملاحقة مرسيل غانم بهذه الطريقة استغراب كثير من السياسيين ورجال القانون، وقال وزير العدل السابق والمرجع القانوني إبراهيم نجّار في تصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى على صديقي معالي الوزير سليم جريصاتي، وعلى فخامة رئيس الجمهورية (ميشال عون) عدم المتابعة في هذا المسار القضائي»، مذكراً بأن «الحريات في لبنان مقدسة، ونحن معنيون بالمحافظة عليها مهما كان الثمن».
لكنّ كلام جريصاتي الذي ينطوي على تهديد وتلويح بالملاحقة، استدعى رداً سريعاً من النائب حرب، الذي قال: «يا معالي الوزير صرختنا، وصرخة كل أحرار هذا البلد، أن تلتزم أنت القانون وتحترم استقلالية القضاء، وألا توحي بإخباراتك الانتقائية للنيابة العامة التمييزية أنك تمارس كوزير للعدل، دور جلاد حرية الرأي والإعلام، فلستَ في موقع يسمح لك بإلقاء العظات على من أمضوا حياتهم يحترمون القوانين ويناضلون من أجل استقلالية القضاء».
وتابع: «أما تعليقك على ما ورد في مؤتمري الصحافي الذي عقدته البارحة (أول من أمس)، فإنني عقدته بصفتي مواطناً لبنانياً حراً يؤمن بنظام الحريات الذي دفعنا ثمن حمايته دم الشهداء، بالإضافة إلى تعرضي شخصياً لمحاولة اغتيال بسببه، فإذا كنت قد ارتكبت جرماً برأيك، فأدعوك إلى ملاحقتي، وإذا لم أفعل، فليس من شأنك التعليق على ما أقوم به»، مذكراً بأن «مسألة الحصول على إذن كمحامٍ، فهذا أمر لا يعنيك، بل هو محصور بيني وبين نقابة المحامين»، معتبراً أن وزير العدل «بات غير قادر على التمييز بين إفشاء سرية التحقيق وعرض وقائع لا علاقة لها بمحتوى التحقيق، الذي لا يجوز أن نطلع عليه، ولم نطلع عليه لنفشي محتواه، وهو ما يجب أن يعرفه وزير العدل القانوني، وهذا ما يفترض لتأكيد حصوله أن يكون قد اطلع عليه الوزير شخصياً لكي يزعم أنني أفشيتُه، وهو ما يدلل على تدخله في مجريات تحقيق قضائي».
إلى ذلك عبّر منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، عن تخوفه من «استبدال النظام الأمني اللبناني السوري، بنظام أمني لبناني إيراني». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «تدخل حزب الله بالقضاء بات واضحاً، بدليل تصريح وفيق صفا (رئيس وحدة الأمن والارتباط في الحزب) في السادس من الشهر الحالي، الذي أعلن فيه أنه اتصل بوزير العدل (سليم جريصاتي)، وطلب منه تحريك القضاء ضدي بزعم المسّ بالذات الإلهية»، لافتاً إلى «انهيار الساحة الأمنية بين لبنان وسوريا والعراق واليمن، بدليل وجود قاسم سليماني في البوكمال، وقيس الخزعلي في جنوب لبنان، والحوثي في الضحية الجنوبية».
وأمام ارتفاع وتيرة الملاحقات التي تطال صحافيين وناشطين، تحدث سعيد عن وجود «خوف حقيقي على الحريات»، لكن أردف: «على الذي ينسى أو يتناسى، أن لبنان عصيّ على العنف، سواء كان هذا العنف عسكرياً أو أمنياً أو قضائياً أو سياسياً»، معتبراً أن «اللجوء إلى هذه الممارسات، هدفه سدّ ثغرات في مكان آخر». وقال: «لو كان العهد قوياً لما لجأ إلى هذه الممارسات»، مؤكداً أن مرسيل غانم «رمز أساسي من رموز الصحافة العربية، والمسّ به هو مسّ بأي رمز من رموز هذا الوطن».
أما رئيس الجمهورية ميشال عون، فأشار خلال استقباله وفداً قضائياً، إلى أنه «لا أحد فوق سلطة القضاء الّذي يحفظ حقوق الجميع ويحمي الكرامات ويحقّق العدالة». ورأى أنه «من غير الجائز التطاول عليه أو التمرّد على قرارات القضاء من أي جهة أتى، لأن واجب الجميع حماية القضاء وتحصينه لا سيما أنّ أحكامه تصدر باسم الشعب اللبناني». واعتبر أن «سقف الحرية الإعلامية هو الحقيقة»، موضحاً أن «رئاسة الجمهورية لم ولن تتدخّل في أي قضية عالقة أمام القضاء، لا سيما منها تلك التي تتصل بإعلاميين».
ودخل مجلس القضاء الأعلى على خطّ هذه القضية، مدافعاً عن الإجراءات التي اتخذها قاضي التحقيق، وقال في بيان إن «المدعى عليه ووكيله لم يلتزما بقرار تقديم الدفوع ضمن المهلة القانونية، وفي جلسة 18 الشهر الحالي لم يحضر المدعى عليه، بل حضر عنه وكيله واستمهل مجدداً للتقدّم بالدفوع الشكلية، دون أن يبيّن أي سبب يبرّر عدم التقدّم بها في المهلة السابقة المحدّدة لتقديمها». وأوضح مجلس القضاء أنه «بعد أن استوفى قاضي التحقيق في مرحلةٍ سابقة ما تنصُّ عليه الأصول القانونية، وبعد غياب المدعى عليه (مرسيل غانم) عن الجلسة الثانية، قرّر عدم قبول حضور المحامي، وإرجاء الجلسة إلى الرابع من يناير (كانون الثاني) المقبل، وإحضار المدعى عليه لمخالفته القرار القاضي بوجوب حضوره بالذات في الجلسة الثانية».
من جهتها، أكدت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، أن «محكمة المطبوعات هي المرجع الأوحد للفصل في القضايا التي تُرفَع ضد الصحافيين والإعلاميين». ودعت إلى «عدم الركون إلى معادلة: القانون في مواجهة الإعلام، والإعلام في تحدي القانون، فكلاهما يتكامل ضمن منظومة مبدأ دستوري تصونها القوانين، وينبغي حمايتها والدفاع، وهي إذ تدين أي استهداف للصحافيين والإعلاميين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».