شارك أمس الآلاف من الجزائريين في مظاهرات بمنطقة القبائل (شرق)، احتجاجاً على رفض البرلمان تخصيص ميزانية لتدريس اللغة الأمازيغية في كل المدارس بالبلاد. وعدّ الناطقون بالأمازيغية، هذا الرفض، بمثابة «موقف عدائي» ضد ثقافتهم التي يتهمون السلطات بـ«طمسها»، مع أن لغتهم أضحت منذ بداية 2016، بموجب تعديل دستوري، لغة رسمية بجانب اللغة العربية.
ونظم طلبة الجامعة بأقسام اللغات الأجنبية واللغة البربرية بجامعة بجاية، (القبائل الصغرى تقع على بعد 250 كلم شرق العاصمة)، مظاهرة صاخبة في مدينة بجاية، رفعوا خلالها العلم الأمازيغي ونادوا بـ«تعميم تدريس اللغة الأمازيغية»، ونددوا بـ«محاولات حجب هوية الجزائريين الحقيقية».
وعشية المظاهرة، حذف مجهولون الكلمة المكتوبة بالعربية على إشارات المرور بمدينة بداية وفي كل المدن المجاورة لها. وجاء في تقارير أمنية أن مصدر هذه التصرفات، نشطاء التنظيم الانفصالي «حركة الحكم الذاتي بمنطقة القبائل». وشوهد في المظاهرات مناضلو الحزبين السياسيين المتجذرين بالمنطقة، «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» و«جبهة القوى الاشتراكية» التي تعد أقدم حزب معارض، أدبياته مبنية على «التمكين للثقافة الأمازيغية». وشكل هذا الموضوع صراعاً سياسياً قديماً، بين قيادات «الحركة الوطنية» من أيام النضال السياسي ضد الاستعمار الفرنسي.
وعاشت تيزي وزو، عاصمة القبائل الكبرى (110 كلم شرق) الأجواء نفسها، حيث خرج طلبة الحي الجامعي «حسناوة»، في مسيرة حاشدة جابت شوارع المدينة، عبروا خلالها عن استنكارهم «موقف برلمان السلطة». ويرى قطاع واسع من سكان القبائل أن البرلمان بغرفتيه «فاقد شرعية»، وأن النواب الذي يمثلون المنطقة «غير مؤهلين للحديث باسمها». وتشهد تيزي وزو وبجاية والبويرة، وهي أشهر ولايات القبائل، معدلات انتخاب ضعيفة في كل الاستحقاقات، مقارنة ببقية الولايات.
واللافت أن المظاهرات في بجاية وتيزي وزو، جرت في ظروف هادئة، وكانت محاطة بتعزيزات أمنية كبيرة. ولم يتدخل رجال الأمن، ما يوحي بأنهم تلقوا تعليمات بعدم التعرض للمتظاهرين خشية رد فعل عنيف منهم. وأوفدت الحكومة وزير الشباب الهادي ولد علي، إلى تيزي وزو، لتهدئة النفوس. وقال للمتظاهرين إن الحكومة «لا تعارض تدريس الأمازيغية على عكس الشائعات المغرضة».
وقال الناشط السياسي الإسلامي محمد صالحي، عن المظاهرات: «ملاحظتي حول مسيرات ترقية اللغة الأمازيغية، هي أن كل اللافتات (خلال المظاهرات) مكتوبة بالفرنسية ولا توجد كلمة واحدة بالعربية، وهذا يطرح كثيراً من التساؤلات، ومنها: هل الهدف هو ترقية الأمازيغية، وهذا مطلب ندعمه لأنه شرعي وثقافي مرتبط بالهوية، أم أن الهدف هو محاصره العربية وخدمة الفرنسية؟».
ويعود الجدل حول تدريس الأمازيغية إلى اقتراح إدخال تعديل على قانون الموازنة لسنة 2018، تقدم به برلمانيو «حزب العمال» اليساري، جاءت فيه دعوة إلى رفع قيمة ميزانية مشروع «ترقية اللغة الأمازيغية»، وأن «تسهر الدولة على تعميمها في كل المدارس العمومية والخاصة، على أن يكون التدريس إجبارياً في إطار تطبيق مخطط تدريجي». وتم رفض هذا المقترح بحجة أن السلطات العمومية «بذلت وما زالت تبذل مجهوداً معتبراً في مجال تدريس اللغة الأمازيغية، فضلاً عن ذلك، ثمة هيئة وطنية تتمثل في المحافظة السامية للأمازيغية التي تتولى القيام بمهمة تطوير الأمازيغية».
يشار إلى أن جذور «القضية الأمازيغية»، تعود إلى أحداث «الربيع الأمازيغي» عام 1980، عندما تدخلت الشرطة لمنع محاضرة بتيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة)، موضوعها «البعد البربري للشخصية الجزائرية». وكان رد فعل المناضلين يومها عنيفاً، واندلعت مواجهات بين الطرفين خلفت جرحى واعتقالات في صفوف الناشطين.
وظل الاحتقان حاداً بالمنطقة إلى أن تجددت المواجهات بشكل أكثر عنفاً عام 2011، عندما قتل دركي شاباً في سن الـ18. وخلفت معارك الشوارع بين قوات الأمن والمحتجين على مقتل الشاب، 100 قتيل. وكانت تلك الأحداث سبباً مباشراً في مراجعة الدستور عام 2002 لتدوين الأمازيغية لغة وطنية، قبل أن تصبح لغة رسمية في تعديل أدخل على الدستور عام 2016. وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أشد المعارضين لهذا الخيار، قبل أن يرضخ لضغط القبائل.
قبائل في الجزائر تحتج لرفض البرلمان تدريس اللغة الأمازيغية
مظاهرات طلابية دون تدخل أمني ووزير الرياضة يصل إلى وزو لتهدئة النفوس
قبائل في الجزائر تحتج لرفض البرلمان تدريس اللغة الأمازيغية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة