تبدو أرضية التاكسي المزركشة باللونين الأبيض والأسود أشبه بأرضية البيت. والمقاعد صُنِعت من الجلد بالألوان الأصفر والأرجواني والبرتقالي، فيما امتلأت الأجزاء الداخلية للتاكسي ذات اللون الأخضر الفاقع بملصقات الزينة. وعندما تتولى سائقة التاكسي القيادة يُمكن للركاب اللعب بالسيوف البلاستيكية واستخدام مكبر الصوت أو عمل فقاعات الصابون.
مرحباً بكم في تاكسي فلورنسا المعروف بـ«ميلانون 25»، الذي استمر لنحو 16 عاماً في تقديم الخدمة المجانية عند التنقل نهاراً بين مستشفيات الأطفال من مرضى السرطان ومنازلهم، ومساءً لنقل الركاب العاديين بوسط بلدة توكساني.
صاحبة الفكرة ومؤسسة مشروع التاكسي هي السيدة كاترينا بيلاندي (52 عاماً)، المعروفة في مدينة فلورنسا، وفي مختلف أرجاء البلاد باسم «زيا كاترينا»، أو العمة كاترينا.
تقود كاترينا التاكسي مرتدية عباءة فضفاضة ذات اللونين الأزرق والأخضر يعلوها قبعة من القش مزينة بورود كبيرة وأزهار صناعية. يزين معصمها ورقبتها عدد لا نهائي من الأجراس الصغيرة التي تجلجل كلما تحركت، وحول رقبتها مسبحة طويلة ذات حبات صفراء وبرتقالية وحمراء.
تحدثت بيلاندي عن هيئتها بينما تنظر إلى المرآة من خلال نظارتها الفلورسنتية قائلة: «هذا ليس عرضاً»، مضيفة بابتسامة دافئة بشفتيها الحمراوين: «قد يمرض أطفالي لكن من حقهم أن يشعروا بالسعادة».
مات شريك بيلاندي، وهو المالك الأصلي لمشروع تاكسي «ميلانو 25» في عمر الشباب عام 2001، وورثت عنه رخصة السيارة الأجرة.
استطردت بيلاندي: «وجدت كل هذا الحب العميق بداخله، وبعد موته قررت أن يستمر مشروع التاكسي. فقد أردت أن أرد له الجميل بأن أجعل تاكسي (ميلانو 25) أفضل تاكسي في العالم لأسهم في جعل الجميع يتذكرونه دائماً».
بكل تأكيد فقد نجحت بيلاندي بأسلوب يذكرك بفيلم «ماري بوبينز»، لتجعل من نفسها ومن سيارتها شيئاً فريداً.
كانت مختلفة في هيئتها عن باتش أدامس، الطبيب الأميركي الذي قرر أن يرتدي بذلة المهرج أثناء علاجه للأطفال المرضى. فبيلاندي لم ترتدِ الزي الذي يرتديه كل من حضر جولات الطبيب داخل المستشفى، وهو يرتدي زي المهرج ليسعد الأطفال. ففي عام 2007، قادت سيارتها لمسافة 1800 ميل من مدينة فلورنسا إلى موسكو لتحضر دورته التدريبية عن العلاج بالتهريج، لكنها رفضت أن تضع الأنف البلاستيكي الأحمر شأن باقي الحاضرين. وبررت بيلاندي رفضها قائلة: «أنا لست مهرجة. أنا سائقة تاكسي، ولذلك أقوم بالعلاج باستخدام التاكسي».
انتشرت فكرتها المبدعة المعروفة في المدينة وأصبح الجميع يعرفونها. سيارات الأجرة جميعها متشابهة لكن سيارتها مختلفة، لا سيما من الداخل حيث تشبه فيلم «مدينة الأقزام» الذي أنتجته «ديزني»، وهذا ما ستلحظه إذا ما نظرت إلى المقعد الخلفي.
لكنّ الجهات الحكومية رفضت الملصقات التي وضعتها على النوافذ بداعي أنها قد تعيق رؤية السائق. وتقدمت بيلاندي بالشكوى مراراً، بعد أن حُرِّرت لها كثير من المخالفات.
وصرح أجينيو غياني، الرئيس الحالي لمجلس إقليم توسكاني الذي تقدم بالتماس نيابة عنها إلى شرطة المدينة لكي تساعدها، قائلاً: «إنها مثال حي للتضامن، وأرى أن مدينتها يجب أن تساعدها في ذلك».
ويسعى غياني للحصول على لقب شرفي لها لتصبح «سفيرة التضامن في إقليم توسكاني»، في تعبير عن مساندة مؤسسات المدينة لها. أضاف: «هي قادرة على إشراك الأطفال في أي شيء، بدءاً من مباريات كرة القدم إلى الرحلات في الخارج، وتفعل ذلك مع كل طفل على حدة من دون توقف لترفع من روحهم المعنوية».
السيدة بيلاندي ليست فقط سائقةَ سيارة للمرضى من الأطفال فحسب، بل هي أيضاً الصديق الودود والرفيق الحنون خلال اللحظات الصعبة التي يمرون بها في حياتهم، فنشاطها يمتد إلى زيارة هؤلاء الأطفال في بيوتهم والمساعدة في ترتيب رحلات لهم. كذلك تصطحب الأطفال المرضى لمشاهدة المباريات الرياضية ومصافحة مدربي فرقهم، وأيضاً اصطحاب بعضهم في رحلة لمصافحة بابا الفاتيكان.
تتولي شبكة من محبي الخير مساعدة السيدة بيلاندي، مثل ذلك المخبز بمدينة فلورنسا الذي يقوم بإعداد الفطائر والبيتزا مجاناً من ذلك النوع سهل المضغ ليسهل للأطفال الذين يخضعون لعلاج كيماوي ابتلاعها. وهناك أيضاً من الأمهات من تقمن بحياكة عباءات بيلاندي، وهناك من يصممها لها ويصنع لها قبعاتها المزركشة المحببة للأطفال.
ذاع صيت هذه بيلاندي أخيراً للدرجة التي جعلت أمهات الأطفال من مرضى السرطان يبحثون عنها عبر الإنترنت. كذلك ضمت لعبة «مونوبولي» التي تحوي شخصيات شهيرة بإقليم توسكاني شخصية بيلاندي.
قالت فرانشسيكا سكاتورو، أم الطفلة غيليا (5 سنوات) المصابة بنوع شرس من سرطان المخ: «كنتُ يائسةً وكنتُ أبحث عن المساندة»، وأرسلت برسالة إلى صفحة بيلاندي على الإنترنت. وبالفعل استجابت بيلاندي وتوجهت على الفور في زيها المحبب للأطفال إلى المستشفى حيث تتلقي غيليا علاجَها، وأحضرت معها بيتزا وأصرت على أن تتناول الأم سكاتورو (34 عاماً)، شريحة منها.
أصبحت بيلادي زائراً دائما لغيليا على مدار عام كامل من العلاج. وباتت تقضي إجازات نهاية الأسبوع برفقتها وبرفقة غيرها من الأسر التي تواجه تحدياً مماثلاً للدرجة التي جعلت منها عضواً في العائلة، وباتت الطفلة غيليا تدعوها «العمة»، وبالنسبة لأمها سكاترو، فقد قالت: «يكفي أن أراها. فضمها لابنتي بات يمثل كل شيء لها».
* خدمة «نيويورك تايمز»