صوتت بريطانيا في يونيو (حزيران) 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي مارس (آذار) الماضي، قررت رئيسة وزراء بريطانيا تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، أي آلية خروجها السياسي والاقتصادي من التكتل الأوروبي في مارس 2019 أمرا واقعا بعد أكثر من 40 عاما، مفاجأة القرار البريطاني ألقت بظلالها على العلاقة بين لندن والدول الـ27، وتبادلت الأطراف الاتهامات وتوقعت أن الطلاق سيكون سلبيا جدا للطرفين. لكن في الأمس ولأول أظهر الطرفان المعنيان، في لندن وبروكسل، تفاؤلا بخصوص التسوية الودية، وقررا الانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات.
وهذا ما عملته قمة قادة الاتحاد التي اختتمت أمس الجمعة وانعقدت على مدى يومين في بروكسل، إذ أعطت الضوء الأخضر لانطلاق الجولة الثانية، التي تتناول العلاقات التجارية المستقبلية. وقال القادة في البيان الختامي إن الجولة الأولى عرفت تقدما كافيا، تسمح لنا بالذهاب إلى للمرحلة الثانية المتعلقة بالانتقال، وإطار العلاقات الثنائية المستقبلية.
وطالب التكتل بالتزامات على ثلاثة مستويات: مصير المواطنين الأوروبيين في بريطانيا والعكس، بعد الانفصال ومستقبل الحدود بين جمهورية آيرلندا وآيرلندا الشمالية وفاتورة بريكست. واعتبر أن الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه قبل أسبوع بين المفوضية الأوروبية ولندن يتضمن هذه الضمانات.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إن «ثقتي في ماي (رئيسة وزراء بريطانيا) لم تتغير»، قبل أن يحذر من أن «المرحلة الثانية ستكون أصعب بكثير» من الأولى. وأضاف يونكر أن «البعض منا، وأنا بينهم، يعتقدون أنها بذلت جهودا كبرى يجدر الاعتراف بها». وأعلن رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك على موقع «تويتر» أن «قادة الاتحاد الأوروبي يوافقون على الانتقال إلى المرحلة الثانية من محادثات بريكست. نهنئ رئيسة الوزراء (البريطانية) تيريزا ماي».
وردت ماي قائلة بأن بريطانيا والاتحاد الأوروبي سيبدآن على الفور محادثات بشأن مستقبل العلاقة بينهما بعد موافقة التكتل على الانتقال للمرحلة الثانية من المفاوضات. وقالت إن «اليوم يشكل خطوة مهمة على طريق خروج من الاتحاد هادئ ومنظم وصياغة شراكة مستقبلية وثيقة وخاصة». وقالت في مقابلة مع قناة سكاي نيوز التلفزيونية: «سنبدأ المحادثات بشأن علاقتنا في المستقبل، سنشرع فيها على الفور وسوف نتحدث أيضا عن فترة التنفيذ التي ستمنح بالتأكيد للشركات والأفراد». وأوضحت رئيسة الوزراء البريطانية أنه لا يزال يوجد كثير من العمل يتعين إنجازه، لكنها أكدت أن بريطانيا ستترك الاتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019.
وشدد القادة على أنه في المرحلة الثانية لا بد من الاحترام الكامل لتلك المبادئ، ويجب أن تطبق بالكامل، كما وافق القادة على مقترح بريطاني بفترة انتقالية لمدة عامين ولكن لا تتمتع فيها بريطانيا بمميزات الدولة العضو، ومنها أمور مثل المشاركة أو الترشح أو انتخاب أعضاء المؤسسات الاتحادية أو المشاركة في صنع القرار في هيئات الاتحاد ومكاتبه ووكالاته.
وحسب ما جاء في البيان الختامي «على أن تقدم المفوضية الأوروبية مقترحات في أقرب وقت تتعلق ببعض الأمور التي تتضمنها الفترة الانتقالية ومنها السوق الأوروبية المشتركة وإمكانية اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية وأمور أخرى مع حرص قادة دول الاتحاد على إقامة علاقة شراكة وثيقة مع بريطانيا في المستقبل».
وفي مؤتمر صحافي ختامي قال رئيس مجلس الاتحاد دونالد توسك سيتم إطلاق الجولة الثانية من المفاوضات بعد اتفقنا على هذا الأمر وتحدثنا بصوت موحد باسم 27 دولة عضو في الاتحاد بفضل ما قام به ميشال بارنيية رئيس الوفد التفاوضي الأوروبي وجهود تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا.
وقال كريستيان كيرن المستشار النمساوي إنه «مهم جدا أن نطلق المرحلة الثانية من المفاوضات مع بريطانيا لأنه لو لم نفعل ذلك سيكون هناك ارتباك في الأسواق الأوروبية، وأعتقد أنه بعد أن حققنا تقدما في الجولة الأولى لا بد أن نمضي قدما في هذا الطريق».
وقال سيمون تايلور خبير بريطاني في المعهد الأوروبي للشؤون الخارجية: «ستكون مفاوضات المرحلة الثانية صعبة جدا لأن هناك صعوبات على طريق التوصل لاتفاق تجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي والجميع يعلم أن لندن لديها طموحات لتحقيق أفضل الظروف لتحقيق اتفاق تجاري، ولكن لا أعتقد أن الدول الـ27 الأخرى ستوافق على تحقيق الأمر بسهولة ووفقا لتطلعات لندن ومن هنا تأتي الصعوبة».
وقال يونكر: «علينا أولا صياغة اتفاق الانسحاب ثم التصويت عليه وعندها سنرى». ولكن رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، بدا أكثر حذراً حيث شدد على ضرورة عدم تمكين بريطانيا من زرع الشقاق في الصف الأوروبي، ورأى أن «المرحلة الصعبة ستبدأ الآن»، ويعتبر الأوروبيون أن التقدم الذي تم إحرازه في مفاوضات ترتيبات الانفصال خاصة المتعلقة منها بحقوق المواطنين والتسوية المالية والحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية كافية للبدء بمفاوضات حول المرحلة الانتقالية والشراكة المستقبلية.
«مناقشات حادة» حول حصص المهاجرين ولا اتفاق
- تطالب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء إيطاليا باولو جنتيلوني ضمن آخرين بأن تستقبل كل دولة من دول الاتحاد حصة إلزامية من طالبي اللجوء الذين يتركزون بمنطقة ساحل البحر المتوسط أو وصلوا إلى دول في الشمال الغربي الأكثر ثراء بعد تحركات فوضوية عبر أوروبا. وقالت ميركل، كما نقلت عنها رويترز، إن هناك تقديرا واسعا لجهود تعزيز السيطرة على حدود التكتل، التي نجحت في تقليل عدد الوافدين بشكل كبير، خاصة من خلال اتفاقات مع تركيا ودول بمنطقة البلقان لإغلاق طريق الهجرة عبر اليونان.
وبعد عامين من أزمة المهاجرين التي أحدثت انقساما شديدا بين دول الاتحاد الأوروبي، لا تزال الخلافات بين قادة التكتل مستمرة بشأن أسلوب التعامل مع اللاجئين. وبدأت مساء مناقشات على عشاء عمل الخميس واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح أمس الجمعة بهدف تقريب وجهات النظر المتعارضة حول تعديل قوانين اللجوء. لكن قادة الاتحاد أوضحوا أن الغضب الذي صاحب تدفق مليون شخص إلى اليونان وتوجههم نحو ألمانيا في 2015، قد تضاءل لكن المحادثات «الصريحة» فشلت في رأب الخلافات العميقة.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للصحافيين: «أمامنا الكثير من العمل... لم تتغير المواقف». وأيد زعيما بولندا وجمهورية التشيك الجديدان موقف المجر وسلوفاكيا المتمثل في أن مجتمعاتهم الشيوعية السابقة لا يمكنها تحمل مهاجرين بأعداد كبيرة خاصة من المسلمين. وقال رئيس وزراء التشيك أندريه بابيش إن النقاش «عاصف جدا» وإن الدول الشرقية لن تدع الغالبية تفرض عليها استقبال حصص إلزامية من اللاجئين.
وقال دبلوماسي من بلد يؤيد الحصص الإلزامية إنه قد يحدث تحرك باتجاه إجراء اقتراع إذا لم تظهر بوادر إجماع عندما يناقش القادة تعديل قوانين اللجوء في يونيو العام المقبل. وأكد جنتيلوني أن الحصص الإلزامية أمر ضروري ويجب توسيع نطاقها. وأدلى زعيما لوكسمبورغ وبلجيكا وآخرون بتصريحات مماثلة.