سعت مصر أمس إلى ضمان عدم تصعيد الأزمة الليبية في ضوء اقتراب انتهاء موعد المهلة التي حددها المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي، بالتدخل في حال انتهاء المفاوضات الجارية دون التوصل لاتفاق سلام جديد بحلول يوم 17 من الشهر الحالي، موعد انتهاء ولاية اتفاق الصخيرات المبرم بالمغرب برعاية أممية قبل نحو عامين.
والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس مع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية الذي وصل في وقت سابق من مساء أول من أمس إلى القاهرة، عقب زيارة مماثلة قام بها المشير حفتر.
وقال مسؤول مصري، على اطلاع وثيق بمحادثات السراج في القاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة السراج إلى مصر تندرج في إطار المشاورات المصرية المستمرة مع الأطراف الليبية». لكنه بدا حذرا، لدى إجابته على أسئلة تتعلق بمدى نجاح الوساطة المصرية لتقريب وجهات النظر أو اتفاق وشيك، حيث قال: «لا زلنا نأمل التوصل إلى اتفاق، لا شيء في الأفق»، على حد تعبيره.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه «الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات ينتهي يوم 17 من هذا الشهر، نريد الحفاظ هنا على ما تم، لدى مصر وجميع الدول المعنية بالملف الليبي مخاوف من حدوث مشاكل في وقت لاحق».
ونفى علمه بتراجع المشير حفتر عن تهديده بتدخل الجيش في المشهد السياسي بعد هذا الموعد، وقال: «في ليبيا، ليست هناك دولة حتى الآن، ويصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث في اليوم التالي، المشاورات جارية للتهدئة والحفاظ على مخرجات الاتفاق السياسي، ضمن الجهود المصرية».
من جهته، قال العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يعلم ما الذي يعتزم المشير حفتر فعله عقب انتهاء ولاية اتفاق الصخيرات»، مشيرا في نبرة جديدة إلى أن «مسألة المهلة التي حددها حفتر في السابق هي (موضوع شعبي)»، على حد تعبيره.
رسميا، وفيما بدا أنه بمثابة رسالة ضمنية بالهواجس المصرية، أكد الرئيس السيسي لدى لقائه أمس مع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، على أهمية استمرار جهود التسوية السياسية والعمل على مساعدة مبعوث الأمم المتحدة لليبيا في مهمته، واستكمال التوافق حول مختلف القضايا المعلقة، كما طالب السيسي الأطراف الليبية كافة بضرورة إعلاء المصلحة الوطنية العليا والاستقرار في ليبيا فوق أي مصالح ضيقة، والتركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة.
وقال السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية في بيان أصدره أمس إن «السيسي أكد أيضا موقف مصر الثابت الداعي إلى ضرورة التوصل إلى حل للأزمة في ليبيا من خلال المسار السياسي، وأن الاتفاق السياسي هو حجر الزاوية لعودة الاستقرار لليبيا وللحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها».
ونقل عن السراج إعرابه عن شكره للجهود المصرية الاستثنائية الساعية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، خاصة ما وصفه برعايتها الكريمة للاجتماعات الجارية لوفد الجيش الليبي، وكذلك التصدي لكافة الأطروحات الخارجية التي تهدف إلى التدخل والنيل من استقرار البلاد.
وأشار إلى أنه تم خلال اللقاء الذي حضره وزيرا الخارجية والمالية من الطرفين بالإضافة إلى خالد فوزي رئيس المخابرات العامة المصرية استعراض آخر التطورات السياسية على الساحة الليبية وجهود المبعوث الأممي، مشيرا إلى أنه تم أيضا استعراض المساعي المصرية مع مختلف القوى الليبية، بهدف دعم المسار السياسي، باعتباره المسار الوحيد المقبول محلياً وإقليمياً ودولياً.
واستعرض السيسي والسراج الجهود الجارية لتوحيد المؤسسة العسكرية، حيث تم التأكيد على أن التقدم السريع المحرز في هذا المسار من جانب أبناء المؤسسة، يمثل نموذجاً يجب أن يحتذى به من قبل كافة الأطراف المنخرطة في المسار السياسي، لتحقيق ذات التقدم الملموس. وتطرق اللقاء إلى سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب، واتفق الجانبان على أهمية تعزيز الجهود الدولية بهدف صياغة استراتيجية شاملة للتعامل مع الإرهاب، خاصة مع تنامي ظاهرة انتقال المقاتلين من بؤر الصراعات إلى مناطق أخرى، وهو ما تستغله التنظيمات الإرهابية لإشاعة الفوضى في المنطقة.
وقال المتحدث الرئاسي إن اللقاء شهد كذلك تناول أوجه التعاون الثنائي المشترك بين الجانبين والعمل على المزيد من تطويره، فضلاً عن بحث انعقاد اللجنة العليا المشتركة واللجان الفنية المتخصصة في أقرب فرصة.
وكان السراج التقى أيضا مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أكد محورية القضية الليبية للجانب المصري وأنها تأتي في مقدمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، وحرص مصر على بذل كل الجهود من أجل دعم تسوية الأزمة الليبية بشكل نهائي.
من جهته، أشاد السراج بالتحركات المصرية الرامية إلى حلحلة الأزمة في ليبيا، وما تبذله من جهود لتفعيل المسار السياسي من خلال الحل السلمي والحوار بين الأطراف الليبية المختلفة. كما حرص خلال اللقاء على إطلاع شكري على نتائج اتصالاته والمشاورات التي قام بها مع مختلف الأطراف الليبية والدولية، وزياراته الأخيرة إلى واشنطن وبرلين، فضلاً عن رؤيته للخروج من الأزمة في ليبيا.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية في بيان له أمس، إن شكري أكد على أهمية توفير الدعم الكامل للمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة باعتباره الطريق الذي اختاره الليبيون بأنفسهم، واستئناف لجنة الصياغة بتونس عملها في أقرب فرصة ممكنة من أجل البناء على ما تحقق، واستكمال باقي القضايا العالقة لتحقيق التسوية السياسية وإدخال التعديلات اللازمة على اتفاق الصخيرات، كما تمت مناقشة سبل التعامل مع الأطر الزمنية المختلفة للعملية السياسية.
ودخل النواب الليبي أمس على الخط بتوجيه دعوة إلى أعضائه لحضور جلسة ستعقد غدا الثلاثاء بمقره في مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي، إذ أعلن عبد الله بليحق المتحدث الرسمي للمجلس النواب عن توجيه دعوة من رئاسة المجلس إلى كل أعضائه بضرورة حضور هذه الجلسة, التي قال إنها تستهدف اتخـاذ الإجراءات العملية لتنفيذ مقترح تعديل الاتفاق السياسي الذي وافق عليه مجلس النواب في جلسته الرسمية التي عُقدت خلال الشهر الماضي.
وأوضح بليحق أن الدعوة تأتي بهدف «استيفاء الاستحقاقات الملقاة على عاتق المجلس في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وفي مقدمتها تعديل اتفاق الصخيرات وفقا لثوابت مجلس النواب وبما يحقق توافقا وطنيا ينهي حالة الانقسام الحالي وتداعياتها التي انعكست على حياة المواطن والأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد».
إلى ذلك، أعرب سفراء دول غربية عن قلقهم من الانتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا، بالتزامن مع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
ووزعت السفارة الأميركية في طرابلس أمس بيانا مشتركا قال فيه سفراء النمسا وبلجيكا وبلغاريا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا ورومانيا وإسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، «نظل قلقين إزاء الانتهاكات ضد حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي ما تزال تحدث في جميع أنحاء ليبيا، بما في ذلك ضد المدنيين والنازحين داخليا، على الرغم من تقديرنا لكل من يسعى بجهد لحماية وإحقاق حقوق الإنسان في ليبيا».
وطالب السفراء، بالتحقيق بشكل كامل مع الأشخاص الذين يشتبه في ارتكابهم هذه الأفعال، أو من ساهم بإصدار الأوامر بها أو من لم يمنعها من الحدوث، من جميع الجوانب، إذا ثبتت إدانتهم، كما أعربوا عن قلقهم إزاء القيود المفروضة على الحريات المدنية والسياسية، وتخويف منظمات المجتمع المدني والموظفين العموميين والجماعات الدينية والأقليات.
من جهته، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة، في بيان أصدره أمس إن انتهاكات حقوق الإنسان تحدث على نطاق يبعث على الانزعاج مع انعدام المساءلة أو الإجراءات القانونية، مشيرا إلى أنه خلال العام الجاري فقط أدى الاقتتال العشوائي في المناطق السكنية والضربات الجوية والذخائر المتفجرة إلى مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 365 ليبياً بينهم 79 طفلاً. وتم الاعتداء على 14 مرفقاً صحياً، الأمر الذي عرّض حياة الأطباء والمرضى ونظام الرعاية الصحية الهش إلى الخطر.
وأوضح أن البعثة الأممية وثقت أيضاً 201 عملية قتل غير قانونية، لا سيما عمليات الإعدام لأشخاص تحتجزهم الجماعات المسلحة. ومع ذلك، لا تزال الجماعات المسلحة تحتجز آلاف الأشخاص بصورة غير مشروعة، إذ يتعرضون إلى التعذيب بشكل منهجي وتحدث حالات الوفاة أثناء الاحتجاز بصفة مستمرة.
مصر تستقبل السراج وسط ترقب لما بعد مهلة حفتر
جلسة لبرلمان طبرق لتنفيذ تعديل {الصخيرات}
مصر تستقبل السراج وسط ترقب لما بعد مهلة حفتر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة